التحولات الاقتصادية، وعلى رأسها خصخصة التعليم والصحة، أثرت بشكل مباشر على أولويات الأسر، إذ ارتفعت نسبة الإنفاق على هذين القطاعين من 9.2% في 2001 إلى 12.9% في 2022، مما زاد من تهميش الثقافة في الحياة اليومية.
ومع استمرار تردي الخدمات العمومية، باتت الأسر تُوجه مواردها نحو الضروريات، مما أدى إلى انخفاض الاهتمام بالقراءة والفنون، وهو ما انعكس على الوعي المجتمعي وأضعف الدور الثقافي في التنمية.
لا يقتصر هذا الوضع على الطبقات محدودة الدخل، بل يشمل أيضًا النخبة الاقتصادية، التي تفضل نمط حياة استهلاكي على الاستثمار في الفنون والآداب. ففي الوقت الذي تلعب فيه النخب في دول أخرى دورًا بارزًا في إنشاء المتاحف ودعم الفنون، نجد أن النخبة المغربية تركز على المظاهر الفاخرة دون أن تسهم في إثراء المشهد الثقافي. هذا الواقع يعكس غياب رؤية واضحة حول أهمية الثقافة كركيزة أساسية للتطور الاجتماعي والاقتصادي.
من جهة أخرى، لا يظهر الدعم الحكومي في صورة أفضل، إذ لا تتجاوز ميزانية القطاع الثقافي 1.2% من الموازنة العامة، وهو رقم متواضع مقارنة بدول تدرك دور الثقافة في بناء الهوية الوطنية وتعزيز القوة الناعمة. ويتجلى ذلك في ضعف البنية التحتية الثقافية، حيث تتركز المكتبات والمسارح ودور السينما في المدن الكبرى فقط، بينما تبقى الأنشطة الثقافية محدودة الوصول إلى مختلف الشرائح المجتمعية.
أمام هذا الوضع، أصبح الحديث عن ثورة ثقافية ضرورة، لكن تحقيقها يتطلب انخراطًا أوسع من مختلف الفاعلين، سواء الدولة أو القطاع الخاص أو المؤسسات التعليمية. إدماج الفنون في المناهج الدراسية، ودعم المشاريع الثقافية، وتوسيع الفضاءات المخصصة للإبداع، كلها خطوات أساسية لخلق بيئة ثقافية مزدهرة تعيد الاعتبار للثقافة كعنصر أساسي في التنمية.
لا يمكن لأي مجتمع تحقيق نهضة حقيقية دون أساس ثقافي متين. اعتبار الثقافة مجرد ترف يضعف القدرة على إنتاج أفكار جديدة ويعزز التبعية الثقافية. إعادة إحياء المشهد الثقافي المغربي مسؤولية مشتركة، تبدأ من تعزيز الوعي الجماعي بأهمية الثقافة في بناء مستقبل أكثر استدامة وابتكارًا.