حياتنا

حوكمة النظام التعليمي في المغرب: أي إصلاحات لضمان فعالية أكبر؟


يواجه النظام التعليمي المغربي أزمة حوكمة تعرقل فعاليته وتحدّ من أثر الإصلاحات المتتالية. فرغم الميزانيات الضخمة والخطط الإصلاحية المتكررة، لا تزال المدرسة المغربية تعاني من تحديات جوهرية، سواء في جودة التعليم، تقليص الفوارق، أو مواءمة التكوين مع متطلبات سوق العمل. فكيف يمكن إعادة هيكلة الحوكمة التعليمية لضمان إدارة أكثر كفاءة ونتائج ملموسة؟



مركزية مفرطة وبيروقراطية خانقة
أحد العوائق الأساسية أمام حوكمة فعالة للتعليم في المغرب هو المركزية المفرطة. إذ يحتفظ الوزارة بسلطة القرار، ما يقيد قدرة الأكاديميات الجهوية والمؤسسات التعليمية على تبني حلول تناسب احتياجاتها المحلية. هذه البيروقراطية تؤدي إلى بطء تنفيذ الإصلاحات، وتأخير الاستجابة للتحديات الميدانية، مما يجعل التعليم في بعض المناطق غير قادر على التكيف مع التحولات السريعة.

كما تعاني توزيع الموارد من تفاوت كبير بين الجهات، حيث تحصل المناطق الحضرية الكبرى على تمويلات وتسهيلات أفضل مقارنة بالقرى والمناطق النائية، مما يزيد من الفوارق التعليمية ويُضعف تكافؤ الفرص بين التلاميذ.
غياب المساءلة وضعف تقييم الأداء

يُعد غياب نظام واضح لتقييم الأداء من الإشكالات الكبرى التي تعوق تطوير التعليم. فلا يوجد تتبع دقيق لمدى نجاعة الإصلاحات، ولا آليات واضحة لمحاسبة المسؤولين عن ضعف النتائج. كما أن تقييم أداء الأساتذة، ومدراء المدارس، والمفتشين التربويين يظل تقليديًا وغير قائم على معايير دقيقة، مما يُضعف من جودة التدريس ويُعيق تحسين الأداء التربوي.

عمليات التفتيش التربوي، بدل أن تركز على تطوير الأداء، تظل شكلية وإدارية أكثر منها بيداغوجية. كما أن توزيع الميزانيات لا يعتمد دائمًا على احتياجات فعلية أو دراسات دقيقة، ما يؤدي إلى هدر الموارد دون تحقيق تأثير حقيقي على جودة التعليم.

غياب الحوار مع الفاعلين التربويين
تعاني الحوكمة التعليمية أيضًا من نقص في التشاور مع الفاعلين الأساسيين، سواء كانوا أساتذة، أولياء أمور، نقابات، أو مؤسسات اقتصادية. غالبًا ما يتم اتخاذ قرارات الإصلاح داخل الدوائر الإدارية دون إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين، مما يجعل تنفيذها صعبًا على أرض الواقع.

كما أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي من المفترض أن يكون هيئة استشارية رئيسية، لم ينجح بعد في التأثير الفعلي على القرارات الاستراتيجية للوزارة. في المقابل، يواجه المدرسون ومديرو المؤسسات قيودًا كثيرة تمنعهم من تطبيق الإصلاحات بمرونة وكفاءة، مما يؤدي إلى فجوة بين التوجيهات الرسمية والواقع الميداني.

كيف نحقق حوكمة أكثر كفاءة للنظام التعليمي؟
لضمان إصلاح حقيقي وفعال لحوكمة التعليم، من الضروري اتخاذ عدة تدابير:


    تعزيز اللامركزية في إدارة التعليم عبر منح الأكاديميات الجهوية والمدارس استقلالية أكبر لاتخاذ قرارات تتلاءم مع خصوصيات كل منطقة.
    إرساء نظام دقيق لتقييم الأداء يعتمد على مؤشرات واضحة لقياس جودة التعليم، مدى تطور التلاميذ، وكفاءة الأساتذة والإدارات المدرسية.
    تطوير برامج تكوين مستمرة للأساتذة لضمان تحسين الأداء البيداغوجي وتعزيز تحفيزهم للقيام بدورهم بفعالية.
    إرساء حوار دائم مع جميع الفاعلين التربويين، بما في ذلك الأساتذة، النقابات، المجتمع المدني، والقطاع الخاص، لضمان أن الإصلاحات تستجيب لاحتياجات الواقع الميداني.
    تحسين آليات توزيع الميزانيات عبر دراسات دقيقة تحدد الأولويات الفعلية، مع ضمان توزيع عادل بين مختلف الجهات للحد من الفوارق التعليمية.

إصلاح الحوكمة.. المفتاح الحقيقي للنهوض بالتعليم
لا يكمن حل أزمة التعليم المغربي فقط في رفع الميزانية المخصصة للقطاع، بل في تبني إدارة مرنة، شفافة، وفعالة قادرة على توجيه هذه الموارد نحو تحسين حقيقي لجودة التعلم. بدون إصلاح جذري لحوكمة النظام التعليمي، ستظل المدرسة المغربية عاجزة عن أداء دورها الأساسي: تكوين أجيال مؤهلة قادرة على المساهمة في تنمية البلاد والاندماج في سوق عمل دائم التغير.


الكلمات المفتاحية:
التعليم، الحوكمة، الإصلاح، المركزية، اللامركزية، الأكاديميات، الأساتذة، الميزانية، الأداء، التقييم.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 28 فبراير 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic