برعلا زكريا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها".
كلمات صدرت من نبينا الكريم تعبر عن مبدأ صالح لكل زمان ومكان، والمجتمعات التي تقدر مفهوم المسؤولية لا بد أن تنهض وتحقق أعلى مراتب التفوق.
وما المجتمع سوى أفراد، وكل فرد مسؤول عن أفعاله وتصرفاته، لأنه يمتلك كامل الإرادة.
ولما جاء حديث المسؤولية متمحورا على الأسرة التي هي اللبنة الأساسية لأي مجتمع، فهذا وضع حجر الأساس لكل من أراد أن يحسن البناء.
وحيث أن مدونة الأسرة تتصدر اهتمام الرأي العام هذه الأيام فإن السؤال الأهم هو: أي مدونة لأي مجتمع؟
فإن كان الحس بالمسؤولية غائبا ومتدنيا فلن تفلح أي مدونة في حل إشكالات الأسرة، والدليل أن قانون السير لم يفلح في الحد من الحوادث المميتة، ولم تنجح السجون رغم اكتظاظها في الحد من مختلف الجرائم بما فيها الاختلاس والغش وخيانة الأمانة.
وحتى تنشئة الأجيال لم تتخلص بعد من أمراض الاتكالية وإلقاء اللوم على الآخر والفردانية التي لا تعترف سوى بشعار : أنا ومن بعدي الطوفان.
وفي حياتنا اليومية تتعدد مشاهد إهمال المسؤولية من داخل البيت وبعد أول خطوة خارج بابه، فالشارع وأوساط العمل.
وفي كل مكان قد أمسى وجود شخص يهاب المسؤولية في واقعنا المعيش أمرا نادرا.
فهل يقدر المسؤولية الرجال الذين ينافسون الكراسي في المقاهي في كل وقت وحين؟
منهم شباب في مقتبل العمر، يضيعون أعمارهم في متابعة التفاهة عبر الهواتف "الغبية"، ومنهم آباء من المفروض أنهم مسؤولون عن تربية أطفال والقيام بشؤون أسر.. بل تجدهم أول من يعارض أبسط حقوق يمكن أن تنالها زوجاتهم.
بماذا يمكن أن نفسر انتشار قوافل الأمهات أمام أبواب المدارس أوقات الدخول والخروج سوى أن الآباء تخلوا فعليا عن دورهم في التربية؟
والحق يُقَالُ، إن كان هناك من لا يزال يحرص على مفهوم المسؤولية الاجتماعية فهي المرأة المغربية، والدراسات والإحصائيات تؤكد ذلك بشكل كبير. فكفة التفوق الدراسي تميل لجهة الإناث وكذلك النجاعة والأداء في الوظائف والمهن، ولولا صبر المرأة المغربية وحِلْمُهَا وذكاؤها العاطفي لتشردت أسر بأعداد أكبر.
وعلى هذا الأساس، فكل المكاسب المادية والمعنوية التي قد تأتي بها المدونة في صالح المرأة لا يمكن أن تعوضها عن أعباءها الجسيمة وما تحققه من نتائج محمودة في ظل إكراهات جمة على رأسها غلاء المعيشة.
إن الحديث عن المسؤولية في مجتمعنا اليوم يكشف عن مفارقة مؤلمة، ففي حين نشهد تراجعاً ملحوظاً في الحس بالمسؤولية لدى شريحة واسعة من المجتمع، تقف المرأة المغربية شامخة كنموذج مشرف للالتزام والتضحية، والأمثلة على ذلك عديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر المرأة القروية التي تجمع بين أعباء البيت وأعمال الفلاحة وتربية الماشية وغيرها من أعمال شاقة، من ضمن هذه الفئة عاملات الحقول وعاملات الفراولة بالجنوب الإسباني اللاتي ضحين بكل شيء من أجل رفاهية أسرهن، ونجد كذلك في مدن شمال المملكة خير مثال حيث يُسجَلُ عمل النساء مقابل بطالة الرجال بشكل ملحوظ، ولعل هذا الواقع يدعونا إلى إعادة النظر في منظومتنا القيمية بأكملها، فلا يمكن لأي قانون أو تشريع أن يحقق غايته في ظل غياب الوعي بالمسؤولية وأهميتها في بناء مجتمع متماسك.
وإذا كان الحديث النبوي الشريف قد جعل المسؤولية أمانة في عنق كل فرد، فإن استعادة هذا المفهوم السامي يتطلب تضافر جهود الجميع رجالاً ونساءً، مؤسسات وأفراداً لإعادة بناء مجتمع يقدر المسؤولية ويجعلها ركيزة أساسية في سلوكه اليومي أو على الأقل ترسيخ هذه القيم في الأجيال الناشئة.
فالمستقبل المشرق لن يتحقق إلا بعودة الوعي بالمسؤولية، وتحويلها من مجرد شعار نردده إلى واقع نعيشه ونمارسه في كل تفاصيل حياتنا وخصوصا شؤون الأسرة.