آخر الأخبار

مغرب حضري بامتياز: تحولات كبرى تفرض تحديات جديدة


يشهد المغرب تحولا عمرانيا غير مسبوق، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن *نسبة السكان الحضريين ستصل إلى 81% بحلول عام 2050*. هذه الوتيرة المتسارعة في التمدن تطرح تساؤلات كبرى حول مدى جاهزية البنية التحتية، وقدرة المدن على استيعاب هذا التوسع، ناهيك عن المخاطر المرتبطة بازدياد التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق.



الدار البيضاء والرباط-سلا: قاطرتا التوسع الحضري

لا تتوزع هذه الطفرة العمرانية بشكل متساوٍ في جميع أنحاء المملكة، بل تتركز بشكل واضح في محور الدار البيضاء والرباط-سلا. فالدار البيضاء، التي تمتد منطقتها الحضرية لتشمل مدنا مثل الجديدة وفاس، تمثل اليوم 30% من سكان المغرب، ومن المتوقع أن تستحوذ على نسبة كبيرة من النمو السكاني خلال العقود القادمة.  

أما العاصمة الرباط وجارتها سلا، فقد بادرت الدولة إلى إرساء "سلطة حضرية موحدة" من أجل تنسيق المشاريع الكبرى وتنظيم البنية التحتية بشكل أكثر كفاءة. هذا النموذج قد يكون نموذجا ناجحا يمكن تعميمه على مدن أخرى تعاني من نفس التحديات، لكنه لا يزال في مراحله الأولى، ويحتاج إلى متابعة دقيقة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.  

لكن، إلى أي مدى يمكن لهذه المدن الكبرى أن تستوعب هذا الزحف العمراني؟ "الاكتظاظ المروري، ارتفاع أسعار العقارات، والتفاوت الصارخ بين الأحياء الفاخرة والمناطق الهامشية" كلها مؤشرات تدق ناقوس الخطر، وتدعو إلى إعادة النظر في طريقة التخطيط الحضري لتفادي اختلالات مستقبلية قد تكون كارثية.  

هل نحن أمام توسع لا متناهٍ أم استقرار حضري؟

رغم هذا التوسع المتسارع، إلا أن الدراسات تشير إلى أن "معدل التمدن سيتباطأ تدريجياً خلال العقود القادمة. فبعد أن كان معدل النمو الحضري 1.6% بين 2020 و2025، سينخفض إلى 0.7% فقط بحلول 2045-2050. هذا التطور يعني أن النمو السكاني الحضري سيعتمد أكثر على تحسين وتطوير المدن القائمة، بدل التوسع الجغرافي العشوائي.  

لكن هذه المرحلة الجديدة تفرض تحديات مختلفة: "كيف يمكن تعزيز الكثافة السكانية دون المساس بجودة الحياة؟" كيف نضمن أن يبقى الامتداد الحضري متناغماً مع حاجيات السكان بدل أن يتحول إلى مصدر ضغط إضافي؟ هنا يبرز دور التخطيط الذكي، الذي يأخذ بعين الاعتبار التوسع الرأسي بدل الأفقي، ويعطي الأولوية للنقل العمومي والمساحات الخضراء، بدل الاعتماد المفرط على السيارات والبناء العشوائي.  

تمويل المدن: حجر الأساس في المعادلة الحضرية  
لا يمكن تحقيق أي من هذه الرهانات بدون تمويل مستدام. وهنا تبرز "تجربة برنامج دعم جماعة الدار البيضاء (PACC)، الذي تم إطلاقه سنة 2017 بشراكة مع "البنك الدولي. هذا البرنامج مكن من "زيادة الموارد المالية للجماعة بنسبة 30% بين 2015 و2021، كما ساهم في "إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص"، بالإضافة إلى تبسيط المعاملات الإدارية عبر الرقمنة.  

ورغم نجاح هذا النموذج في بعض الجوانب، إلا أنه يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية تعميمه على مدن أخرى، "خصوصاً أن العديد من الجماعات المحلية لا تزال تعاني من سوء التسيير وضعف الموارد المالية". إن غياب الحوكمة الرشيدة يمكن أن يجعل مثل هذه المبادرات غير فعالة، بل وقد يؤدي إلى هدر الموارد دون تحقيق الأهداف المرجوة.  

المستقبل الحضري للمغرب: بين الفرص والمخاطر

الخلاصة التي يطرحها التقرير الدولي واضحة: نجاح المغرب في مواكبة التحولات الحضرية رهن بقدرته على إرساء حوكمة متينة، وضمان تمويل كافٍ لمشاريع البنية التحتية. فالمدن ليست مجرد بنايات وأحياء، بل هي فضاءات للحياة، تحتاج إلى تخطيط ذكي يجعلها أكثر ملاءمة وراحة لسكانها.  

لكن يبقى السؤال الجوهري: "هل سيتمكن المغرب من بناء مدن متوازنة ومستدامة، أم أن التوسع العمراني سيقوده نحو اختلالات لا رجعة فيها؟" الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على القرارات التي تُتخذ اليوم، لأن مستقبل المدن يتشكل الآن، وليس غداً.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 14 مارس 2025

              















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic