كتاب الرأي

شطرنج السياسة العربية : رقعة تحت الهيمنة الخارجية


في سياق يعكس تعقيدات الواقع السياسي العربي، تبرز فكرة "شطرنج السياسة العربية" كمرآة لتحولات جذرية شهدتها المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي. ما كان يومًا رقعة متوازنة بين مد وجزر القوى الدولية، أصبح اليوم ساحة يتحكم فيها لاعبون من خارج الحدود، تاركين القرار العربي أسير الضعف الداخلي والهيمنة الخارجية. هذا المقال يحلل أسباب هذا التحول، مستعرضًا كيف أصبحت القرارات العربية مجرد حبر على ورق في مواجهة الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، مع التركيز على الحرب المستمرة في غزة كمثال حي



بقلم : منير الدايري

من التوازن إلى الانهيار: تاريخ الرقعة

في سبعينيات القرن العشرين، كانت السياسة العربية تعيش حالة من التوازن النسبي، حيث كان الاتحاد السوفياتي يشكل قطبًا مضادًا للولايات المتحدة، مما منح الدول العربية هامشًا للمناورة. لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وما تبعه من هيمنة أمريكية على المشهد العالمي، تحولت الرقعة العربية إلى ساحة تُدار من الخارج.

لم يعد اللاعبون العرب يحركون القطع بأيديهم، بل أصبحوا أدوات في يد من يملكون خيوط اللعبة، يوجهونها لخدمة مصالحهم دون اكتراث بمستقبل المنطقة. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في موازين القوى، بل نتج عنه اضطرابات ونزاعات أكثر شراسة، مع بروز الابتزاز العلني وسياسات الاحتلال والتهجير كأدوات مشروعة في نظر القوى المهيمنة.

غزة: المرآة والاختبار

الحرب على غزة، التي ما زالت مستمرة حتى مارس 2025، تكشف بوضوح هذا الواقع المرير. إسرائيل، بدعم أمريكي صلب، تواصل سياساتها العدوانية، من حصار ومنع للمساعدات إلى قطع المياه عن السكان العائدين إلى أنقاض بيوتهم.

هذه السياسات ليست مجرد رد فعل عسكري، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير وتفتيت الأرض. في المقابل، تبدو الاستجابة العربية عاجزة عن تغيير المعادلة، حيث تكتفي بالإدانات اللفظية دون فعل ملموس. القمة العربية الأخيرة في القاهرة، التي حاولت اتخاذ موقف حازم ضد هذه الغطرسة، اصطدمت بجدار الرفض الأمريكي والإسرائيلي، مما يؤكد أن القرار العربي لم يعد يملك القدرة على فرض نفسه في ظل هذه الهيمنة.

خيوط اللعبة: من يحرك القطع؟

الولايات المتحدة، كقوة عظمى، لا تقتصر على دعم إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا، بل تمارس نفوذًا مباشرًا على القرارات العربية، مستغلة الانقسامات الداخلية والتبعية الاقتصادية لبعض الدول. في الوقت نفسه، تبرز قوى إقليمية مثل إيران وتركيا كلاعبين يسعون لملء الفراغ، مما يزيد من تعقيد الرقعة. لكن الثابت أن اللاعب العربي لم يعد سيد اللعبة، بل أصبح أداة تُحركها مصالح الآخرين، سواء عبر الضغط السياسي أو الدعم المالي أو التدخل العسكري المباشر.

اليقظة العربية: حلم أم واقع؟

رغم هذا الواقع القاتم، أظهرت القمة العربية في القاهرة بوادر يقظة، حيث حاولت صياغة موقف موحد ضد السياسات الأمريكية والإسرائيلية. لكن نجاح هذه اليقظة يتطلب أكثر من مجرد بيانات شجاعة. فالانقسامات الداخلية، من الخلافات بين الدول إلى الصراعات داخل الكيانات الفلسطينية نفسها، تُضعف أي محاولة للخروج من دائرة التبعية. والسؤال المطروح: هل هذه الصحوة حقيقية، أم مجرد حلم عابر لنائم لا يدرك طبيعة الأرض التي يتحرك عليها؟

شطرنج السياسة العربية اليوم ليس مجرد لعبة استراتيجية، بل اختبار لقدرة العرب على استعادة دورهم كلاعبين فاعلين. استمرار الحرب على غزة وتفاقم الأزمات الإنسانية هناك يضعان المنطقة أمام مفترق طرق. إما أن تتحول القرارات من حبر على ورق إلى خطوات عملية، عبر توحيد الموقف واستخدام أوراق القوة كالنفط والموقع الجغرافي، أو أن تبقى الرقعة تحت سيطرة الخيوط الخارجية، تتحرك بإرادة الآخرين. الآتي هو الأهم، والتحدي يكمن في تحويل اليقظة إلى فعل يعيد تشكيل قواعد اللعبة


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 17 مارس 2025

              















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic