كتاب الرأي

ملك يضحي عن شعبه


ساد ارتياح عميق لدى المغاربة ليلة أمس ،مع قراءة الرسالة المولوية التي وجهها جلالة الملك للشعب حول إلغاء شعيرة الأضحى لهذه السنة، وهي الرسالة التي كانوا يترقبونها جميعا من المؤسسة الملكية، التي عودتهم القرارات الحكيمة والصائبة التي تهدف لمافيه خير للوطن ، و التي خبروا فيها دائما إنصاتها العميق لنبضهم،واستشعارها الدقيق لما يموج بداخلهم من مطالب وتطلعات .



بقلم: الدكتور خالد فتحي

 مما لاشك فيه  أن عيد الأضحى سنة مؤكدة .وقد عهد في المغاربة حرصهم  على أدائها  لأنهم يحبون أن يقتدوا  بسنة للرسول محمد  صلعم إلا أن نبينا الكريم قد ثبث عنه أيضا أنه سبق له ان  ضحى  خلال حياته الحافلة بالدروس والعبر بأضحيتين،واحدة عن نفسه وواحدة عن أمته ، وهذا ما يأمرجلالة الملك بوصفه أميرا للمؤمنين بالتأسي به خلال هذا العام . ثم إن العيد  في عمقه ومقصده ليس ذبحا للأضحية فقط، ،بل هو عبادة ذات مغزى يتوخى منها  أساسا استحضار قيم التضحية، وأداء الواجب ، والتكاتف، والتضامن بين أبناء الوطن والأمة الواحدة،وتقديم درء المفسدة على جلب المصلحة  .ولهذا ،يكون القرار الملكي في سياق هذه السنة  ذات الظروف المناخية الصعبة ...السنة الجافة الشحيحة المطر،وفي ظل تراجع القطيع المغربي تراجعا مقلقا، تحقيقا فعليا  للمقصد الشرعي لهذه الشعيرة العظيمة .
لقد جربنا في السنة الماضية أن نستورد الأغنام من الخارج ،ولكن هذا الإجراء لم يحقق الغاية المرتجاة منه ،حيث ظلت أثمان الأكباش مرتفعة وأحيانا صاروخية  ، وفي غير متناول   القدرة الشرائية لغالبية الأسر المغربية التي عانت عسرا كبيرا كي تتدبر لها ذبيحة العيد. بل ولقد لجأ البعض بسبب ضيق ذات اليد إلى ذبح النعاج مما كان له أفدح الأضرار على الاحتياطي من الخراف ،ولهذا يكون تكرار  نفس الإجراء خلال  هذا العام توجها في غير محله، لأنه سيضر  ضررا بالغا بالاقتصاد الوطني  . 

الإسلام دين يسر لادين عسر  ،وترك الحبل على الغارب خلال عيد الأضحى المقبل ،بانكار الوضعية الصعبة التي نجتازها كان سيكون  بمثابة عدم رحمة بأنفسنا ،فكيف نفعل بأنفسنا ذلك بينما الله رحيم بعباده ؟، إن القرار الملكي لحكيم كل الحكمة ، و هو قمة في العقلاني والتبصر ،كما انه لخليق بأن يلقى كل الترحاب والامتثال من طرف كل المغاربة ،لانه سوف يخفف الشعور بوطأة الجفاف ،ويحد  من جانبه كذلك من غلاء اللحوم  ، ويضيع الفرصة على المضاربين،والأهم في كل هذا، أنه قد أراح  كاهل العديد من الأسر المتوسطة ومن ذات الدخل المحدود من مصاريف قد يشقون من أجل توفيرها .زد على ذلك انه يجنبنا ارتفاعا صاروخيا في اثمان اللحوم رآه جلالة الملك قادما إلينا واستبقه بهذه الرسالة الميمونة. 

هذا القرار الملكي لبى  اذن رغبة دفينة للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي ،و بالتأكيد هو  قرار  مكتوب  له النجاح منذ الوهلة الأولى لإعلانه .إذ لم يفعل الملك، سوى أنه  قرأ  واستشف مافي النفوس، و استجاب لها مراشرة و بشكل فوري  . 

في القصص  القرآني ،وفي سورة يوسف تحديدا  درس عظيم للطريقة التي يتعين بها تدبر السنوات العجاف ،ونحن كمسلمين يتعين علينا  أن نستلهم مثل هذه الدروس في مواجهة الأزمات، ونقوم بتنزيلها بما يخفف عن الناس ويريح صدورهم وجيوبهم  . 

توقيت القرار  ايضا كان في محله ،فهو  مدروس بعناية حين يأتي عشية رمضان ،فيتيح للمغاربة أن يصوموا مطمئنين ،كما أنه قد يكون عاملا في توفير اللحوم بثمن مناسب خلال هذا الشهر الفضيل .

أن يضحي جلالة الملك نيابة عن شعبه،يتضمن أيضا رسالة ذات حمولة رمزية كبرى تبين عن التلاحم الكبير بين العرش والشعب ،هذا التلاحم الذي يصل لأن يقدم الملك قربان عيد الأضحي نيابة عن كل المغاربة للله تعالى .انها رمزية نكتشف كل مرة انها مكنونة في عقد البيعة الذي يصهر العرش بالشعب .

بقي أن أقول أن القرار الملكي هو  أيضا درس في التدبير الاقتصادي حين تدهمنا  الندرة سواء كانت هذه الندرة تهم القطيع، أو الماء، أو أية مادة حيوية أو غذائية  أخرى. 

 فياللمفارقة، لقد تحققت لعيد الأضحى لهذه السنة غاياته من   قبل حلول موعده بثلاثة اشهر بهذا القرار الملكي الرزين الذي أدخل الفرحة والبهجة لكل القلوب ولكل البيوت.  .أرجو أن نستوعب جميعا هذه الإشارات الملكية ،ونتأسى بها للحفاظ على مقدراتنا ،وخصوصا الماء .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 4 مارس 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic