آخر الأخبار

مصير تركيا على المحك : اعتقال "إمام أوغلو" غريم أردوغان الأول يُشعل فتيل الأزمة ويعصف بالاستقرارالسياسي


أحدث اعتقال أحمد داوود أوغلو، أحد الشخصيات البارزة في المشهد السياسي التركي، زلزالًا سياسيًا هز أروقة السلطة وأعاد تسليط الضوء على طبيعة الصراع القائم داخل النخبة الحاكمة ، فالتهم الموجهة إليه، والتي تتراوح بين الفساد واستغلال النفوذ، لم يقرأها البعض في سياقها القانوني فحسب، بل رأى أنصاره أنها محاولة ممنهجة لإقصائه من الساحة السياسية، وتقويض حضوره في السباق الانتخابي المنتظر، لا سيما في ظل الانتقادات العلنية التي وجهها لنظام الحكم الحالي، وهنا يبرز السؤال: هل التهم الموجهة لإمام أوغلو قائمة على أدلة حقيقية، أم أنها جزء من حملة لتصفية الحسابات السياسية؟



 تمثل الانتخابات الرئاسية لعام 2028  نقطة تحول فارقة في السياسة التركية، ففي ظل التصاعد المستمر للتوتر بين السلطة والمعارضة، أصبح الصراع على السلطة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

أكرم إمام أوغلو، الرجل الذي يبرز كأحد أقوى خصوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استطاع أن يحقق انتصارات انتخابية غير مسبوقة لصالح المعارضة، وأصبح رمزًا سياسيا لدى شريحة واسعة من الشعب التركي الذي يطمح إلى تغيير سياسي حقيقي.

ومع أن هذا الصعود السريع قد عزز مكانته في قلوب مؤيديه، إلا أنه وضعه في مرمى نيران السلطة التي لم تتردد في توجيه تهم مثيرة للجدل ضده، في خطوة تُقرأ على نطاق واسع عند البعض أنها محاولة لإقصائه سياسيًا قبل المعركة الانتخابية القادمة

 اعتقال إمام أوغلو : إقصاء سياسي أم تطبيق للقانون ؟

تتعدد التهم الموجهة إلى أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وهي تهم ذات طابع سياسي وقانوني معًا، وقد أثيرت في سياق مناخ سياسي يشهد توترات بينه وبين الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. أبرز التهم الموجهة له تتعلق بالتلاعب في الوثائق الرسمية أثناء فترة توليه رئاسة البلدية، بالإضافة إلى مزاعم فساد وتقديم الدعم لجماعة إرهابية، بالإضافة إلى الاشتباه في قيادته لمنظمة إجرامية. 

في إطار التحقيقات المرتبطة بهذه القضايا، قامت الشرطة التركية باعتقال نحو 100 شخص، شملوا سياسيين وصحفيين ورجال أعمال، وهو ما يثير تساؤلات بشأن مدى ارتباط هذه الاعتقالات بالصراع السياسي المستمر في البلاد.
 

وفي اللحظة التي كانت فيها الشرطة تداهم منزل إمام أوغلو، قام الأخير بتسجيل مقطع فيديو حيث وجه رسالة قوية إلى أنصاره. وقال في الفيديو: "لا يمكن إسكات إرادة الشعب"، مؤكدًا تمسكه بمبادئ الديمقراطية والعدالة. وأضاف أنه سيواصل المعركة من أجل حقوق الشعب التركي وحرياته الأساسية، وأنه سيظل صامدًا في مواجهة كل محاولات القمع. واختتم قائلاً: "المئات من عناصر الشرطة وصلوا إلى منزلي، سأسلّم نفسي إلى الشعب"، مما يعكس عزمه الثابت على عدم التراجع عن قضيته.

إلغاء الشهادة الجامعية لإمام أوغلو: هل يبدد هذا القرار حلمه في الرئاسة؟

أصدرت جامعة إسطنبول التي قد سبق وتخرج منها إمام أوغلو بإجازة في إدارة الأعمال قرارا بإلغاء شهادته الجامعية، وأكدت أنها سترسل جميع المستندات والوثائق ذات الصلة بقرارها  إلى مكتب المدّعي العام في إسطنبول وإلى مجلس التعليم العالي، من جانبه، اعتبر إلهان أوزغال، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أن ن إلغاء شهادة عمدة بلدية إسطنبول هو هجوم غير قانوني، مضيفا: "من الظلم أن تُسحب منه شهادته التي حصل عليها قبل 31 عاماً"


وفي خطوة تصعيدية،  أعلن محامو إمام أوغلو عن نيتهم الطعن في القرار أمام المحكمة الدستورية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في تركيا. وفي حال لم يصب الحكم لصالحه، فقد يلجأ محاموه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو ما قد يعزز من تعقيد القضية ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في تركيا
 

وتعود قضية تزوير شهادة إمام أوغلو الجامعية إلى سبتمبر  الماضي، حين أُثيرت شكوك حول انتقاله من جامعة في قبرص إلى جامعة إسطنبول. ووفقًا لهذه المزاعم، التي نفاها إمام أوغلو بشكل قاطع، قيل إنه بدأ دراسته في جامعة "جيرنا" الأميركية في شمال قبرص، حيث كان يدرس الهندسة، قبل أن ينتقل إلى كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول الحكومية، بينما لم تكن الجامعة الأميركية معترفًا بها من قبل مجلس التعليم العالي التركي في ذلك الوقت.
 

وردت بلدية إسطنبول بنشر شهادة إمام أوغلو من كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، كما أشار مستشاره الإعلامي مراد أونغون إلى أنه قام أيضًا بمشاركة شهادة الماجستير التي حصل عليها إمام أوغلو لتفنيد هذه الادعاءات.

خفايا الصراع بين إمام أوغلو وأردوغان : كيف اشتعل التنافس بينهما على إسطنبول؟

ليس خفيا أن العلاقة بين أردوغان وإمام أوغلو ظلت تشهد توترًا متزايدًا منذ أن تمكن الأخير من انتزاع بلدية إسطنبول من قبضة حزب العدالة والتنمية. فهذه المدينة ذات التمركز الحضري الضخم،  تُعتبر القلب السياسي والاقتصادي لتركيا، ومن يسيطر عليها يحكم قبصته على المشهد السياسي ككل لذا، فإن صعود إمام أوغلو مثل تهديدًا مباشرًا لمكانة أردوغان 
 

وقد حقق أكرم إمام أوغلو فوزًا كبيرًا في الانتخابات المحلية العام الماضي، عندما تمكّن من الحصول على ولاية ثانية كرئيس لبلدية إسطنبول. هذا الفوز كان بمثابة ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم،  حيث تراجع الحزب في عدة مدن رئيسية مثل إسطنبول وأنقرة. وكانت هذه أول هزيمة لحزب أردوغان على المستوى الوطني منذ أن تولى السلطة، ما جعل من فوز إمام أوغلو حدثًا مفصليًا في المشهد السياسي التركي.
 

خسارة حزب العدالة والتنمية كانت صادمة بشكل خاص في إسطنبول، التي تعد القلب الاقتصادي والسياسي لتركيا. ففي مايو 2019، تم إلغاء الانتخابات بسبب مزاعم بوجود مخالفات في عملية التصويت، مما دفع السلطات إلى إعادة الانتخابات.

على الرغم من الضغوط والتحديات الكبيرة، عاد إمام أوغلو ليفوز مرة أخرى في انتخابات الإعادة بنسبة 55% من الأصوات، متفوقًا على مرشح حزب العدالة والتنمية، في انتصار يُعتبر ضربة قوية للرئيس أردوغان، الذي كانت حزبه يدير إسطنبول لمدة 25 عامًا.
 


قمع المظاهرات وحظر مواقع التواصل: تداعيات أوسع على الحريات


اعتقال شخصية بحجم أوغلو لم يمر دون ردود فعل شعبية، إذ خرجت مظاهرات منددة بالقرار في عدة مدن تركية، ما استدعى تدخلًا أمنيًا صارمًا. لم يقتصر الأمر على تفريق الاحتجاجات، بل شمل فرض قيود مشددة على الإنترنت، حيث قامت السلطات بحجب مواقع التواصل الاجتماعي و إبطاء خدماتها لمنع انتشار دعوات التظاهر.

في السياق نفسه، قالت منظمة مراقبة الإنترنت ‭)‬نت بلوكس‭(‬ إن تركيا قيدت الوصول إلى العديد من منصات التواصل الاجتماعي، من بين أبرزها منصة إكس ويوتيوب وإنستجرام وتيك توك يوم الأربعاء
 

هذه الإجراءات ليست جديدة في تركيا، لكنها أصبحت أكثر تكرارًا في السنوات الأخيرة، مما يعكس توجه النظام نحو تعزيز الرقابة وإحكام السيطرة على الجو العام في البلاد. إغلاق الفضاء الرقمي أمام المعارضين يعكس إدراك السلطة لأهمية هذه المنصات كأدوات لنقل الحقيقة وكشف التجاوزات. لكن السؤال الأهم هو: هل يمكن لمثل هذه الإجراءات أن تقضي على الحراك المعارض، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الغضب الشعبي؟
 

انعكاسات القضية على الاقتصاد التركي والاستحقاقات الانتخابية القادمة


من البديهي أن الأزمات السياسية الكبرى  لا تبقى حبيسة أروقة القضاء، بل تمتد تداعياتها إلى المجال الاقتصادي والدولي، حيث تسببت قضية إمام أوغلو في اضطراب الأسواق المالية.  فالليرة التركية قد شهدت انخفاضًا ملحوظًا عقب انتشار خبر الاعتقال، وسط مخاوف من تأثيرات طويلة الأمد على الاستثمارات الأجنبية. فالمناخ السياسي المضطرب عادة ما يثير قلق المستثمرين الذين يبحثون عن الاستقرار قبل ضخ أموالهم في أي اقتصاد.
 

علاوة على ذلك، فإن اعتقال شخصية معارضة بارزة قد يؤثر على المشهد الانتخابي المتوقع في عام 2028، إذ قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية. بعض الأحزاب المعارضة قد تجد في هذا الحدث فرصة لتوحيد صفوفها في مواجهة أردوغان، خاصة إذا استمرت سياسات التضييق والقمع. لكن في المقابل، قد يحاول النظام استغلال هذه القضية لترسيخ سردية "حماية الدولة من المتآمرين"، وهو أسلوب نجح في الماضي في حشد قاعدة أردوغان الانتخابية.


في ظل كل هذه التوترات، تبرز الانتخابات الرئاسية لعام 2028 كاستحقاق مصيري سيحدد مستقبل تركيا السياسي. فبينما يسعى أردوغان لضمان استمرارية سلطته، يواجه معارضة تزداد قوة رغم محاولات إضعافها. وإذا استمر الضغط الداخلي والخارجي، فإن حملة إمام أوغلو قد تكتسب زخمًا إضافيًا، ما يجعل المعركة الانتخابية المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك تكرار سيناريو 2019 حين قلب إمام أوغلو الطاولة على الحزب الحاكم.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من احتواء الأزمة دون دفع ثمن سياسي باهظ، أم أن هذه التحركات ستؤدي إلى تعزيز موقع إمام أوغلو كبديل حقيقي في المشهد السياسي التركي؟


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 20 مارس 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic