بقلم: زكريا برعلا
بداية، نثمن هذا المقترح الذي يمكن أن يخفف جزءا من العبء الإداري المتراكم على كاهل المدرسة الابتدائية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين دور المجلس من مكامن الخلل الحقيقية التي تنخر جسد التعليم؟ تلك العلل التي صارت معروفة للقاصي والداني، من بنية تحتية متهالكة، واكتظاظ في الأقسام، وهدر مدرسي متفاقم، وأعطاب النقل المدرسي المستعصية والتطبيع مع ثقافة العنف وغيرها من المشكلات الجوهرية التي تحتاج إلى حلول جذرية، لا إلى إجراءات شكلية تضيف منصبا هنا أو لقبا هناك.
وفي الواقع المر للمدرسة الابتدائية، خاصة في العالم القروي وبالفرعيات، يتحول المعلم إلى كائن أسطوري متعدد المهارات والوظائف. فهو ليس مجرد أستاذ يلقن المعارف والمهارات، بل هو ممرض بالفطرة يعالج الجروح ويقدم الإسعافات الأولية للتلاميذ في غياب مرافق صحية قريبة. وهو المتحدث الرسمي الذي يفسر للآباء والأمهات، أحيانا بلهجتهم المحلية، تفاصيل المنهاج التربوي والتطورات التعليمية. كما أنه معالج نفسي يستمع لمشاكل التلاميذ الشخصية والأسرية ويحاول تقديم الدعم لهم بما أوتي من حكمة وتجربة. وفي أحيان كثيرة، يتحول إلى "بريكولور" ماهر يصلح الأقفال المعطلة والنوافذ المكسورة والكراسي المتهالكة، بل من القصص الطريفة أن أساتذة لعبوا أدوار وساطة أسرية وذهبوا ليفاوضوا أمهات "غضبانات" كل هذا تعاطفا مع تلاميذ تأثروا بمشاكلهم الأسرية ما انعكس على تحصيلهم الدراسي.
تضحيات جمة يقدمها المعلم وهو يتعايش مع ظروف قاسية من بعد المسافة ومشقة التنقل في مناطق تفتقر لأبسط وسائل المواصلات، في الوقت الذي لا تزال فيه وعود التعويض عن العمل بالعالم القروي مجرد حبر على ورق، أو خطابات رنانة في اجتماعات رسمية.
إن المتأمل في واقع المنظومة التعليمية يلاحظ بوضوح انقساما حادا بين فريقين متباينين: الفريق الأول يتكون من العاملين في الميدان الذين يواجهون التحديات اليومية وجها لوجه، من أساتذة يكابدون صعوبات التدريس في ظروف قاسية، ومديرين يديرون مؤسسات بإمكانيات محدودة، ومفتشين يتنقلون بين المدارس النائية لتقديم الدعم والتوجيه. أما الفريق الثاني فيتكون من المسؤولين والمدبرين القابعين خلف مكاتب فخمة، يصدرون قرارات وتعليمات من برجهم العاجي، دون احتكاك حقيقي مع واقع الميدان وتحدياته.
والمفارقة المريرة أن سجل الإدانات القضائية في قطاع التعليم يكشف بجلاء أن الفساد الإداري والمالي والمحسوبية تطال بشكل أساسي فريق التدبير، الذي تحوم حوله الشبهات في قضايا الصفقات المشبوهة والتلاعب بالميزانيات وتوزيع المناصب على أساس الولاء لا الكفاءة، غالبا بتواطؤ مع بعض الجهات التي تحولت من أداة للدفاع عن حقوق المنتسبين إلى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. في المقابل، يتم تعليق فشل المنظومة التعليمية على مشجب الممارسين الميدانيين، وتحميلهم مسؤولية تردي النتائج وضعف المردودية، في تجاهل صارخ للظروف القاهرة التي يعملون فيها.
إن الفريق الأول – فريق التدبير – هو المسؤول الحقيقي عن حالة الاحتقان المتصاعدة في القطاع التعليمي، بعد التراجع الفاضح عن الاتفاقات المبرمة بخصوص تحسين الوضع الاجتماعي والاعتباري للمعلمين والأساتذة. ولعل أبرز مظاهر هذا التراجع ما بات يعرف بملف "الزنزانة 10"، حيث يقبع آلاف الأساتذة الذين قضوا أزيد من عشرين سنة في الخدمة، وأفنوا زهرة شبابهم في الفيافي والمناطق النائية، ينتظرون وعودا بالترقية والإنصاف تتبخر مع كل تغيير وزاري أو بين خميس وخميس.
إن المعضلة الحقيقية في قطاع التعليم ليست في غياب حارس عام بالمدارس الابتدائية، بل في غياب إرادة سياسية حقيقية تضع استراتيجية واضحة مركز أولوياتها مصلحة المتعلم والمعلم ، وتعالج الاختلالات البنيوية بدل الاكتفاء بترقيع الثقوب وتلميع الواجهة والإمعان في تهميش الكفاءات الحقيقية وإقصاء أصحاب الخبرة الميدانية من دوائر صنع القرار التربوي، والاعتماد على "خبراء" منقطعين عن واقع المدرسة المغربية ومشكلاتها الفعلية.
والتغيير الحقيقي يبدأ من إصلاح وضعية المعلم، ماديا ومعنويا، وإعادة الاعتبار له كفاعل أساسي في بناء المجتمع، لا كمجرد "حارس" على مستقبل ضائع وآمال مخذولة. فمتى نتجاوز لغة الخشب ونواجه الحقيقة بشجاعة ومسؤولية؟ متى نتوقف عن تغطية شمس الفشل التعليمي بغربال الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة؟ متى نعطي فرصة لفريق الممارسين في الميدان؟
وفي الواقع المر للمدرسة الابتدائية، خاصة في العالم القروي وبالفرعيات، يتحول المعلم إلى كائن أسطوري متعدد المهارات والوظائف. فهو ليس مجرد أستاذ يلقن المعارف والمهارات، بل هو ممرض بالفطرة يعالج الجروح ويقدم الإسعافات الأولية للتلاميذ في غياب مرافق صحية قريبة. وهو المتحدث الرسمي الذي يفسر للآباء والأمهات، أحيانا بلهجتهم المحلية، تفاصيل المنهاج التربوي والتطورات التعليمية. كما أنه معالج نفسي يستمع لمشاكل التلاميذ الشخصية والأسرية ويحاول تقديم الدعم لهم بما أوتي من حكمة وتجربة. وفي أحيان كثيرة، يتحول إلى "بريكولور" ماهر يصلح الأقفال المعطلة والنوافذ المكسورة والكراسي المتهالكة، بل من القصص الطريفة أن أساتذة لعبوا أدوار وساطة أسرية وذهبوا ليفاوضوا أمهات "غضبانات" كل هذا تعاطفا مع تلاميذ تأثروا بمشاكلهم الأسرية ما انعكس على تحصيلهم الدراسي.
تضحيات جمة يقدمها المعلم وهو يتعايش مع ظروف قاسية من بعد المسافة ومشقة التنقل في مناطق تفتقر لأبسط وسائل المواصلات، في الوقت الذي لا تزال فيه وعود التعويض عن العمل بالعالم القروي مجرد حبر على ورق، أو خطابات رنانة في اجتماعات رسمية.
إن المتأمل في واقع المنظومة التعليمية يلاحظ بوضوح انقساما حادا بين فريقين متباينين: الفريق الأول يتكون من العاملين في الميدان الذين يواجهون التحديات اليومية وجها لوجه، من أساتذة يكابدون صعوبات التدريس في ظروف قاسية، ومديرين يديرون مؤسسات بإمكانيات محدودة، ومفتشين يتنقلون بين المدارس النائية لتقديم الدعم والتوجيه. أما الفريق الثاني فيتكون من المسؤولين والمدبرين القابعين خلف مكاتب فخمة، يصدرون قرارات وتعليمات من برجهم العاجي، دون احتكاك حقيقي مع واقع الميدان وتحدياته.
والمفارقة المريرة أن سجل الإدانات القضائية في قطاع التعليم يكشف بجلاء أن الفساد الإداري والمالي والمحسوبية تطال بشكل أساسي فريق التدبير، الذي تحوم حوله الشبهات في قضايا الصفقات المشبوهة والتلاعب بالميزانيات وتوزيع المناصب على أساس الولاء لا الكفاءة، غالبا بتواطؤ مع بعض الجهات التي تحولت من أداة للدفاع عن حقوق المنتسبين إلى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. في المقابل، يتم تعليق فشل المنظومة التعليمية على مشجب الممارسين الميدانيين، وتحميلهم مسؤولية تردي النتائج وضعف المردودية، في تجاهل صارخ للظروف القاهرة التي يعملون فيها.
إن الفريق الأول – فريق التدبير – هو المسؤول الحقيقي عن حالة الاحتقان المتصاعدة في القطاع التعليمي، بعد التراجع الفاضح عن الاتفاقات المبرمة بخصوص تحسين الوضع الاجتماعي والاعتباري للمعلمين والأساتذة. ولعل أبرز مظاهر هذا التراجع ما بات يعرف بملف "الزنزانة 10"، حيث يقبع آلاف الأساتذة الذين قضوا أزيد من عشرين سنة في الخدمة، وأفنوا زهرة شبابهم في الفيافي والمناطق النائية، ينتظرون وعودا بالترقية والإنصاف تتبخر مع كل تغيير وزاري أو بين خميس وخميس.
إن المعضلة الحقيقية في قطاع التعليم ليست في غياب حارس عام بالمدارس الابتدائية، بل في غياب إرادة سياسية حقيقية تضع استراتيجية واضحة مركز أولوياتها مصلحة المتعلم والمعلم ، وتعالج الاختلالات البنيوية بدل الاكتفاء بترقيع الثقوب وتلميع الواجهة والإمعان في تهميش الكفاءات الحقيقية وإقصاء أصحاب الخبرة الميدانية من دوائر صنع القرار التربوي، والاعتماد على "خبراء" منقطعين عن واقع المدرسة المغربية ومشكلاتها الفعلية.
والتغيير الحقيقي يبدأ من إصلاح وضعية المعلم، ماديا ومعنويا، وإعادة الاعتبار له كفاعل أساسي في بناء المجتمع، لا كمجرد "حارس" على مستقبل ضائع وآمال مخذولة. فمتى نتجاوز لغة الخشب ونواجه الحقيقة بشجاعة ومسؤولية؟ متى نتوقف عن تغطية شمس الفشل التعليمي بغربال الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة؟ متى نعطي فرصة لفريق الممارسين في الميدان؟