كتاب الرأي

ترامب : "سأكون ديكتاتورًا في اليوم الأول"... وماذا بعد؟ بعد ذلك، سيبقى الحال كما هو!


منذ البداية، كان واضحًا أن ترامب في ولايته الثانية لن يكون مجرد نسخة معدلة من ولايته الأولى، بل شيئًا مختلفًا تمامًا. لم يخفِ الأمر، بل أعلنها صراحة، بصوتٍ عالٍ يحمل نبرات الانتقام والغضب، أنه عائد للثأر، لتصفية الحسابات، ولإعادة "عظمة أمريكا"، كما يقول. حتى إنه لم يتردد في التصريح بأنه سيكون "ديكتاتورًا... ولكن فقط في اليوم الأول!"



بقلم : عزيز بوستة

وها هو يفي بوعده. ما إن وطأت قدماه المكتب البيضاوي، حتى بدأ بتوقيع الأوامر التنفيذية دون توقف، مفرغًا المؤسسات الإدارية والقضائية والسياسية من محتواها.

ولم لا؟ فالشعب الذي يقطن المناطق الممتدة بين المحيطين، ذلك الجزء من أمريكا الذي يطلق عليه الديمقراطيون بسخرية "البلاد التي يتم التحليق فوقها"، منحه كامل السلطة: البيت الأبيض، الكونغرس بمجلسيه، والمحكمة العليا ذات الأغلبية الجمهورية المحافظة، التي عين هو شخصيًا ثلاثة من قضاتها التسعة.

أربعون يومًا كانت كافية!

في حين ينتظر العالم عادةً 100 يوم للحكم على رئيس جديد، قرر ترامب أن يسير عكس التيار. خلال 40 يومًا فقط، فكّك جزءًا كبيرًا من الإدارة الفيدرالية، وأسند وزارة "كفاءة الحكومة" إلى إيلون ماسك، الملياردير الذي لا يؤمن بالبيروقراطية، محاطًا بفريق من الشباب الذين لا يترددون في جمع كل البيانات والمعلومات التنظيمية من جميع مؤسسات الدولة وحتى الشركات المنافسة لماسك. شباب في العشرينيات من عمرهم يحملون تصاريح أمنية سرية لا يدركون حتى مدى خطورتها!

ترامب لم يكتف بذلك، بل ألغى التصاريح الأمنية لكبار المسؤولين السابقين، وطلب من ماسك تسريع عملية "التطهير الإداري"، وأوقف تمويل "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، وقطع علاقات بلاده مع منظمة الصحة العالمية، ويستعد الآن للانسحاب من اتفاقيات باريس للمناخ.

حكومة مؤدلجة بامتياز

في مناصب حساسة، وضع ترامب شخصيات تؤمن بنظريات المؤامرة وأيديولوجيين متطرفين. حتى نائبه، جي دي فانس، الذي يلقى دعماً كبيرًا من بيتر ثيل، رجل الأعمال الليبرتاري المعادي لأي تدخل حكومي، بدأ يلعب دورًا يتجاوز التوقعات.

مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أصبح تحت السيطرة، والبنتاغون كذلك، أما وزارة العدل فهي في حالة اضطراب تحت ضربات "الترامبيين"، وأجهزة الاستخبارات باتت تابعة للبيت الأبيض. أما ماسك، فقد أصبح فوق الجميع، بسلطة غير محدودة.

وفي خطوة تحمل بصمته الانتقامية، وقع ترامب مرسوم عفو عن 1300 شخص من المشاركين في الهجوم على مبنى الكونغرس في يناير 2021، معظمهم من المسلحين والمتطرفين الغاضبين.

علاقات دولية... بقواعد ترامب

على الساحة الدولية، لم ينتظر ترامب طويلًا قبل أن يصدم أوروبا. عبّر علنًا عن رغبته في شراء غرينلاند، وهو ما أذهل الدنماركيين. أرسل نائبه فانس إلى مؤتمر ميونيخ ليهاجم الأوروبيين بشراسة، في حين أبدى تعاطفًا واضحًا مع فلاديمير بوتين، وبقي حذرًا مع شي جين بينغ، مترقبًا لحظة استئناف تقاربه مع كيم جونغ أون.

أما في الشرق الأوسط، فقد كشف عن خطة سلام "عبثية" لغزة، منح فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو كامل الحرية، بل حتى دعا إلى تغيير اسم الضفة الغربية إلى "يهودا والسامرة".

في مشهد استعراضي، استدعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لكنهما لم يلقيا سوى توبيخ وتهكم. أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد وجد نفسه في فخ مهين، حيث تعرض لهجوم لاذع من ترامب ونائبه فانس في لقاء بدا وكأنه "كمين سياسي".

ترامب لم يكن يخفي نواياه قبل الانتخابات. كان يقولها بابتسامة ساخرة: "سأستخدم القضاء كما أشاء"، وصرّح علنًا بأنه يريد "إلغاء الدستور". وها هو الآن يطبق ذلك حرفيًا. ما حدث مع زيلينسكي مجرد مؤشر على أن السلطة في أمريكا لم تعد خاضعة لقواعد الديمقراطية التقليدية، بل تسير في اتجاه أكثر خطورة، يُذكّر بأحداث القرن العشرين. حتى المؤرخ الأمريكي الكبير روبرت باكستون، الذي كان يرفض وصف ترامب بالفاشي، غيّر رأيه وأعلن صراحة أن الخطر أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره.

ديكتاتورية على الطريقة الأمريكية؟

لكن الاستبداد، لكي ينجح، يحتاج إلى صراع دائم. وما يفعله ترامب اليوم هو انقلاب ناعم على المؤسسات، انقلاب لا يشبه الانقلابات في دول ضعيفة، بل عملية طويلة ومعقدة، تتطلب تواطؤ العديد من الأطراف. فهل كل هذا المشروع السياسي مُعدّ فقط لترامب، أم أنه مجرد وسيلة لتمكين شخصية أخرى، مثل جي دي فانس، الذي تحركه أجندات شركات التكنولوجيا الكبرى؟

مع اقتراب الانتخابات النصفية، يبدو أن أمريكا تعيش تجربة غير مسبوقة في "ترويض الديمقراطية"، حيث يتم إخضاع مؤسسات الدولة وإعداد حركة "ماغا" لمشروع سياسي قد يغيّر مصير العالم بأسره.

Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 4 مارس 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic