وعلى المستوى العالمي، وصف التقرير مارس 2025 بأنه ثاني أكثر الأشهر حرارة منذ بدء السجلات المناخية، بعد شهر مارس من عام 2024، وهو ما يعكس اتجاها ثابتا نحو درجات حرارة قياسية لم تعد تُعتبر استثناءً، بل تكاد تتحول إلى قاعدة جديدة. هذا التوجه، بحسب الخبراء، يعكس آثار تغير المناخ الذي تسارعت وتيرته نتيجة النشاط البشري المستمر، خاصة من خلال حرق الوقود الأحفوري والانبعاثات الصناعية.
فريدريك أوتو، العالمة المختصة في علوم المناخ بجامعة "إمبريال كوليدج لندن"، حذّرت من هذا المسار التصاعدي، مؤكدة أن درجات الحرارة في مارس الأخير تجاوزت متوسط ما قبل الثورة الصناعية بـ1.6 درجة مئوية، وهو فارق يُعتبر خطيرا في حسابات العلماء، لأنه يزيد من احتمالية وقوع كوارث طبيعية أكثر حدة، مثل موجات الجفاف والفيضانات والحرائق.
من جانبه، أشار روبير فوتار، الرئيس المشارك للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى أن ما يحدث حالياً يُعدّ استثناءً في القواعد المناخية المعتادة. فعادةً ما تشهد درجات الحرارة انخفاضًا تدريجيًا بعد مرور عام أو عامين على ظاهرة "نينيو" المناخية، التي تتسبب مؤقتًا في ارتفاع درجات الحرارة العالمية. إلا أن الظاهرة هذه المرة لم تعُد مؤقتة كما كان مأمولاً، بل تحوّلت إلى سلسلة مستمرة من الفصول الحارة بشكل غير طبيعي.
ويُعد هذا الوضع المناخي تأكيدًا آخر على حجم التحديات التي تواجه البشرية في سعيها للحد من الاحترار العالمي. فالأمر لم يعُد يتعلق بتوقعات علمية نظرية، بل بواقع يومي تلمسه المجتمعات في مختلف بقاع العالم، من خلال موجات حر وجفاف وارتفاع منسوب البحار واختلال أنماط الزراعة والمياه.
ويرى الخبراء أن الحلول لا يمكن أن تبقى رهينة المؤتمرات الدولية والوعود السياسية، بل يجب أن تتحول إلى سياسات ملموسة تطال قطاعات الطاقة والصناعة والنقل بشكل مباشر. كما يشددون على ضرورة رفع مستوى الوعي العام وإشراك المواطنين في التصدي لهذه الأزمة عبر أنماط استهلاك أكثر استدامة.
في ضوء هذه المؤشرات المقلقة، يبدو أن المستقبل المناخي للعالم بات على المحك أكثر من أي وقت مضى، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بخطى سريعة وحاسمة، فإن الفصول القادمة قد تحمل ما هو أسوأ مما شهده كوكب الأرض حتى الآن