1.بالنسبة لك، هل ستؤثر أن الإصلاحات القضائية المقترحة على مهنة المحاماة وعلى العدالة؟
تميزت الولاية التشريعية الحالية بمشاريع قوانين استثنائية و فوق العادة تستفرد بالمواطن وتمس بالولوج المستنير للعدالة و تنذر بتغول السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية بعد أن أصبحت هذه الأخيرة تحت رحمة حسابات الأغلبية الحكومية و حيادها عن القيام بأدوارها التشريعية الطبيعية مما انعكس بشكل مباشر على جودة المنتوج التشريعي.
و يعتبر مشروعي قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية الذين تقدمت بهما وزارة العدل من أهم تجليات هذا الشذوذ التشريعي الانفرادي و الذي تعمد تغييب المقاربة التشاركية و إقصاء المحامين بصفتهم صلة الوصل بين المتقاضي و القضاء و كذلك بتغييب باقي الفاعلين المتدخلين في المجال .
هاته المشاريع على الخصوص تضمنت تراجعات خطيرة تمس بشروط الولوج المستنير و المتبصر للعدالة و تمس بشكل لا مسبوق بمبادئ الحقوق والحريات للمواطن مرتفق العدالة و الذي تم الاستفراد به بطريقة تحكمية باعتباره أضعف حلقة في منظومة العدالة.
و تتمثل هذه التراجعات على سبيل المثال لا الحصر في المس بالأحكام القضائية وأثرها الملزم للجميع و خاصة في مواجهة الدولة و الادارات العمومية ، وحرمان المتقاضين من حق الطعن في الأحكام القضائية وحقهم في استئناف الأحكام التي قد تتضمن أخطاء في تطبيق و تأويل القانون أو مقتضيات ماسة بحقوقهم، وكذا حرمان المتقاضين من حقهم في الولوج المستنير و المتبصر للعدالة و الاستعانة بمحامي في إطار المساعدة القضائية في كل القضايا و حقهم في مراقبة التطبيق السليم للقانون من طرف المحاكم عن طريق الطعن بالنقض و تضمين قانون المسطرة الجنائية مقتضيات ماسة بالحرية والمحاكمة العادلة و حقوق الدفاع.
2. ما هي الجوانب المحددة لإصلاح الإجراءات المدنية التي تحضى باهتمامك ، وكيف تعتقد أنه يمكن تحسينها؟
إن جودة القوانين الشكلية تقاس بجدواها و قانون المسطرة المدنية هو القانون الذي يؤطر و يحدد مسار الدعوى و الحق ابتداء من تاريخ التقدم بالدعوى الى نهايتها.
و من هنا فإن فلسفة التشريع أو تحيينه نابعة من تحقيق الأمن القانوني و تجويد النصوص و سد الثغرات التشريعية و الملاءمة مع الاجتهادات القضائية القارة و المتواترة في احترام تام للدستور و المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.
و بالرجوع لمشروع قانون المسطرة المدنية يتضح جليا أن الصياغة جاءت غامضة في مجموعة مهمة من مقتضياته مما سيخلق وضعا مربكا اثناء التفسير والتأويل و يتضح أيضا أن المشرع يتجه نحو التخلي عن مبدأ مجانية التقاضي حتى أنه فرض عقوبات مالية مهمة على عاتق من قرر اللجوء الى القضاء و خسر دعواه إضافة إلى الغرامات و الجزاءات في حالة إثارته لدفوع شكلية أو موضوعية لم تحض بالقبول مما يحول دون ممارسة الحق في التقاضي و الحق في الدفاع المكفولين دستوريا ودوليا.
إن تنصيص مشروع قانون المسطرة المدنية على حصر النظر في القضايا التي لا تتجاوز المبالغ المتنازع بشأنها ثلاثون ألف درهم درهما على المحاكم الابتدائية و عدم امكانية الطعن فيها بالاستئناف إلا فيما تجاوز هذا المبلغ مما يعتبر غبنا و إجحافا و تمييزا اقتصاديا و مسا بالمقتضيات الدستورية التي ضمنت لجميع المتقاضين حق التقاضي على درجتين و دون تمييز.
و يعتبر التقاضي عل درجتين أحد أهم مبادئ القضاء و ضمانات المحاكمة العادلة، بحكم انه يضمن للمتقاضين حق عرض النزاع و نشر الدعوى من جديد أمام محكمة أعلى درجة للبت فيها، ويتيح لاطراف النزاع الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم بسبب ما قد يشوب حكم محكمة الدرجة الابتدائية من أخطاء أو عيوب سواء بسبب فهم خاطئ أو فساد التعليل أو سوء التقدير أو بسبب عدم الادلاء بأدلة ووسائل اثبات إلا خلال مرحلة الاستئناف كما يتيح عرض نفس النزاع أمام محكمة أعلى درجة وهيئة قضائية أكثر حنكة و تجربة لتراقب ما إذا كان حكم المحكمة الادنى درجة قد طبق القانون تطبيقا سليما فتفصل فيه من جديد, إما بإقرار الحكم الأول وتأييده، او التصدي بالغائه ، لذلك يعتبر الاستئناف اجراء وآلية تحول دون الوقوع في الخطأ، طبعا مع ملاحظة مراقبة محكمة النقض التي تقدم طلبات النقض امامها و المعتبرة محكمة قانون وليس درجة من درجات التقاضي مما يكفل تحقيق الأمن القانوني و الاستقرار القضائي.
كما ان ما ورد في المشروع من عدم امكانية الطعن بالنقض اذا لم لم يتجاوز المبلغ موضوع الطلب ثمانين الف درهم هو تكريس لنفس التمييز الاجتماعي و الاقتصادي فضلا عن كونه تفويتا لفرصة بسط رقابة محكمة النقض على سلامة تطبيق القانون و إغناء الاجتهاد القضائي و تجويد الأحكام.
و أخيرا و ليس آخرا فإن أخطر ما جاء به مشروع المسطرة المدنية أيضا تمتيع الدولة و الادارات العمومية و الجماعات الترابية من امتياز إيقاف تنفيذ الاحكام في حالة الطعن بالنقض في ضرب صريح لمبدأ المساواة و دولة الحق و القانون.
هذه كانت بعض المقتضيات التي ارتأينا مناقشتها على سبيل المثال لا الحصر في موطن الخلل الواردة في المشروع.
3. كيف تردون على ادعاءات وزارة العدل بأن هذه الإصلاحات ضرورية لتحديث نظام العدالة؟
يتضح جليا أن مشاريع القوانين التي تقدم بها وزير العدل خلال هذه الولاية التشريعية تفتقر للجدوى و الراهنية التشريعية و أنه كان من الأولى الاهتمام بتعزيز الثقة في دولة الحق و القانون و بالاسراع في إخراج قانون الإثراء الغير المشروع حبز الوجود و بتحيين الترسنة القانونية المتقادمة التي يرجع تاريخها إلى عهد الحماية و الاحتلال الفرنسي بداية القرن الماضي و النصوص القانونية المتقادمة(ظهير 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير و قانون حوادث الشغل…) التي تخنق اللوبيات الاقتصادية (الأبناك -شركات التأمين…)أنفاسها و تحكم قبضتها بالتحكم في دواليب السلطة التنفيذية و التشريعية.
من جهة أخرى فإن مشروعي قانون المسطرة المدنية و الجنائية يفتقدان لدراسة الآثار الجانبية المحتملة للتشريع الجديد والتي تعتبر دراسة قبلية،تسمح بتوقع نتائجه و آثاره المباشرة و الغير المباشرة ، ودراسة لايجابياته و سلبياته تمهيدا لاستصدار قانون جديد وأثره على الفئة المستهدفة به أو الهيئات المعنية به ، خاصة و أن المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لاعضائها تضع على عاتق رئيس الحكومة بموجب قرار إرفاق مشاريع القوانين الرامية الى سن او تشريع جديد او مراجعة تشريع قائم بدراسة حول اثارها ، لتقييم جدوى الاصلاحات المرتقبة واحترام تراتبية القواعد القانونية وسهولة فهم النص القانوني وجودته ومتطلبات الأمن القانوني .
و من هنا تطرح بعض الأسئلة نفسها بإلحاح:
هل قانون المسطرة المدنية الحالي في حاجة إلى تغيير و إعداد قانون جديد أم أنه في حاجة إلى تعديل بعض مقتضياته فقط؟ هل جاء المشروع بمكاسب جديدة ترفع من مستوى ضمانات المحاكمة العادلة و تيسير الولوج للعدالة و تبسيط المساطر و تأمين المساعدة القضائية للمتقاضين؟
و ماهي الإضافات النوعية في المشروع و ما علاقتها بالنجاعة القضائية و الولوج المستنير للعدالة؟.
نستطيع أن نؤكد أن السيد وزير العدل لا يهتم مطلقا لجدوى التشريع و لا آثاره السلبية المحتملة و لا تهمه مصلحة المتقاضي و لا صورة العدالة و لا السمعة الحقوقية للمملكة بقدر ما يهمه إثبات ذاته و أنه الرجل ذو القبضة الحديدية المستعد لطحن الجميع بمان فيهم بني جلدته المهنية من المحامين فقط لأسباب نفسية ذاتية أكثر من تلك المرتبطة بوضعه كرجل دولة يمثل السلطة التنفيذية و بنزوات شخصية انتقامية ترتبط به كمحام سابق في علاقته مع المؤسسات المهنية خلال ممارسته للمهنة مع العلم بسبقية مؤاخذته تأديبيا من أجل الإخلال بقواعد المروءة و الشرف.
4. ما هي الخطوات التي ينبغي للحكومة اتخاذها لدمج آراء المحامين بشكل أفضل في عملية صنع القرار للإصلاحات القضائية؟
لقد أكد السيد النقيب الحسين الزياني رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب في أكثر من مناسبة و خلال مجموعة من اللقاءات مع الفرق البرلمانية و الندوات الصحفية بأن الجمعية تقدمت بمقترحاتها في إطار المقاربة التشاركية و أن وزير العدل تجاهل هذه المقترحات و أغلق باب النقاش بالاستعلاء و المعاكسة ، كما أكد السيد الرئيس أن مطالب المحامين و المحاميات تم بسطها بشكل علني من خلال مذكرات قدمت مباشرة لكل الجهات المعنية بالتشريع و تمت مناقشتها بشكل مفصل و واضح في ندوات صحفية عمومية و أنها ليست بمطالب فئوية ولا مادية ولا خاصة، بل هي مطالب تهم حقوق المتقاضين بالدرجة الأولى، و تعتبر السبيل لتحقيق المساواة و تنزيل المبادئ الدستورية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون، و السبيل لإصلاح منظومة العدالة التي لا يمكن أن تقوم إلا بتحصين حق الدفاع و المحاماة كجناح ثاني للعدالة.
و لا يكمن تحقيق هذه الأهداف إلا بإعمال المقاربة التشاركية و مناقشة المقترحات التي تقدم بها المحامون في مذكرة جمعية هيئات المحامين بالمغرب و ما جاء فيها من بدائل جدية و موضوعية بعيدا عن الحسابات الضيقة و الشخصية لوزير العدل.
5. هل تعتقد أنه لا تزال هناك فرصة للحوار مع وزارة العدل، أم أن العلاقة بين مهنة المحاماة والحكومة غير قابلة للإصلاح؟
إن كل المحامين و المحاميات ملتفون حول مؤسساتهم المهنية التي يمثلها مركزيا رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب و لدينا قناعة بأن باب الحوار سيبقى مفتوحا إلى حين استنفاذ كل سبله مع كل المتدخلين في العملية التشريعية .
و أنه و بغض النظر عن المواقف المتطرفة و الاستعراضية لوزير العدل يجب على الحكومة بمقتضى التزامها الدستوري بإعمال المقاربة التشاركية أن تتعامل بشكل جدي مع مطالب المحامين و المحاميات و تقييم مخاطر اختلال منظومة العدالة و المس بالأمن القانوني و نتائجها المحتملة.
الأستاذ منصف الخياري
عضو سابق بمجلس هيئة المحامين بفاس.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة المحامين الاستقلاليين بالمغرب.
تميزت الولاية التشريعية الحالية بمشاريع قوانين استثنائية و فوق العادة تستفرد بالمواطن وتمس بالولوج المستنير للعدالة و تنذر بتغول السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية بعد أن أصبحت هذه الأخيرة تحت رحمة حسابات الأغلبية الحكومية و حيادها عن القيام بأدوارها التشريعية الطبيعية مما انعكس بشكل مباشر على جودة المنتوج التشريعي.
و يعتبر مشروعي قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية الذين تقدمت بهما وزارة العدل من أهم تجليات هذا الشذوذ التشريعي الانفرادي و الذي تعمد تغييب المقاربة التشاركية و إقصاء المحامين بصفتهم صلة الوصل بين المتقاضي و القضاء و كذلك بتغييب باقي الفاعلين المتدخلين في المجال .
هاته المشاريع على الخصوص تضمنت تراجعات خطيرة تمس بشروط الولوج المستنير و المتبصر للعدالة و تمس بشكل لا مسبوق بمبادئ الحقوق والحريات للمواطن مرتفق العدالة و الذي تم الاستفراد به بطريقة تحكمية باعتباره أضعف حلقة في منظومة العدالة.
و تتمثل هذه التراجعات على سبيل المثال لا الحصر في المس بالأحكام القضائية وأثرها الملزم للجميع و خاصة في مواجهة الدولة و الادارات العمومية ، وحرمان المتقاضين من حق الطعن في الأحكام القضائية وحقهم في استئناف الأحكام التي قد تتضمن أخطاء في تطبيق و تأويل القانون أو مقتضيات ماسة بحقوقهم، وكذا حرمان المتقاضين من حقهم في الولوج المستنير و المتبصر للعدالة و الاستعانة بمحامي في إطار المساعدة القضائية في كل القضايا و حقهم في مراقبة التطبيق السليم للقانون من طرف المحاكم عن طريق الطعن بالنقض و تضمين قانون المسطرة الجنائية مقتضيات ماسة بالحرية والمحاكمة العادلة و حقوق الدفاع.
2. ما هي الجوانب المحددة لإصلاح الإجراءات المدنية التي تحضى باهتمامك ، وكيف تعتقد أنه يمكن تحسينها؟
إن جودة القوانين الشكلية تقاس بجدواها و قانون المسطرة المدنية هو القانون الذي يؤطر و يحدد مسار الدعوى و الحق ابتداء من تاريخ التقدم بالدعوى الى نهايتها.
و من هنا فإن فلسفة التشريع أو تحيينه نابعة من تحقيق الأمن القانوني و تجويد النصوص و سد الثغرات التشريعية و الملاءمة مع الاجتهادات القضائية القارة و المتواترة في احترام تام للدستور و المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.
و بالرجوع لمشروع قانون المسطرة المدنية يتضح جليا أن الصياغة جاءت غامضة في مجموعة مهمة من مقتضياته مما سيخلق وضعا مربكا اثناء التفسير والتأويل و يتضح أيضا أن المشرع يتجه نحو التخلي عن مبدأ مجانية التقاضي حتى أنه فرض عقوبات مالية مهمة على عاتق من قرر اللجوء الى القضاء و خسر دعواه إضافة إلى الغرامات و الجزاءات في حالة إثارته لدفوع شكلية أو موضوعية لم تحض بالقبول مما يحول دون ممارسة الحق في التقاضي و الحق في الدفاع المكفولين دستوريا ودوليا.
إن تنصيص مشروع قانون المسطرة المدنية على حصر النظر في القضايا التي لا تتجاوز المبالغ المتنازع بشأنها ثلاثون ألف درهم درهما على المحاكم الابتدائية و عدم امكانية الطعن فيها بالاستئناف إلا فيما تجاوز هذا المبلغ مما يعتبر غبنا و إجحافا و تمييزا اقتصاديا و مسا بالمقتضيات الدستورية التي ضمنت لجميع المتقاضين حق التقاضي على درجتين و دون تمييز.
و يعتبر التقاضي عل درجتين أحد أهم مبادئ القضاء و ضمانات المحاكمة العادلة، بحكم انه يضمن للمتقاضين حق عرض النزاع و نشر الدعوى من جديد أمام محكمة أعلى درجة للبت فيها، ويتيح لاطراف النزاع الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم بسبب ما قد يشوب حكم محكمة الدرجة الابتدائية من أخطاء أو عيوب سواء بسبب فهم خاطئ أو فساد التعليل أو سوء التقدير أو بسبب عدم الادلاء بأدلة ووسائل اثبات إلا خلال مرحلة الاستئناف كما يتيح عرض نفس النزاع أمام محكمة أعلى درجة وهيئة قضائية أكثر حنكة و تجربة لتراقب ما إذا كان حكم المحكمة الادنى درجة قد طبق القانون تطبيقا سليما فتفصل فيه من جديد, إما بإقرار الحكم الأول وتأييده، او التصدي بالغائه ، لذلك يعتبر الاستئناف اجراء وآلية تحول دون الوقوع في الخطأ، طبعا مع ملاحظة مراقبة محكمة النقض التي تقدم طلبات النقض امامها و المعتبرة محكمة قانون وليس درجة من درجات التقاضي مما يكفل تحقيق الأمن القانوني و الاستقرار القضائي.
كما ان ما ورد في المشروع من عدم امكانية الطعن بالنقض اذا لم لم يتجاوز المبلغ موضوع الطلب ثمانين الف درهم هو تكريس لنفس التمييز الاجتماعي و الاقتصادي فضلا عن كونه تفويتا لفرصة بسط رقابة محكمة النقض على سلامة تطبيق القانون و إغناء الاجتهاد القضائي و تجويد الأحكام.
و أخيرا و ليس آخرا فإن أخطر ما جاء به مشروع المسطرة المدنية أيضا تمتيع الدولة و الادارات العمومية و الجماعات الترابية من امتياز إيقاف تنفيذ الاحكام في حالة الطعن بالنقض في ضرب صريح لمبدأ المساواة و دولة الحق و القانون.
هذه كانت بعض المقتضيات التي ارتأينا مناقشتها على سبيل المثال لا الحصر في موطن الخلل الواردة في المشروع.
3. كيف تردون على ادعاءات وزارة العدل بأن هذه الإصلاحات ضرورية لتحديث نظام العدالة؟
يتضح جليا أن مشاريع القوانين التي تقدم بها وزير العدل خلال هذه الولاية التشريعية تفتقر للجدوى و الراهنية التشريعية و أنه كان من الأولى الاهتمام بتعزيز الثقة في دولة الحق و القانون و بالاسراع في إخراج قانون الإثراء الغير المشروع حبز الوجود و بتحيين الترسنة القانونية المتقادمة التي يرجع تاريخها إلى عهد الحماية و الاحتلال الفرنسي بداية القرن الماضي و النصوص القانونية المتقادمة(ظهير 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير و قانون حوادث الشغل…) التي تخنق اللوبيات الاقتصادية (الأبناك -شركات التأمين…)أنفاسها و تحكم قبضتها بالتحكم في دواليب السلطة التنفيذية و التشريعية.
من جهة أخرى فإن مشروعي قانون المسطرة المدنية و الجنائية يفتقدان لدراسة الآثار الجانبية المحتملة للتشريع الجديد والتي تعتبر دراسة قبلية،تسمح بتوقع نتائجه و آثاره المباشرة و الغير المباشرة ، ودراسة لايجابياته و سلبياته تمهيدا لاستصدار قانون جديد وأثره على الفئة المستهدفة به أو الهيئات المعنية به ، خاصة و أن المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لاعضائها تضع على عاتق رئيس الحكومة بموجب قرار إرفاق مشاريع القوانين الرامية الى سن او تشريع جديد او مراجعة تشريع قائم بدراسة حول اثارها ، لتقييم جدوى الاصلاحات المرتقبة واحترام تراتبية القواعد القانونية وسهولة فهم النص القانوني وجودته ومتطلبات الأمن القانوني .
و من هنا تطرح بعض الأسئلة نفسها بإلحاح:
هل قانون المسطرة المدنية الحالي في حاجة إلى تغيير و إعداد قانون جديد أم أنه في حاجة إلى تعديل بعض مقتضياته فقط؟ هل جاء المشروع بمكاسب جديدة ترفع من مستوى ضمانات المحاكمة العادلة و تيسير الولوج للعدالة و تبسيط المساطر و تأمين المساعدة القضائية للمتقاضين؟
و ماهي الإضافات النوعية في المشروع و ما علاقتها بالنجاعة القضائية و الولوج المستنير للعدالة؟.
نستطيع أن نؤكد أن السيد وزير العدل لا يهتم مطلقا لجدوى التشريع و لا آثاره السلبية المحتملة و لا تهمه مصلحة المتقاضي و لا صورة العدالة و لا السمعة الحقوقية للمملكة بقدر ما يهمه إثبات ذاته و أنه الرجل ذو القبضة الحديدية المستعد لطحن الجميع بمان فيهم بني جلدته المهنية من المحامين فقط لأسباب نفسية ذاتية أكثر من تلك المرتبطة بوضعه كرجل دولة يمثل السلطة التنفيذية و بنزوات شخصية انتقامية ترتبط به كمحام سابق في علاقته مع المؤسسات المهنية خلال ممارسته للمهنة مع العلم بسبقية مؤاخذته تأديبيا من أجل الإخلال بقواعد المروءة و الشرف.
4. ما هي الخطوات التي ينبغي للحكومة اتخاذها لدمج آراء المحامين بشكل أفضل في عملية صنع القرار للإصلاحات القضائية؟
لقد أكد السيد النقيب الحسين الزياني رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب في أكثر من مناسبة و خلال مجموعة من اللقاءات مع الفرق البرلمانية و الندوات الصحفية بأن الجمعية تقدمت بمقترحاتها في إطار المقاربة التشاركية و أن وزير العدل تجاهل هذه المقترحات و أغلق باب النقاش بالاستعلاء و المعاكسة ، كما أكد السيد الرئيس أن مطالب المحامين و المحاميات تم بسطها بشكل علني من خلال مذكرات قدمت مباشرة لكل الجهات المعنية بالتشريع و تمت مناقشتها بشكل مفصل و واضح في ندوات صحفية عمومية و أنها ليست بمطالب فئوية ولا مادية ولا خاصة، بل هي مطالب تهم حقوق المتقاضين بالدرجة الأولى، و تعتبر السبيل لتحقيق المساواة و تنزيل المبادئ الدستورية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون، و السبيل لإصلاح منظومة العدالة التي لا يمكن أن تقوم إلا بتحصين حق الدفاع و المحاماة كجناح ثاني للعدالة.
و لا يكمن تحقيق هذه الأهداف إلا بإعمال المقاربة التشاركية و مناقشة المقترحات التي تقدم بها المحامون في مذكرة جمعية هيئات المحامين بالمغرب و ما جاء فيها من بدائل جدية و موضوعية بعيدا عن الحسابات الضيقة و الشخصية لوزير العدل.
5. هل تعتقد أنه لا تزال هناك فرصة للحوار مع وزارة العدل، أم أن العلاقة بين مهنة المحاماة والحكومة غير قابلة للإصلاح؟
إن كل المحامين و المحاميات ملتفون حول مؤسساتهم المهنية التي يمثلها مركزيا رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب و لدينا قناعة بأن باب الحوار سيبقى مفتوحا إلى حين استنفاذ كل سبله مع كل المتدخلين في العملية التشريعية .
و أنه و بغض النظر عن المواقف المتطرفة و الاستعراضية لوزير العدل يجب على الحكومة بمقتضى التزامها الدستوري بإعمال المقاربة التشاركية أن تتعامل بشكل جدي مع مطالب المحامين و المحاميات و تقييم مخاطر اختلال منظومة العدالة و المس بالأمن القانوني و نتائجها المحتملة.
الأستاذ منصف الخياري
عضو سابق بمجلس هيئة المحامين بفاس.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة المحامين الاستقلاليين بالمغرب.