فالمسيرة الفنية المتميزة، للطيفة أحرار ليست مجرد حضور بسيط على خشبة المسرح أو شاشة التلفزيون، بل هي قيمة قوية للمشهد الثقافي والفني المغربي. وهي الفنانة التي نشأت في كنف الإبداع والتحرر الفكري والمعرفي، حيث تخرجت من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، المؤسسة التي أصبحت اليوم على رأس إدارتها، ما يعكس ثقة الجهات المعنية في كفاءتها وقدرتها على قيادة المعهد إلى مرحلة جديدة من التميز، وهو المعهد الذي له بصمة قوية في المجال الثقافي والفني المغربي، ومع لطيفة أحرار، كمديرة لهذه المؤسسة، الجميع سجل التغيير الجوهري لحركية ودينامية المعهد وسط المنظومة الحامعية والأكاديمية.
فطوال مسيرتها، أثبتت أحرار نفسها، إلى جانب مجموعة من خريجات "ليزاداك"، كواحدة من أكثر الفنانات تأثيرًا في المشهد الفني المغربي. وهو الأمر الذي يسجل لها من خلال إسهامها الكبير في تحريك ديناميكية النقاش العمومي حول قضايا المجتمع عبر أعمالها المسرحية والسينمائية التي تحمل دائمًا رسائل اجتماعية عميقة تدعو للتأمل والنقاش بجرأة وبشجاعة.
إن هذه الحملة الممنهجة التي يقودها "سطحيون" في تجاهل تام للكفاءة، لا تستهدف فقط لطيفة أحرار كشخص، بل تعكس ضحالة الفهم للفن والثقافة عمومًا من لدنهم، حيث لا يزال هؤال يعتقدون، وبتصور بسيط، أن الفنان لا يمكن أن يكون أكاديميًا أو سياسياً أو نقابيا أوإداريًا ناجحًا، وأن على الفنان أن يكتفي بمهنة "إضحاك الناس، وفقط، وأن لايخوض في عمق تفاصيل الحياة، ما يوضح حقيقة وجود أزمة مجتمعية أوسع تتعلق بطريقة فهم جزء من المجتمع للفن والثقافة وأدوارها أوساط المجتمع.
وبالرجوع إلى تعيين لطيفة أحرار في هذ المنصب، والذي يبقى قليل في حق كفاءة معرفية كبيرة على العموم، فاتركوني أقول أن الموضوع ليس محض صدفة أو مجاملة، بل هو قرار مبني على معايير الكفاءة والخبرة التي تمتاز بها هذه المرأة. فأن تكون فنانا مثقفا، فهذا يتطلب أن تكون قارئا جيدا لمئات الكتب، وعلى دراية لأمهات المدارس الفنية العالمية، حتى تتمكن من تشخيص أدوار متعددة، وهو الأمر الذي ينطبق على مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، لطيفة أحرار، والتي تعد من الكفاءات الكاريزمية من خلال مسيرة غنية، تجمع بين العمق الأكاديمي والتجربة العملية، وهو ما يجعلها خيارًا مثاليًا لقيادة مؤسسة تعليمية وفنية مثل المعهد. فالتزامها بتطوير الفن والتربية الثقافية، لم يجعل من لطيفة أحرار ترى في الفن مجرد وسيلة للترفيه، بل تؤمن بدوره في بناء العقول والمجتمعات، وهو ما يعكس رؤيتها في تطوير المؤسسات الثقافية من خلال مجموعة من المبادرات الثقافية التي قادتها رفقة جيل من المجددين الشباب في المجال الفني والمسرحي.
ولتحليل سريع للتفاهات التي نشرت ضد لطيفة أحرارفيمكن أن نستشف القول أن هذه الحملة تسلط الضوء على مشكلتين رئيسيتين أصبحت تنخر مجتمعنا:
أولا : النظرة القاصرة للفن، بحيث ما زال البعض يعتبر الفن ترفًا، ويغفل عن كونه مجالًا معرفيًا وعلميًا يتطلب كفاءات عالية وإبداعًا مستمرًا، ويتطلب مجهود أكبر لفهم الواقع والمجتمع لترجمتها على شكل نصوص إبداعية وفنية فيها الفنون الآدائية والأدبية والسينمائية. ويكفي أن نغوص في كتب مفكرين تاريخيين تناولوا الفن لفهم القيمة الكبيرة للفنان، وهنا استحضر قول إيمانويل كانت (Immanuel Kant) أن الفن هو تعبير عن الروح المطلقة، حيث يعبر عن الحقائق العميقة والمعاني الروحية في صورة حسية أو كما تناول الفن جون ديوي (John Dewey) والذي يعتبره جزء من التجربة الإنسانية اليومية، وليس شيئًا منفصلًا عن الحياة بطريقة تجعلها أكثر عمقًا ومعنى أو ماقاله موريس ميرلو بونتي (Maurice Merleau-Ponty) أن الفن هو وسيلة لفهم العلاقة بين الإنسان والعالم.
خلاصة الأمر السطحيون أجاب عنهم العلماء والفلاسفة من خلال اتفاقهم أن الفن ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل هوانعكاس للإنسانية، وأداة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والقيم.
ثانيا: التقليل من إمكانات النساء: ورغم تقدم المجتمع في العديد من المجالات، لا تزال هناك مقاومة واضحة لفكرة تولي النساء مناصب ريادية، وهو ما يظهر جليًا في هذه الحملة الشنعاء التي تستهدف كفاءة امرأة أعطت الشيء الكثير،ولازالت طبعا، للفن والثقافة المغربيتين. ورغم الجهود التي قامت بها الحكومات المغربية المتعاقبة من أجل تعزيز مشاركة المرأة في المناصب القيادية، مع التركيز على تحقيق توازن أكبر بين الجنسين في مختلف المجالات إلا أن هناك حاجة لمضاعفة العمل من أجل تطوير وعي المجتمع المغربي ونظرته تجاه المرأة.
وأمام هذه الحملة الشعواء والمغرضة والهوجاء التي تتعرض لها لطيفة أحرار، يجب أن نقف صفًا واحدًا لدعم الكفاءات الوطنية التي تمثل المغرب في ميادين الإبداع والابتكار بكل حس وطني مسؤول. ولطيفة أحرار ليست مجرد فنانة، بل هي رمز للإبداع المغربي الذي يواجه التحديات بثبات وإصرار وتقدم كبير، وأنا أعرف جيدا لطيفة منذ سنوات، وانا المتتبع لشغفها بالفن والفكر والثقافة والأدب وكيف استطاعت ان تزاوج بين التدبير الإداري المحكم وبين الخبرة الفنية والإبداعية.
فهنيئًا للطيفة بهذا التعيين المستحق والذي، من وجهة نظري، يبقى تقديراً لمجهودات سيدة أعطت الكثير للمجال العلمي والثقافي ، والذي يعكس ثقة كبيرة في كفاءتها ومسارها المتميز. الأمر الدي يجعلني أقول لها لا تلتفتي للأصوات التي لا تعكس إلا ضيق الأفق وغياب الفهم. نحن على يقين أنك قادرة على إحداث نقلة نوعية في التعليم الفني والثقافي في المغرب.
ختامًا، فالسطحيون يكتفون برؤية القمة، دون أن يدركوا الجهد الذي بُذل للوصول إليها ، والنجاح لا يمكنه أن يتحقق دون مواجهة التحديات، وكلما زادت قيمة الشخص وكفاءته، زادت محاولات التقليل من شأنه وانتقاده. لكن الأكيد أن لطيفة أحرار ستظل رمزًا للشجاعة والإبداع، وستواصل مسيرتها بثبات لتؤكد أن الفن هو أحد أعمدة التنمية والتقدم في المجتمع
بقلم: إسماعيل الحمراوي
باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية
فطوال مسيرتها، أثبتت أحرار نفسها، إلى جانب مجموعة من خريجات "ليزاداك"، كواحدة من أكثر الفنانات تأثيرًا في المشهد الفني المغربي. وهو الأمر الذي يسجل لها من خلال إسهامها الكبير في تحريك ديناميكية النقاش العمومي حول قضايا المجتمع عبر أعمالها المسرحية والسينمائية التي تحمل دائمًا رسائل اجتماعية عميقة تدعو للتأمل والنقاش بجرأة وبشجاعة.
إن هذه الحملة الممنهجة التي يقودها "سطحيون" في تجاهل تام للكفاءة، لا تستهدف فقط لطيفة أحرار كشخص، بل تعكس ضحالة الفهم للفن والثقافة عمومًا من لدنهم، حيث لا يزال هؤال يعتقدون، وبتصور بسيط، أن الفنان لا يمكن أن يكون أكاديميًا أو سياسياً أو نقابيا أوإداريًا ناجحًا، وأن على الفنان أن يكتفي بمهنة "إضحاك الناس، وفقط، وأن لايخوض في عمق تفاصيل الحياة، ما يوضح حقيقة وجود أزمة مجتمعية أوسع تتعلق بطريقة فهم جزء من المجتمع للفن والثقافة وأدوارها أوساط المجتمع.
وبالرجوع إلى تعيين لطيفة أحرار في هذ المنصب، والذي يبقى قليل في حق كفاءة معرفية كبيرة على العموم، فاتركوني أقول أن الموضوع ليس محض صدفة أو مجاملة، بل هو قرار مبني على معايير الكفاءة والخبرة التي تمتاز بها هذه المرأة. فأن تكون فنانا مثقفا، فهذا يتطلب أن تكون قارئا جيدا لمئات الكتب، وعلى دراية لأمهات المدارس الفنية العالمية، حتى تتمكن من تشخيص أدوار متعددة، وهو الأمر الذي ينطبق على مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، لطيفة أحرار، والتي تعد من الكفاءات الكاريزمية من خلال مسيرة غنية، تجمع بين العمق الأكاديمي والتجربة العملية، وهو ما يجعلها خيارًا مثاليًا لقيادة مؤسسة تعليمية وفنية مثل المعهد. فالتزامها بتطوير الفن والتربية الثقافية، لم يجعل من لطيفة أحرار ترى في الفن مجرد وسيلة للترفيه، بل تؤمن بدوره في بناء العقول والمجتمعات، وهو ما يعكس رؤيتها في تطوير المؤسسات الثقافية من خلال مجموعة من المبادرات الثقافية التي قادتها رفقة جيل من المجددين الشباب في المجال الفني والمسرحي.
ولتحليل سريع للتفاهات التي نشرت ضد لطيفة أحرارفيمكن أن نستشف القول أن هذه الحملة تسلط الضوء على مشكلتين رئيسيتين أصبحت تنخر مجتمعنا:
أولا : النظرة القاصرة للفن، بحيث ما زال البعض يعتبر الفن ترفًا، ويغفل عن كونه مجالًا معرفيًا وعلميًا يتطلب كفاءات عالية وإبداعًا مستمرًا، ويتطلب مجهود أكبر لفهم الواقع والمجتمع لترجمتها على شكل نصوص إبداعية وفنية فيها الفنون الآدائية والأدبية والسينمائية. ويكفي أن نغوص في كتب مفكرين تاريخيين تناولوا الفن لفهم القيمة الكبيرة للفنان، وهنا استحضر قول إيمانويل كانت (Immanuel Kant) أن الفن هو تعبير عن الروح المطلقة، حيث يعبر عن الحقائق العميقة والمعاني الروحية في صورة حسية أو كما تناول الفن جون ديوي (John Dewey) والذي يعتبره جزء من التجربة الإنسانية اليومية، وليس شيئًا منفصلًا عن الحياة بطريقة تجعلها أكثر عمقًا ومعنى أو ماقاله موريس ميرلو بونتي (Maurice Merleau-Ponty) أن الفن هو وسيلة لفهم العلاقة بين الإنسان والعالم.
خلاصة الأمر السطحيون أجاب عنهم العلماء والفلاسفة من خلال اتفاقهم أن الفن ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل هوانعكاس للإنسانية، وأداة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والقيم.
ثانيا: التقليل من إمكانات النساء: ورغم تقدم المجتمع في العديد من المجالات، لا تزال هناك مقاومة واضحة لفكرة تولي النساء مناصب ريادية، وهو ما يظهر جليًا في هذه الحملة الشنعاء التي تستهدف كفاءة امرأة أعطت الشيء الكثير،ولازالت طبعا، للفن والثقافة المغربيتين. ورغم الجهود التي قامت بها الحكومات المغربية المتعاقبة من أجل تعزيز مشاركة المرأة في المناصب القيادية، مع التركيز على تحقيق توازن أكبر بين الجنسين في مختلف المجالات إلا أن هناك حاجة لمضاعفة العمل من أجل تطوير وعي المجتمع المغربي ونظرته تجاه المرأة.
وأمام هذه الحملة الشعواء والمغرضة والهوجاء التي تتعرض لها لطيفة أحرار، يجب أن نقف صفًا واحدًا لدعم الكفاءات الوطنية التي تمثل المغرب في ميادين الإبداع والابتكار بكل حس وطني مسؤول. ولطيفة أحرار ليست مجرد فنانة، بل هي رمز للإبداع المغربي الذي يواجه التحديات بثبات وإصرار وتقدم كبير، وأنا أعرف جيدا لطيفة منذ سنوات، وانا المتتبع لشغفها بالفن والفكر والثقافة والأدب وكيف استطاعت ان تزاوج بين التدبير الإداري المحكم وبين الخبرة الفنية والإبداعية.
فهنيئًا للطيفة بهذا التعيين المستحق والذي، من وجهة نظري، يبقى تقديراً لمجهودات سيدة أعطت الكثير للمجال العلمي والثقافي ، والذي يعكس ثقة كبيرة في كفاءتها ومسارها المتميز. الأمر الدي يجعلني أقول لها لا تلتفتي للأصوات التي لا تعكس إلا ضيق الأفق وغياب الفهم. نحن على يقين أنك قادرة على إحداث نقلة نوعية في التعليم الفني والثقافي في المغرب.
ختامًا، فالسطحيون يكتفون برؤية القمة، دون أن يدركوا الجهد الذي بُذل للوصول إليها ، والنجاح لا يمكنه أن يتحقق دون مواجهة التحديات، وكلما زادت قيمة الشخص وكفاءته، زادت محاولات التقليل من شأنه وانتقاده. لكن الأكيد أن لطيفة أحرار ستظل رمزًا للشجاعة والإبداع، وستواصل مسيرتها بثبات لتؤكد أن الفن هو أحد أعمدة التنمية والتقدم في المجتمع
بقلم: إسماعيل الحمراوي
باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية