آخر الأخبار

في اليوم العالمي للمرأة : المغرب يقترب من تحقيق مكتسبات حقوقية جديدة عبر إصلاح مدونة الأسرة


في 8 مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة، في المغرب، يعد هذا اليوم مناسبة للاحتفاء بمسيرة النساء المغربيات ومكتسباتهن في مجال حقوق الإنسان والمساواة. منذ عقود، كانت المرأة المغربية جزءًا لا يتجزأ من الحراك الاجتماعي والسياسي، ولعبت دورًا كبيرًا في تغيير واقعها، لتصل إلى العديد من الحقوق التي مكنتها من المشاركة الفاعلة في بناء مجتمع أكثر عدلاً ومساوة



أي مكتسبات حقوقية وقانونية حققتها المرأة المغربية على مر العقود؟

منذ الاستقلال وحتى اليوم، تمكنت المرأة المغربية من تحقيق تقدم ملحوظ في مجال حقوقها، وذلك بفضل سلسلة من الإصلاحات القانونية والسياسات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز مكانتها في المجتمع.

وقد شكل تعديل مدونة الأسرة سنة 2004 محطة بارزة في هذا المسار، حيث تم إقرار العديد من الحقوق التي حسّنت وضعها القانوني والاجتماعي. فقد تم رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، مما ساهم في الحد من ظاهرة الزواج المبكر التي كانت تؤثر سلبًا على الفتيات وتعليمهن ومستقبلهن.

كما تم تعزيز حق المرأة في الطلاق عبر توسيع الحالات التي يمكنها فيها طلب الانفصال، وهو ما منحها حرية أكبر في اتخاذ القرارات التي تهم حياتها الشخصية والعائلية، خاصة في حالات الضرر أو غياب التوافق داخل الأسرة.
 

بالإضافة إلى ذلك، مُنحت المرأة حق الحضانة بشكل أكثر إنصافًا، بما يضمن استقرار الأطفال بعد الطلاق، وتم تقييد التعدد بشروط صارمة تتطلب موافقة الزوجة الأولى وإثبات القدرة على تحقيق العدل بين الزوجات، وهو ما ساهم في الحد من هذه الظاهرة.

علاوة على ذلك، صدرت قوانين جديدة لحماية النساء من العنف الأسري، حيث تم اعتماد قانون مكافحة العنف ضد النساء سنة 2018، والذي شدد العقوبات على المتحرشين والمعتدين ووسع نطاق الحماية القانونية لضحايا العنف.
 

لم تقتصر المكتسبات على الجانب القانوني فحسب، بل شملت أيضًا مجالات أخرى مثل التعليم والتمكين الاقتصادي والمشاركة السياسية. فقد تم إطلاق برامج لتمكين النساء اقتصاديًا، من خلال دعم المقاولات النسائية وتوفير قروض ميسرة للمشاريع التي تقودها النساء.

كما شهدت العقود الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات تمدرس الفتيات، وتنامي حضور المرأة في مناصب صنع القرار، سواء في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص. وكانت جهود الجمعيات النسائية والمجتمع المدني حاسمة في إحداث هذا التغيير، حيث لعبت دورًا مهمًا في التوعية بحقوق المرأة والدفاع عنها

إلى جانب دعم الدولة لهذه المبادرات من خلال سياسات وبرامج لتعزيز المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تستدعي المزيد من الجهود لضمان تحقيق العدالة والمساواة الكاملة في مختلف المجالات


تعديل مدونة 2004 : الحاجة إلى إصلاح يواكب التحولات المجتمعية

رغم الإصلاحات الجوهرية التي حملتها مدونة الأسرة لعام 2004، إلا أنها لا تزال تشوبها مجموعة من النواقص التي أثارت جدلاً واسعًا بين الحقوقيين والقانونيين، خصوصًا فيما يتعلق بتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين وضمان العدالة في القضايا الأسرية.

أحد أبرز الإشكالات المطروحة هو استمرار الاستثناءات التي تسمح بزواج القاصرات، إذ رغم تحديد سن الزواج في 18 سنة، إلا أن المادة 20 من المدونة تمنح القضاة سلطة تقديرية لمنح الإذن بزواج الفتيات دون هذا السن، وهو ما أدى إلى استمرار ظاهرة زواج القاصرات، مما يتعارض مع مقتضيات حماية الطفولة ويعرض الفتيات لمخاطر اجتماعية واقتصادية جسيمة.
 

كما أن مسألة التعدد لا تزال تثير خلافات واسعة، فرغم التشديد في شروطه، إلا أن القضاء لا يزال يمنح الإذن في حالات متعددة، مما يجعل الحد من التعدد غير فعال بالشكل الكافي.

إضافة إلى ذلك، يطرح موضوع الولاية الشرعية إشكالًا قانونيًا، حيث لا تزال المادة 236 تمنح الأب صفة الولي الشرعي الأساسي على الأبناء، بينما لا تحصل الأم على نفس الحق إلا في حالات استثنائية، وهو ما يعكس عدم التكافؤ في الأدوار الأسرية، خاصة في ظل التطورات المجتمعية التي أصبحت فيها المرأة تتحمل مسؤوليات مادية ومعنوية مساوية للرجل داخل الأسرة.
 

أما فيما يتعلق بحقوق المرأة في الطلاق، فرغم أن المدونة منحتها إمكانية طلب التطليق في حالات متعددة، إلا أن الإجراءات المسطرية الطويلة والمعقدة تجعل النساء يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على الطلاق، خاصة حين يكون الزوج ممتنعًا عن الحضور أو يستغل الثغرات القانونية لعرقلة المسطرة، مما يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات وتأخير تحقيق العدالة.

 مسألة النفقة هي الأخرى لا تزال تشكل معضلة حقيقية، حيث تعاني العديد من النساء المطلقات من تأخر تنفيذ الأحكام المتعلقة بالنفقة، في ظل غياب آليات فعالة تضمن استخلاصها بشكل سريع ومنصف، مما يؤثر سلبًا على أوضاع الأمهات المطلقات وأبنائهن.
 

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المدونة تفتقر إلى نصوص واضحة بشأن تقسيم الممتلكات المكتسبة خلال الزواج، حيث يُترك الأمر للاتفاق المسبق بين الزوجين، وهو ما لا يتم في أغلب الحالات، مما يؤدي إلى تضرر النساء اللواتي ساهمن في بناء الثروة الأسرية دون أن يكون لهن حق قانوني في اقتسامها عند الطلاق.


كما أن المدونة لم تواكب بشكل كافٍ التحولات الاجتماعية المتعلقة بوضعية المرأة العاملة ودورها الاقتصادي، حيث لم يتم منحها امتيازات قانونية تعكس واقع مساهمتها في إعالة الأسرة، وهو ما يستدعي إدراج تعديلات تعزز الإنصاف في العلاقات الأسرية وتقاسم الأعباء المالية بين الزوجين.


مشروع تعديل مدونة الأسرة : بين الجدل المجتمعي والنقاش الديني في المغرب

شهد مشروع تعديل مدونة الأسرة الأخير ردود فعل واسعة سواء على المستوى المجتمعي أو الديني، مما أضاف إلى النقاش الجاري تعقيدات جديدة.

فمن جهة، حظي التعديل بدعم كبير من فئات المجتمع المدني، وخاصة الحركات النسائية والحقوقية، التي اعتبرت أن هذا التعديل يعد خطوة نحو تحقيق المزيد من العدالة والمساواة بين الجنسين في الحياة الأسرية

من ناحية أخرى، قوبل التعديل بانتقادات من بعض الأوساط الدينية، التي رأت في بعض البنود المساس بالقيم الدينية والأعراف التقليدية. فقد أثار التعديل المتعلق بزواج القاصرات جدلاً كبيرًا، حيث يرى البعض أن فرض قيود صارمة على زواج القاصرات يتعارض مع بعض التفسيرات الدينية التي تبيح هذا النوع من الزيجات في حالات معينة، كما أبدت بعض القوى المحافظة تخوفها من أن يؤدي تعزيز حقوق المرأة إلى تهديد هيبة الرجل داخل الأسرة المغربية، وبالتالي التأثير على استقرار العلاقات الأسرية بشكل عام



في الختام، يمكن القول إن مسار تحسين حقوق المرأة المغربية شهد تقدمًا ملموسًا، إلا أن الطريق لتحقيق العدالة والمساواة الحقيقية لا يزال يتطلب تضافر جهود الجميع. يبقى تعديل مدونة الأسرة خطوة هامة، ولكن يجب مواصلة العمل على تنفيذ هذه التعديلات وتفعيلها على أرض الواقع، مع مراعاة متطلبات العصر والتحديات الاجتماعية والدينية

Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 7 مارس 2025

              















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic