آخر الأخبار

صمت اليسار الفرنسي تجاه تجاوزات النظام الجزائري


يثير الصمت الغريب لليسار الفرنسي تجاه تجاوزات النظام الجزائري تساؤلات عديدة حول المواقف السياسية والتحالفات التي قد تكون وراء هذا السكوت. في وقت يعاني فيه النظام الجزائري من انتهاكات لحقوق الإنسان وحريات التعبير، يبدو أن بعض التيارات اليسارية في فرنسا، التي لطالما كانت رمزًا للنضال ضد الظلم والقمع، تتجاهل أو تتسامح مع هذه التجاوزات



استغلال الذاكرة الجماعية لتبرير الفشل الداخلي

يعتمد النظام الجزائري على "ريع الذكريات"، حيث يُستخدم التاريخ الاستعماري كأداة سياسية لتبرير الأزمات الداخلية. يتعرض الشباب الجزائري لخيبة أمل عميقة نتيجة لسياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، مما يدفعهم للهجرة المكثفة نحو فرنسا بحثًا عن مستقبل أفضل. على الرغم من هذا الواقع، لا يزال الخطاب الرسمي الجزائري يركز على تحميل فرنسا المسؤولية
عن مشاكل الجزائر، وهو ما يعكس فشلًا في إدارة الأزمات الداخلية وتقديم حلول للشعب الجزائري.
 

التقارب الفرنسي-المغربي في مواجهة الجمود الجزائري

في هذا السياق، يظهر المغرب كشريك استراتيجي للفرنسيين في المنطقة. من خلال مبادراته التنموية في منطقة الساحل مثل منتديات "ميدايز"، يسعى المغرب إلى تقديم نموذج إيجابي للتنمية الإقليمية بعيدًا عن الجمود الذي يعيشه النظام الجزائري. هذا التقارب يعكس توجهًا عمليًا من فرنسا في تعزيز علاقتها مع المغرب كحليف رئيسي في إفريقيا، في حين يبقى النظام الجزائري عالقًا في سياساته القديمة التي لا تؤدي إلى أي تقدم.
 

أسباب صمت اليسار الفرنسي

لكن، ما الذي يفسر هذا الصمت المستمر لليسار الفرنسي تجاه النظام الجزائري؟ قد يكون الصمت ناتجًا عن رغبة في الحفاظ على علاقة خاصة مع نظام يتبنى بعض المفاهيم العالم-ثالثية التي تروق لجزء من اليسار الفرنسي. كما أن الحسابات الانتخابية والتحالفات مع أقصى اليسار قد تفرض على بعض القوى السياسية الفرنسية التزام الصمت في مواجهة تجاوزات النظام الجزائري، حتى وإن كانت هذه التجاوزات تتعارض مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
 

القمع الثقافي:  حالة بوعلام صنصال

قضية الكاتب الجزائري بوعلام صنصال تعتبر من أبرز الأمثلة على القمع الذي يمارسه النظام الجزائري ضد الأصوات الحرة. صنصال، الذي تعرض للتهديدات والاضطهاد بسبب كتاباته النقدية، هو مثال حي على الانتهاك الممنهج لحرية التعبير في الجزائر. هذا القمع الثقافي يعكس استمرارية سياسة إسكات المعارضين والمفكرين الذين لا يتماشون مع الخطاب الرسمي.
 

دور المغرب في منطقة الساحل: استراتيجية مستدامة

تُمثل منطقة الساحل نقطة تحول في السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا، حيث تواجه فرنسا تحديات كبيرة بعد انسحاب قواتها من المنطقة. في المقابل، يواصل المغرب دوره القيادي في المنطقة من خلال استثمارات استراتيجية تهدف إلى استقرار المنطقة. يشمل ذلك مشاريع تنموية لتحسين البنية التحتية وتعزيز الاستقرار السياسي، وهو ما يساهم في تجنب تفشي الأزمات والهجرة الجماعية نحو أوروبا.
 

دروس لفرنسا واليسار: العودة إلى القيم الأساسية

إذا كانت فرنسا ترغب في الحفاظ على نفوذها في إفريقيا، فإن عليها أن تستفيد من أخطاء الماضي وأن تتجنب الانحياز إلى الأنظمة القمعية، مثل النظام الجزائري. لا بد من تطوير استراتيجية شاملة لمنطقة الساحل تشمل التعاون مع شركاء مثل المغرب، وتعزيز قيم العدالة والحرية التي طالما كانت جزءًا من هوية اليسار الفرنسي. يعود اليسار الفرنسي اليوم إلى ضرورة التمسك بهذه القيم وقطع أي علاقة بالتسامح مع الأنظمة الاستبدادية.

إن صمت اليسار الفرنسي تجاه تجاوزات النظام الجزائري لا يعد مجرد مسألة سياسية بين دولتين، بل هو مؤشر على مشكلات أعمق تتعلق بالمواقف الأخلاقية والمسؤولية السياسية. في عالم يشهد تغييرات متسارعة، يجب على اليسار الفرنسي أن يعود إلى المبادئ التي لطالما دافع عنها: العدالة، حرية التعبير، وحقوق الإنسان


النظام الجزائري، ريع الذكريات، التاريخ الاستعماري، الأزمات الداخلية


Aicha Bouskine
عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام والاتصال، باحثة في العلوم السياسية وصانعة محتوى في إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 23 ديسمبر 2024

              















تحميل مجلة لويكاند

Iframe Responsive Isolée





Buy cheap website traffic