اقتصاديات

العولمة وازدواجية التحديات: هل يستطيع المغرب تحقيق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي والدولة الاجتماعية؟




العولمة ليست مجرد مصطلح اقتصادي، بل هي تحول عميق يعيد تشكيل ملامح المجتمعات والاقتصادات على مستوى العالم. وإذا كانت توصف أحياناً بأنها محرك للنمو والتقدم، فإنها تحمل في طياتها تناقضات تهدد ركائز الأنظمة الاجتماعية، خصوصاً في الدول النامية والصاعدة. المغرب، كنموذج طموح، يجد نفسه اليوم في مواجهة هذا التحدي المزدوج: توسيع انفتاحه الاقتصادي مع بناء دولة اجتماعية قائمة على مبادئ الإنصاف والحماية الاجتماعية.

تبنت المملكة المغربية سياسة انفتاح اقتصادي واسعة النطاق، مع توقيع أكثر من 50 اتفاقية للتبادل الحر، مما مكنها من جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز تنافسيتها في مجالات حيوية كصناعة السيارات والطيران والزراعة. هذا الانفتاح ساهم في تنويع الشركاء التجاريين وزيادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

ومع ذلك، فإن لهذه السياسات تكلفة باهظة. الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، غالباً ما تجد نفسها عاجزة عن مواجهة المنافسة الدولية. إلى جانب ذلك، تفرض العولمة ضغوطاً على النظام الضريبي للدولة، حيث تضطر الحكومات لتقديم حوافز ضريبية لجذب المستثمرين، مما يقلص الإيرادات اللازمة لتمويل البرامج الاجتماعية.

منذ عام 2021، أطلق المغرب سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية الطموحة، منها تعميم التغطية الصحية الإجبارية (AMO)، وإصلاح أنظمة التقاعد، وتحسين البنية التحتية في قطاعات التعليم والصحة. هذه المبادرات تمثل خطوة جريئة نحو بناء نموذج اجتماعي شامل يهدف إلى تقليص الفجوات الطبقية وضمان كرامة المواطنين.

لكن تنفيذ هذه السياسات يتطلب موارد مالية ضخمة وإدارة حكيمة. في ظل الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العولمة، يصبح تمويل هذه الإصلاحات تحدياً هائلاً. كيف يمكن للمغرب تمويل دولة اجتماعية قوية دون المساس بجاذبيته للاستثمارات الأجنبية؟

التوفيق بين العولمة وبناء الدولة الاجتماعية يتطلب نهجاً متعدد الأبعاد:
 
  1. مراجعة الاتفاقيات التجارية: على المغرب أن يعيد النظر في بعض اتفاقيات التبادل الحر لضمان حماية القطاعات المحلية الاستراتيجية، مع الحفاظ على جاذبيته كشريك تجاري.
  2. إصلاح ضريبي متوازن: تعزيز نظام ضريبي تصاعدي يعيد توزيع الثروة بشكل عادل لتمويل البرامج الاجتماعية دون الإضرار بتنافسية الاقتصاد.
  3. ابتكار في تمويل السياسات الاجتماعية: يمكن اللجوء إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو اعتماد آليات تمويل مبتكرة لتخفيف الضغط على المالية العامة.

يمثل المغرب نموذجاً فريداً في سعيه لتحقيق توازن بين متطلبات العولمة وطموحات بناء دولة اجتماعية. النجاح في هذا المسعى يعتمد على قدرة المملكة على اتخاذ قرارات سياسية جريئة ومتناسقة، تحمي مكتسباتها الاجتماعية وتعزز مكانتها الاقتصادية. إن تجربة المغرب، إذا نجحت، قد تصبح مرجعاً للدول الناشئة التي تسعى لتحقيق هذه المعادلة الصعبة.




الاحد 22 ديسمبر 2024

              















تحميل مجلة لويكاند

Iframe Responsive Isolée





Buy cheap website traffic