كتاب الرأي

البكاء السياسي كتقنية للتلاعب بالعواطف الجماهيرية: قراءة في سلوك بعض المنتخبين


في مشهد يتكرر في عدد من المناسبات الحزبية بالمغرب، يلاحظ المتتبعون لخطابات بعض الأمناء العامين للأحزاب السياسية لجوءهم إلى البكاء أثناء التظاهرات أو المهرجانات الجماهيرية. وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يبدو، للوهلة الأولى، تعبيرا تلقائيا عن انفعال صادق نابع من الإحساس بالمسؤولية تجاه القضايا الوطنية أو آلام الشعب، فإن تحليله من منظور علم النفس الاجتماعي يكشف أبعادا أعمق وأكثر تعقيدا، قد تضع هذا البكاء ضمن دائرة التلاعب العاطفي الممنهج بمشاعر المواطنين.



بقلم: فؤاد يعقوبي أخصائي نفسي اجتماعي

السياسي المحترف، بحكم تجربته الطويلة في التعامل مع الجماهير والفضاء العام، يمتلك قدرة عالية على إدارة انفعالاته وضبط سلوكياته أمام الناس. ليس من السهل أن تنفلت المشاعر الحقيقية دون وعي منه، خاصة في لحظات التظاهرات المنظمة حيث تكون كل كلمة وكل حركة محسوبة بدقة لخدمة أهداف محددة. انطلاقا من نظرية إدارة الانطباعات كما صاغها إرفينغ غوفمان، يمكن فهم البكاء السياسي كأداء تمثيلي يدخل ضمن استراتيجية تقديم الذات بشكل متعمد، لإحداث تأثير محدد في وجدان الجماهير. فالزعيم الذي يظهر باكيا أمام مناصريه لا ينقل فقط حالة وجدانية، بل يقدم نفسه في صورة القائد المتألم، الحامل لآلام الناس، ما يعزز رمزيته في المخيال الجمعي ويوسع قاعدة تعاطفهم معه.

البكاء في السياقات السياسية لا يحدث في فراغ. إنما يعتمد على فهم عميق للآليات النفسية التي تحكم استجابات الجماهير، والتي تظهر أن العاطفة كثيرا ما تتغلب على التفكير النقدي. يشير علم النفس الاجتماعي إلى أن الجماهير تميل إلى تقييم الأحداث والشخصيات بناء على الاستجابات العاطفية السريعة، وليس بناء على تحليل منطقي دقيق للوقائع. لذلك، فإن مشهد الدموع يمكن أن يحيّد التفكير العقلاني لدى المواطن، ويستبدل الحكم الموضوعي بانفعال تعاطفي قد يدفعه إلى دعم الزعيم بشكل غير نقدي. وهذا ما يجعل الأداء العاطفي المدروس أداة فعالة لتوجيه الجماعات وكسب ولائها.

من جانب آخر، يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال مفاهيم "العمل العاطفي" كما أوضحتها أرلي هوشيلد، حيث يُطلب من بعض الفاعلين الاجتماعيين، ومنهم السياسيون، التعبير عن مشاعر معينة أو حتى افتعالها خدمة لمتطلبات أدوارهم العامة. بكاء المنتخبين أمام الملأ  يمكن أن يدخل في هذا الإطار بوصفه شكلا من أشكال العمل العاطفي الذي يستجيب لحاجة الجماهير لرؤية قائد المستقبل حساس ومتعاطف، بغض النظر عن صدقية تلك المشاعر. وهنا يصبح البكاء مجرد أداء رمزي، هدفه إنتاج صورة مثالية للزعيم المستحق للثقة والولاء.

غير أن خطورة هذا النمط من السلوك السياسي لا تكمن فقط في توجيه الانفعالات الجماهيرية بشكل مؤقت، بل في المدى الطويل، إذ يرسخ ثقافة سياسية تقوم على الاستجابة العاطفية بدل الاستناد إلى النقاش العقلاني القائم على البرامج والأفكار. حينما تصبح السياسة ميدانا للمشاعر بدل المشاريع، تتراجع قدرة المواطنين على ممارسة رقابة نقدية واعية على القادة، مما يفتح الباب أمام مزيد من الاستغلال السياسي للعواطف العامة.

ختاما، فإن تحليل بكاء بعض القادة  للأحزاب السياسية في المغرب يجب أن يتجاوز القراءة السطحية التي تراه فقط كتعبير إنساني بريء، ليكشف عن ديناميات أعمق تتعلق بإدارة المشاعر الجماعية وتوجيه الانفعالات خدمة لمصالح سياسية محددة. ومن هذا المنظور، يصبح من الضروري تنمية الوعي النقدي لدى المواطنين حتى لا يكونوا أسرى للخطابات العاطفية، ويظلوا قادرين على تقييم الفعل السياسي بمعايير عقلانية ومسؤولة.

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 28 أبريل 2025

              

Bannière Réseaux Sociaux

Bannière Lodj DJ















تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic