كتاب الرأي

هل تعود الترامبية ؟


لم يتصافح الرجلان، وهذه سابقة غريبة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. أما ثاني شيء، ستنفرد به هذه المناظرة الغريبة الأطوار التي جرت بين ترامب وبايدن، فهو ترسيخها لحالة الاستقطاب الحادة التي يعرفها الأمريكييون مؤكدة ما هو معلوم من الجميع من أن أمريكا تعاني نفس الحالة الانقسامية الأوروبية .



بقلم: الدكتور خالد فتحي

لقد تنابزا بشكل مقرف ، وقذف كل منهما الآخر واستهزأ به ، بل واتهما بعضهما البعض بالكذب  حتى أنهما اختلفا بشكل فاقع  في كل القضايا : الهجرة،الإجهاض، الضرائب ،الرعاية الصحية،المناخ ،صورة واشنطن في المحفل الدولي ، والأقليات ..الخ  .لم يتفقا سوى في شيء  واحد ،كونهما  معا معمرين طاعنين في السن ، هذا على الرغم أن ترامب كان يبدو أوفر صحة  ،فهو حسب شهادات الميلاد أصغر من بايدن بثلاث سنوات كاملة !. 

لأول مرة في تاريخ أمريكا سيكون على الناخبين أن يختاروا بين رئيسين خبروهما معا ،مما يعطي الانطباع كما لو أن انتخابات 2024 هي فقط مباراة إياب بين غريمين لدودين، حتى لانقول إنها علامة على العقم  السياسي الذي ضرب بلاد العم سام .

تتبعت المناظرة مترجمة للعربية وللفرنسية،فعاينت  ترامب يستثمر في "خرف" الرئيس بايدن و"عجزه" و في  علامات  الحيرة والذهول وعدم التركيز التي  ترتسم على محياه  ، والتي  يجيد ترامب رصدها ونكئها أكثر من غيره، ليرد عليه ب "خبث طوية" ولمز  و"نرجسية".لعب ترامب على الصورة التلفزيونية ، أتى اعزلا دون ميلانيا  ،وترك زوجة بايدن تستقبله في نهاية المناظرة ،حتى تتم المقارنة ،و يظهره في إعلامه كطفل يحتاج لمن يمسك بيده .ثم هو لايكتفي بإشهار عيوب خصمه، ،وانما يتقدم أيضا  إلى الشعب الأمريكي ب"مظلوميته"، إذ لازال يعتبر أو على الأقل يومئ إلى أن الانتخابات الماضية كانت مزورة،ويطلب الإنصاف. وهذه هي الحيلة التي  غالبا ماتنطلي على الناخبين .

يعتبر ترامب الديمقراطيين فاسدين ،و يرى أنهم يستهدفون القيم المحافظة .ولايرى حرجا  في أن يتطرف في الهجوم عليهم لدرجة أن ينقل  عن حاكم جورجيا الديمقراطي قوله  : نضع  الرضيع جانبا، ثم نقرر بعد ذلك أنحييه ام نقتله .

 ضعف بايدن هو ماجعل ترامب يبدو جيدا .كانت مناظرة دراماتيكية .الرئيس الحالي لم يكن له مايقدمه أو ما يعد به الأمريكيين: ليس له مشجب كورونا  يتمسح به كترامب ،حتى حرب اوكرانيا لاينسى له العالم أنه هو من استفز القيصر الروسي . لذلك ركز على  تخويف الأمريكيين معتبرا ان انتخابه سيمنع عنهم "قراقوشيات" الرئيس ترامب .قال ما معناه إن نجاح ترامب هو الفوضى عينها و التشكيك مرة أخرى  في المؤسسات الفيدرالية، وبالتالي تهديد وحدة المجتمع وتقويض الديمقراطية الأمريكية.كما أنه لاينسى رغم كل حوادث النسيان التي اشتهر بها أن يستعمل سلاحا فعالا جربه في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة  ،أن يغازل الأقليات من سود ومثليين وحساسيات نسوية ومهاجرين . باختصار غيب الاثنان  الحلول وأحضرا  الكراهية والحقد. 

 تلك كانت  الصورة  ،والتي أظهرت  ماعكسته قبلها  استطلاعات الرأي بالولايات المتارجحة من أن ترامب متقدم قليلا ، وأن الآلة الترامبية لازالت شغالة ، ،فترامب في طريقه نحو انتخابات  البيت الأبيض  قد تدرب بمايكفي بعد أن جرف كل منافسيه في الحزب ،جون ماكين ،جون بولتون،مايك بينس ،وكل من سولت له نفسه من داخل بيته الجمهوري  أن يقف حائلا  بينه وبين هدفه .

لايبدو سعد ترامب أمريكيا فقط بعد أن  أسعفه  الديمقراطيون بهذا المرشح الشيخ   ،بل هناك سياقات أخرى خارجية تدل على أن الرياح كلها تهب لصالح أشرعة ترامب . المزاج الغربي صار كله يمينيا متطرفا ،هذا ما عكسته الانتخابات الأوربية التي " انتصرت للشعبوية " وللاتجاه المناهض لأوروبا، وهو مايلتقي مع الازدراء الذي ينظر به أيضا ترامب للاتحاد الأوروبي. 

 ان كل مايجري أمام أعيننا  سيؤدي إلى انتخاب ترامب:  ،العالم مل الحرب الروسية الأوكرانية ،والأوربيون يريدون اليوم قبل الغد  التنصل من تمويلها ، كما أن بوتين  لايرى حلا ممكنا في ظل إدارة بايدن .

وفوق كل هذا ،ترامب وحده  من يمكنه أن يسعي إلى إيجاد مخرج  مشرف للغرب للحرب مع صديقه بوتين  الذي  يرحب في قرارة نفسه وعلنا  مثله مثل اليمين الأوروبي بهذه العودة. 

كثيرون  هم القادة الأوربيون الذين ينتظرون ترامب على أحر من الجمر لإنهاء هذا المشكل الاوكراني  الممض الذي لم يجنوا منه سوى التضخم والغلاء والاحتجاجات  العارمة ،يتمسكون بهذا الأمل رغم أنهم يتخوفون من الحمائية الجمركية التي سيشهرها في وجه اقتصادياتهم ،ومن الأعباء التي سيفرضها عليهم لتمويل الناتو .

هناك إذن  هذا القلق الأوربي من ترامب  الذي يتساوى فيه اليمين واليسار بأوروبا، وتتساوى فيه أوروبا والصين التي لازالت تتذكر مماحكاته .ولكن مع ذلك يقولون في أنفسهم  إن عهد ترامب لم يكن عهد حروب عسكرية، بل عهد تدافع اقتصادي يبلغ أحيانا درجة الحرب الاقتصادية .وهذا من الممكن أن يتأقلم معه العالم بعدما جرب أن عهد الديمقراطيين لم يكن رخاء وانما  حروبا مدمرة وغلاء وندرة غذائية وطاقية .

 واخيرا ،الأوربيون صوتوا  على اليمين المتطرف الذي يرجح كفة  الأوطان على أوروبا ،والصينيون كما نراهم  يضعون  مصلحة الصين قبل كل شيء ،فمالذي سيمنع الناخب الأمريكي من أن ينصب حاكما للبيت الأبيض يقول بالفم " المليان "  : أمريكا أولا؟ .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 2 يوليوز 2024

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic