بقلم: عادل بن حمزة
قضية رواية “الملعون” تذكرنا بقضة مماثلة تتعلق برواية “جزيرة الذكور” ففي 2 غشت 2016 كانت المحكمة الابتدائية بورززات قد قضت بحكم شكل سابقة في تاريخ القضاء المغربي، يقضي بالسجن موقوف التنفيذ على الروائي الراحل عزيز بنحدوش لمدة شهرين مع غرامة مالية تبلغ 1000 درهم وتعويض للجهة المشتكية يبلغ 20 ألف درهم .
تهمة عزيز بنحدوش كانت تتمثل في كتابة رواية تحمل عنوان “جزيرة الذكور” ، ولأنها رواية فقد تضمنت أحداث وأماكن وأشخاص، وشكلت بعض الوقائع والأحداث من منطقة “تازناخت” مادتها الخام صاغها الروائي في قالب أدبي حاول من خلاله مقاربة ظاهرة لفتت نظره تتعلق ب “الأطفال الأشباح”. بالطبع الأمر لا يتعلق بفيلم رعب ، ولكن بظاهرة يقول الراحل بنحدوش إنها كانت سائدة بين أبناء المنطقة من المهاجرين في الخارج ، حيث يتم إضافة أبناء الغير إلى دفتر الحالة المدنية للمهاجر ، وذلك ليرفع من قيمة التعويضات العائلية التي كان يحصل عليها في بلاد الإقامة.. وبالطبع هذه العملية لم تكن لتتم لولا سيادة الرشوة والفساد والتلاعب في سجلات الحالة المدنية .
شخصان من سكان المنطقة اعتبرا نفسيهما مقصودان بشكل مباشر بنص الرواية والوقائع التي تتضمنها ، واعتبرا عبر دفاعهما، أن ما جاء في الرواية يعد قذفا وسبا في حقهما، وطالبا من محكمة ورززات متابعة كاتب الرواية بناء على ذلك وفق ما كان يتضمنه قانون الصحافة المغربي في تلك الفترة .
المصيبة هي أن المحكمة عوض أن ترفض قبول الدعوة لأن أساسها كله باطل، ولأن “جزيرة الذكور” نص روائي وليس مقالا في جريدة أو موقع إلكتروني ، ولأن عزيز بنحدوش روائي وليس صحافي ، ولأن كل ما يتعلق بمحاسبة الروائي وتقييم عمله يعود للنقاد والقراء وحدهم وأن القضاة لا موقع لهم في هكذا قضايا أو سجالات . فإن المحكمة ، وعلى عكس كل ما ذكر ، قبلت الدعوة وأخضعت عملا روائيا تخييليا ، لقانون الصحافة. بل لم تكتف بكل ذلك ، فاختارت أسوء الأحكام ، والقاضية بسجن الكاتب، ذنبه الوحيد أنه “اقترف” الكتابة ليس فقط في “جزيرة الذكور” كفضاء متخيل ، بل في ظل وجود محاكم للتفتيش تعود بنا إلى عصور الظلمات والجهل .
عندما قررت الكنيسة محاكمة جاليليو الفيزيائي الشهير سنة 1611م ، لأنه تجرأ في إثبات أن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس ، قال جاليليو “ياليتني أحرقت كل ما كتبت بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا” . لم يكتف جاليليو بذلك وهو رجل عجوز فاق السبعين عاما ، وما عاد قادرا على تحمل الإذلال والعقاب من زعماء دين جاهلين ومتعصبين ، بل أعلن “توبته” عن كل ما وصل إليه بحثه على مر السنين ، فقال في لحظة يأس العلم أمام الخرافة والجهل : “أنا المدعو جاليليو جاليلي أقسم إنني آمنت بكل معتقدات الكنيسة الكاثوليكية الرسولية بروما...وسأؤمن مستقبلا بكل تعاليمها وما تبشر به وأعلن ندمي عن كل الأفكار والهرطقات التي أدليت بها مسبقا... وعن كل ما اقترفته في حق الكنيسة... وأقسم ألا أعود إلى مثل هذه الأفعال مرة أخرى... وأن أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة ضد أي شخص يقترف فعل الهرطقة أو المساس بمعتقدات الكنيسة فور علمي بذلك” . هكذا أنهى جاليليو الموضوع بكل بساطة .
عزيز بنحدوش لم تهزمه المحاكمة ولم يقرر “التوبة” بل أعلن أنه يستعد لإصدار عمل روائي جديد، لكن الموت كان أقرب له .
فهل بعد قضيتي “جزيرة الذكور” و”الملعون” سنسمع عن تحقيق مركزي من وزارة العدل المغربية يوقف هذا النزيف وهذه الأحكام التي تثير السخرية وتضحك علينا العالم؟
المصدر : جريدة العلم الورقية ( العلم الأسبوعي من 26 ماي إلى 1 يونيو)