عبد العزيز عدنان مدير الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس)
وتشير دراسة داخلية أجراها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس)، إلى وجود فوارق شاسعة في الأسعار بين السوق المغربي ونظيره الفرنسي فيما يخص 33 دواء، بعضها كثير الاستعمال.
وكشفت المقارنة بين السوقين أن ظاهرة غلاء الأدوية ما زالت تتوسع حسب ما جاء في الدراسة، ما يفضي، بالنسبة إلى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس)، والمنتسبين إليه وكذا دافعي الضرائب، إلى دفع تعويضات ثقيلة جدا. فالفرق في السعر قد يفوق 250في المائة.
ويقول عبد العزيز عدنان، المدير العام لـكنوبس إن كل المقارنات التي أجراها الصندوق تؤكد الغلاء المفرط للأدوية في المغرب، الأمر الذي يوحي بـجنة للأسعار الباهظة تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات وهذا يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة.
وفي 2019، قدرت الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس). الخسائر التي لحقتها بسبب الفرق في الأسعار بين المغرب وفرنسا، فيما يخص الأدوية التي شملتها الدراسة، بـ89 مليون درهم. وهذا فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد. إذ يوجد في المغرب آلاف الأدوية، وإذا ما أخذنا في الاعتبار كل الأدوية التي يتم تعويضها، فإن الخسائر تقدر بمئات الملايين من الدراهم بالنسبة إلى هذا الصندوق. أما فيما يخص كل المغاربة، فهذه الخسائر تبلغ ملايير الدراهم(…)
وليس الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس) المؤسسة الوحيدة التي تستهجن التضخم المسارع لأسعار الأدوية. فقد سبق لمجلس المنافسة أن أصدر رأيا ف يميل إلى نفس الخلاصات. فمازال الدواء غاليا جدا بالنسبة إلى ساكنة تظل قدرتها الشرائية متواضعة، كما أنها لا تتمتع كلها بالتغطية الطبية الشاملة: 62 في المائة من المغاربة بإمكانهم استرداد حوالي 70في المائة فقط مما أنفقته على الأدوية. بل إن الشريحة التي لا تتوفر على أي تغطية صحية ليس أمامها سوى أداء الفاتورة كاملة.
والواقع أن غلاء الأدوية ليس بالأمر الجديد. ويوضح مجلس المنافسة أن بنية الأسعار في هذا القطاع معقدة، بل وعشوائية، بسبب السياسة العمومية للأدوية التي تتسم بالخلل، وفيها الكثير من المتدخلين: الوزارة الوصية، الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، الصناع/ المستوردون، الباعة بالجملة والموزعون، والصيدليات. فهوامش الربح المتراكمة على هذه السلسلة من الفاعلين، تفضي إلى سعر غير معقول لما يصل الدواء إلى المستهلك..
والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة: ما الذي يمنع هذه الأسعار من الانخفاض؟ من له المصلحة في استمرار وضع ينتج عنه عدة خاسرين: الدولة، المنظمات التغطية الصحية، وبالخصوص عموم المغاربة(.
اكتشاف الخلل في 2009، عكفت لجنة بعثة برلمانية فحص قطاع الأدوية وأعدت تقريرا سيكون بمثابة قنبلة في تلك الحقبة. فلأول مرة تفحص الهيئة التشريعية عن قرب قطاع صناعة الأدوية الذي كان يحظى بالكثير من الإطراء لقدرته على ضمان السيادة الدوائية للمغرب.
ولكن خلاصات هذه البعثة البرلمانية لم ترق كثيرا للمهنيين: هيمنة الأدوية الأصيلة على الجنيسة، هوامش ربح مبالغ فيها، شبكة توزيع غير فعالة، السياسة المتبعة في منح تراخيص التسويق لا تخضع لمنطق، طلبات العروض يعوزها المنطق… باختصار، سلسلة من الاختلالات تفضي في النهاية إلى دواء غالي الثمن وليس في متناول المستهلك. وخلصت تلك البعثة البرلمانية إلى أن اعتماد المزيد من الكفاءة والفعالية ستؤديان إلى خفض أسعار الأدوية المتداولة بـ30 إلى 50في المائة، والأدوية الباهظة الثمن بـ50 إلى 80في المائة ! وهذا يمثل اقتصادا في المصاريف يتراوح بين 3 إلى 5 ملايير درهم بالنسبة إلى المرضى، في سوق دواء تقدر قيمته بـ12 مليار درهم.
طبعا، كانت هذه الخلاصات تمثل زلزالا حقيقيا بالنسبة إلى أرباب صناعة الأدوية. وردت الجمعية المغربية لصناعة الأدوية بالحديث عن بعض الاختلالات الشكلية في تقرير البعثة البرلمانية، مشيدة بمتانة صناعة الأدوية المغربية.
مقارنات خاطئة
وفي 2014، أي خمس سنوات بعد ذلك التقرير البرلماني، أنشأت وزارة الصحة، التي كان على رأسها في تلك الفترة الحسين الوردي، من حزب التقدم والاشتراكية، نظاما جديدا لتحديد أثمنة الأدوية المصنعة بالمغرب أو المستوردة. والجديد في مرسوم الوزارة هو إحداث نظام للمقارنة مع التجارب الأجنبية لكل دواء أصلي جديد. هكذا صار ثمن الدواء يحدد بناء على مقارنة بالسعر المعمول به في 7 بلدان مرجعية مثل العربية السعودية، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، تركيا، البرتغال، والبلد الأصلي للدواء إن لم يكن وحدا من هذه البلدان. ويتم اعتماد السعر الأدنى، مما أدى إلى مراجعة أثمنة عدد من الادوية بعد دخول مرسوم أبريل 2014 حيز التنفيذ ناهزت 1591 دواء من أصل 7394، ضمنها 4820 دواء قابلا للتعويض من طرف منظمات التأمين الصحي.
ورغم النظام الجديد لتحديدها، ظلت الأسعار مرتفعة لكون سلة البلدان المختارة لإجراء المقارنة تتمتع فيها الأسر بدخل أعلى بكثير من متوسط دخل الأسر المغربية. ويقول مجلس المنافسة بهذا الصدد إن اختيار هذه البلدان كقاعدة لتحديد أثمنة الأدوية أثرت كثيرا على مستوى الأسعار المطبقة. المطلوب هو اعتماد بلدان مستواها الاقتصادي والاجتماعي قريب من مستوى المغرب.
لهذا، فإن تخفيض أسعار الـ1591 دواء بنسبة 21في المائة، لم يكن له أي أثر على مستوى استهلاك المغاربة، كما أن التخفيض لم يشمل سوى 21.5في المائة من الأدوية التي تروج في السوق المغربية، ومس بالأساس الأدوية التي تنتمي إلى الصنفين 1و2 الأقل غلاء، ولم تسهم في خلق التوازن في حسابات منظمات الاحتياطي الاجتماعي.
فلا ينكر الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس) تحقيق بعض الاقتصاد بفضل ذلك التخفيض، ولكن ما تم كسبه يذوب بسبب غلاء الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض الخطيرة مثل أدوية السرطان مثلا. هكذا فقد هذا الصندوق، منذ 2014، حوالي 73 مليون درهم سنويا، أي أكثر من 400 مليون درهم في ست سنوات. ويقول متخصص في الأنظمة الصحية: أن هذه الخسائر ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد.. إذ يجب أن نضيف إليها خسائر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وشركات التأمين الخاصة ومختلف التعاضديات، وهذا كله ممول في نهاية المطاف من طرف المنخرطين ودافعي الضرائب، كما يجب أن نضيف إليها خسائر الـ38في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على أي تغطية ويضطرون إلى بيع بيوتهم وأثاثهم لتوفير العلاج في حال إصابتهم بأمراض طويلة الأمد”(…)
قدرات تفاوضية ضعيفة
الانتقاد الآخر الموجهة للطريقة المتبعة في تحديد أسعار الدواء تتمثل في الاعتماد على معطيات خاطئة. فلتحديد هذا السعر، يجب على لجنة وزارية مختلطة مراجعة المعطيات التي تتوفر عليها مؤسسة “IMS Health”، وهي هيئة دولية مرجعية متخصصة في الإحصاءات الطبية، قبل تحديد السعر المرجعي.
وفي هذا الباب فإن الحكومة اعتمدت مرة واحدة على تقرير ‘IMS Health”، ثم تخلت عن اللجوء إلى هذه الهيئة المرجعية بسبب كلفة الاشتراك فيها التي تبلغ مليون درهم في السنة. فهل يجب أن نفهم من هذا أن وزارة الصحة تتسبب في خسارة المغاربة لمئات الملايين من الدراهم من أجل اقتصاد مليون درهم.. هذا غير مقبول !”
بعد التخلي عن IMS Health” اعتمدت الوزارة في مقارنة الأسعار على ما تتضمن تقارير المختبرات الصيدلية المحلية والدولية، والتي تكون خاطئة في الغالب. ذلك أن السعر المعلن رسميا لا يتطابق دائما مع السعر الحقيقي لأن المختبرات تتفاوض مع الدول حتى يكون الثمن المعلن دوليا أعلى من السعر الحقيقي، والهدف هو الحفاظ على هوامش ربح مهمة مع البلدان التي لا تتفاوض كثيرا.
الدواء الأصلي والدواء الجنيس
من أسباب ارتفاع أسعار الأدوية كذلك، المكانة الهامشية جدا التي مازال يعاني منها الدواء الجنيس. وهنا أيضا كان مجلس المنافسة واضحا، فدراسته تؤكد أن غياب سياسة عمومية حقيقية للدواء الجنيس تعمق هذا التهميش.
للدواء الجنيس عدة مزايا بفضل سعره الأدنى. فهو يتيح لمنظمات التغطية الصحية، مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) وشركات التأمين الخاصة، تقليص حجم المبالغ التي تدفعها كتعويضات، ويقلص كذلك من التكلفة التي يتحملها المؤمن، كما يخفف من الثقل المادي الذي ينهك الـ38في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على أي تغطية صحية.
ورغم أن حصة الدواء الجنيس انتقلت من 28.5في المائة إلى 40في المائة من مجموع الأدوية المستهلكة ما بين 2009 و2018. فإن الهيمنة مازالت للدواء الأصلي الذي يظل باهظ الثمن.
فبنسبة ـ40في المائة فقط من الأدوية الجنسية المستهلكة، مازال المغرب متخلفا في هذا المجال مقارنة بالمعدل الدولي (58في المائة). وعلى سبيل المقارنة فالدواء الجنيس يشكل 86في المائة من الاستهلاك السنوي للأمريكان من الأدوية، مع العلم أن القدرة الشرائية لهؤلاء أعلى بكثير من قدرة المغاربة.
وتعاني السياسة الخاصة بالدواء الجنيس في المغرب من عدة أمراض: العدد الكبير من الأدوية المرجعية، ضعف حجم الإنتاج الذي لا يسمح بتحقيق اقتصاد كبير، السعر المرتفع للعديد من الأدوية الجنيسة… والقائمة مازالت طويلة.
هل هناك حل؟
لا وجود لوصفة سحرية لعلاج الأسعار الباهظة للدواء، ويكمن هنا سرد بعض الخطوات التي من شأنها المساهمة في تخفيض تلك الأثمنة: يجب إعادة النظر في نظام المقارنات الحالي واعتماد قائمة من البلدان الشبيهة بالمغرب من حيث مستوى العيش..و تشجيع الدواء الجنيس. وفرض حق تعويض الدواء الأصلي بالدواء الجنيس و محاربة تضارب المصالح بين مختبرات الأدوية والأطباء وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة التي تصل7في المائة المفروضة على بعض الأدوية.. وإلغاء هامش الربح الإضافي (10في المائة) الذي تخصصه الوزارة للأدوية المستوردة.
ولكن هل توجد الإرادة السياسية لفرض هذه الوصفة التي تبدو واضحة وبسيطة؟ هل يمكن لهذه الإرادة التحرر من اللوبيات وتقديم صحة المواطن وأنظمة الحماية الاجتماعية على كل الاعتبارات الأخرى؟
هذا ما ينتظر أن تسفر عنه المفوضات في هذا الشأن بعد أن نبه الجلس الأعلى للحسابات لهذا الخلل.
وكشفت المقارنة بين السوقين أن ظاهرة غلاء الأدوية ما زالت تتوسع حسب ما جاء في الدراسة، ما يفضي، بالنسبة إلى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس)، والمنتسبين إليه وكذا دافعي الضرائب، إلى دفع تعويضات ثقيلة جدا. فالفرق في السعر قد يفوق 250في المائة.
ويقول عبد العزيز عدنان، المدير العام لـكنوبس إن كل المقارنات التي أجراها الصندوق تؤكد الغلاء المفرط للأدوية في المغرب، الأمر الذي يوحي بـجنة للأسعار الباهظة تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات وهذا يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة.
وفي 2019، قدرت الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس). الخسائر التي لحقتها بسبب الفرق في الأسعار بين المغرب وفرنسا، فيما يخص الأدوية التي شملتها الدراسة، بـ89 مليون درهم. وهذا فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد. إذ يوجد في المغرب آلاف الأدوية، وإذا ما أخذنا في الاعتبار كل الأدوية التي يتم تعويضها، فإن الخسائر تقدر بمئات الملايين من الدراهم بالنسبة إلى هذا الصندوق. أما فيما يخص كل المغاربة، فهذه الخسائر تبلغ ملايير الدراهم(…)
وليس الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس) المؤسسة الوحيدة التي تستهجن التضخم المسارع لأسعار الأدوية. فقد سبق لمجلس المنافسة أن أصدر رأيا ف يميل إلى نفس الخلاصات. فمازال الدواء غاليا جدا بالنسبة إلى ساكنة تظل قدرتها الشرائية متواضعة، كما أنها لا تتمتع كلها بالتغطية الطبية الشاملة: 62 في المائة من المغاربة بإمكانهم استرداد حوالي 70في المائة فقط مما أنفقته على الأدوية. بل إن الشريحة التي لا تتوفر على أي تغطية صحية ليس أمامها سوى أداء الفاتورة كاملة.
والواقع أن غلاء الأدوية ليس بالأمر الجديد. ويوضح مجلس المنافسة أن بنية الأسعار في هذا القطاع معقدة، بل وعشوائية، بسبب السياسة العمومية للأدوية التي تتسم بالخلل، وفيها الكثير من المتدخلين: الوزارة الوصية، الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، الصناع/ المستوردون، الباعة بالجملة والموزعون، والصيدليات. فهوامش الربح المتراكمة على هذه السلسلة من الفاعلين، تفضي إلى سعر غير معقول لما يصل الدواء إلى المستهلك..
والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة: ما الذي يمنع هذه الأسعار من الانخفاض؟ من له المصلحة في استمرار وضع ينتج عنه عدة خاسرين: الدولة، المنظمات التغطية الصحية، وبالخصوص عموم المغاربة(.
اكتشاف الخلل في 2009، عكفت لجنة بعثة برلمانية فحص قطاع الأدوية وأعدت تقريرا سيكون بمثابة قنبلة في تلك الحقبة. فلأول مرة تفحص الهيئة التشريعية عن قرب قطاع صناعة الأدوية الذي كان يحظى بالكثير من الإطراء لقدرته على ضمان السيادة الدوائية للمغرب.
ولكن خلاصات هذه البعثة البرلمانية لم ترق كثيرا للمهنيين: هيمنة الأدوية الأصيلة على الجنيسة، هوامش ربح مبالغ فيها، شبكة توزيع غير فعالة، السياسة المتبعة في منح تراخيص التسويق لا تخضع لمنطق، طلبات العروض يعوزها المنطق… باختصار، سلسلة من الاختلالات تفضي في النهاية إلى دواء غالي الثمن وليس في متناول المستهلك. وخلصت تلك البعثة البرلمانية إلى أن اعتماد المزيد من الكفاءة والفعالية ستؤديان إلى خفض أسعار الأدوية المتداولة بـ30 إلى 50في المائة، والأدوية الباهظة الثمن بـ50 إلى 80في المائة ! وهذا يمثل اقتصادا في المصاريف يتراوح بين 3 إلى 5 ملايير درهم بالنسبة إلى المرضى، في سوق دواء تقدر قيمته بـ12 مليار درهم.
طبعا، كانت هذه الخلاصات تمثل زلزالا حقيقيا بالنسبة إلى أرباب صناعة الأدوية. وردت الجمعية المغربية لصناعة الأدوية بالحديث عن بعض الاختلالات الشكلية في تقرير البعثة البرلمانية، مشيدة بمتانة صناعة الأدوية المغربية.
مقارنات خاطئة
وفي 2014، أي خمس سنوات بعد ذلك التقرير البرلماني، أنشأت وزارة الصحة، التي كان على رأسها في تلك الفترة الحسين الوردي، من حزب التقدم والاشتراكية، نظاما جديدا لتحديد أثمنة الأدوية المصنعة بالمغرب أو المستوردة. والجديد في مرسوم الوزارة هو إحداث نظام للمقارنة مع التجارب الأجنبية لكل دواء أصلي جديد. هكذا صار ثمن الدواء يحدد بناء على مقارنة بالسعر المعمول به في 7 بلدان مرجعية مثل العربية السعودية، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، تركيا، البرتغال، والبلد الأصلي للدواء إن لم يكن وحدا من هذه البلدان. ويتم اعتماد السعر الأدنى، مما أدى إلى مراجعة أثمنة عدد من الادوية بعد دخول مرسوم أبريل 2014 حيز التنفيذ ناهزت 1591 دواء من أصل 7394، ضمنها 4820 دواء قابلا للتعويض من طرف منظمات التأمين الصحي.
ورغم النظام الجديد لتحديدها، ظلت الأسعار مرتفعة لكون سلة البلدان المختارة لإجراء المقارنة تتمتع فيها الأسر بدخل أعلى بكثير من متوسط دخل الأسر المغربية. ويقول مجلس المنافسة بهذا الصدد إن اختيار هذه البلدان كقاعدة لتحديد أثمنة الأدوية أثرت كثيرا على مستوى الأسعار المطبقة. المطلوب هو اعتماد بلدان مستواها الاقتصادي والاجتماعي قريب من مستوى المغرب.
لهذا، فإن تخفيض أسعار الـ1591 دواء بنسبة 21في المائة، لم يكن له أي أثر على مستوى استهلاك المغاربة، كما أن التخفيض لم يشمل سوى 21.5في المائة من الأدوية التي تروج في السوق المغربية، ومس بالأساس الأدوية التي تنتمي إلى الصنفين 1و2 الأقل غلاء، ولم تسهم في خلق التوازن في حسابات منظمات الاحتياطي الاجتماعي.
فلا ينكر الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ( كنوبس) تحقيق بعض الاقتصاد بفضل ذلك التخفيض، ولكن ما تم كسبه يذوب بسبب غلاء الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض الخطيرة مثل أدوية السرطان مثلا. هكذا فقد هذا الصندوق، منذ 2014، حوالي 73 مليون درهم سنويا، أي أكثر من 400 مليون درهم في ست سنوات. ويقول متخصص في الأنظمة الصحية: أن هذه الخسائر ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد.. إذ يجب أن نضيف إليها خسائر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وشركات التأمين الخاصة ومختلف التعاضديات، وهذا كله ممول في نهاية المطاف من طرف المنخرطين ودافعي الضرائب، كما يجب أن نضيف إليها خسائر الـ38في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على أي تغطية ويضطرون إلى بيع بيوتهم وأثاثهم لتوفير العلاج في حال إصابتهم بأمراض طويلة الأمد”(…)
قدرات تفاوضية ضعيفة
الانتقاد الآخر الموجهة للطريقة المتبعة في تحديد أسعار الدواء تتمثل في الاعتماد على معطيات خاطئة. فلتحديد هذا السعر، يجب على لجنة وزارية مختلطة مراجعة المعطيات التي تتوفر عليها مؤسسة “IMS Health”، وهي هيئة دولية مرجعية متخصصة في الإحصاءات الطبية، قبل تحديد السعر المرجعي.
وفي هذا الباب فإن الحكومة اعتمدت مرة واحدة على تقرير ‘IMS Health”، ثم تخلت عن اللجوء إلى هذه الهيئة المرجعية بسبب كلفة الاشتراك فيها التي تبلغ مليون درهم في السنة. فهل يجب أن نفهم من هذا أن وزارة الصحة تتسبب في خسارة المغاربة لمئات الملايين من الدراهم من أجل اقتصاد مليون درهم.. هذا غير مقبول !”
بعد التخلي عن IMS Health” اعتمدت الوزارة في مقارنة الأسعار على ما تتضمن تقارير المختبرات الصيدلية المحلية والدولية، والتي تكون خاطئة في الغالب. ذلك أن السعر المعلن رسميا لا يتطابق دائما مع السعر الحقيقي لأن المختبرات تتفاوض مع الدول حتى يكون الثمن المعلن دوليا أعلى من السعر الحقيقي، والهدف هو الحفاظ على هوامش ربح مهمة مع البلدان التي لا تتفاوض كثيرا.
الدواء الأصلي والدواء الجنيس
من أسباب ارتفاع أسعار الأدوية كذلك، المكانة الهامشية جدا التي مازال يعاني منها الدواء الجنيس. وهنا أيضا كان مجلس المنافسة واضحا، فدراسته تؤكد أن غياب سياسة عمومية حقيقية للدواء الجنيس تعمق هذا التهميش.
للدواء الجنيس عدة مزايا بفضل سعره الأدنى. فهو يتيح لمنظمات التغطية الصحية، مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) وشركات التأمين الخاصة، تقليص حجم المبالغ التي تدفعها كتعويضات، ويقلص كذلك من التكلفة التي يتحملها المؤمن، كما يخفف من الثقل المادي الذي ينهك الـ38في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على أي تغطية صحية.
ورغم أن حصة الدواء الجنيس انتقلت من 28.5في المائة إلى 40في المائة من مجموع الأدوية المستهلكة ما بين 2009 و2018. فإن الهيمنة مازالت للدواء الأصلي الذي يظل باهظ الثمن.
فبنسبة ـ40في المائة فقط من الأدوية الجنسية المستهلكة، مازال المغرب متخلفا في هذا المجال مقارنة بالمعدل الدولي (58في المائة). وعلى سبيل المقارنة فالدواء الجنيس يشكل 86في المائة من الاستهلاك السنوي للأمريكان من الأدوية، مع العلم أن القدرة الشرائية لهؤلاء أعلى بكثير من قدرة المغاربة.
وتعاني السياسة الخاصة بالدواء الجنيس في المغرب من عدة أمراض: العدد الكبير من الأدوية المرجعية، ضعف حجم الإنتاج الذي لا يسمح بتحقيق اقتصاد كبير، السعر المرتفع للعديد من الأدوية الجنيسة… والقائمة مازالت طويلة.
هل هناك حل؟
لا وجود لوصفة سحرية لعلاج الأسعار الباهظة للدواء، ويكمن هنا سرد بعض الخطوات التي من شأنها المساهمة في تخفيض تلك الأثمنة: يجب إعادة النظر في نظام المقارنات الحالي واعتماد قائمة من البلدان الشبيهة بالمغرب من حيث مستوى العيش..و تشجيع الدواء الجنيس. وفرض حق تعويض الدواء الأصلي بالدواء الجنيس و محاربة تضارب المصالح بين مختبرات الأدوية والأطباء وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة التي تصل7في المائة المفروضة على بعض الأدوية.. وإلغاء هامش الربح الإضافي (10في المائة) الذي تخصصه الوزارة للأدوية المستوردة.
ولكن هل توجد الإرادة السياسية لفرض هذه الوصفة التي تبدو واضحة وبسيطة؟ هل يمكن لهذه الإرادة التحرر من اللوبيات وتقديم صحة المواطن وأنظمة الحماية الاجتماعية على كل الاعتبارات الأخرى؟
هذا ما ينتظر أن تسفر عنه المفوضات في هذا الشأن بعد أن نبه الجلس الأعلى للحسابات لهذا الخلل.