وبسبب هذا التوجه المحافظ، أضاع المغرب فرصاً مهمة للحاق بركب التقدم الصناعي والتكنولوجي، وهو ما أبطأ من مسيرته نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مراحل حاسمة كان فيها في أمسّ الحاجة لتسريع وتيرة الابتكار
وبالعودة إلى التاريخ، كان للتصنيع دور محوري في تحقيق نهضة كبرى في الدول المتقدمة، ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بادرت هذه الدول إلى بناء أسس صناعية متينة أسهمت في تعزيز نموها الاقتصادي، ووفرت فرص عمل واسعة، وزادت من قدراتها التصديرية.
ورغم أن المغرب حاول تطوير قطاعه الصناعي، إلا أن غياب رؤية موحدة وسرعة في اتخاذ القرار جعلا هذا القطاع بعيداً عن إحداث نقلة نوعية، ويعكس مفهوم "سيروا بسرعة ضعفاءكم" هنا ميلاً لتبني قرارات محدودة التأثير على حساب خطوات جريئة كانت لتشكل تحولاً كبيراً في المشهد الاقتصادي الوطني.
ومع بزوغ الثورة المعلوماتية في أواخر القرن العشرين، أصبحت الرقمنة والتكنولوجيا عاملين حاسمين في العديد من المجالات، مما جعل العديد من الدول المتقدمة تعتمد استراتيجيات واضحة للانتقال نحو اقتصاد رقمي متكامل، مستفيدةً من التحولات التقنية الجديدة لدفع اقتصاداتها نحو مزيد من الابتكار.
أما في المغرب، وبسبب تردده وتوجهه نحو سياسات متباطئة، فقد أخفق في استغلال هذه الفرص بفعالية، ما جعله يعتمد بشكل أكبر على القطاعات التقليدية، وبالتالي ضاعت عليه فرص حقيقية للنمو في مجالات التكنولوجيا والمعلومات.
اليوم، يشهد العالم طفرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والذي يعد المحرك الأساسي للثورة الصناعية الرابعة، ويُعتبر الذكاء الاصطناعي دافعاً قوياً للابتكار وتطوير قطاعات رئيسية مثل الصحة والتعليم والنقل والصناعة، وقد سارعت الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى وضع استراتيجيات شاملة للاستثمار في هذا المجال، نظراً لإدراكها لأهميته في المستقبل، لكن المغرب، مرة أخرى، يجد نفسه محكوماً بنفس التردد، حيث لم يجرؤ بعد على اتخاذ خطوات جريئة كافية للاستثمار في هذه التكنولوجيا المتقدمة.
كلها عوامل أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، فالافتقار إلى رؤية استباقية في مجال الذكاء الاصطناعي يحمل معه تبعاتٍ خطيرة جدا، إن عدم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير البنية التحتية التكنولوجية القوية سيحرم المغرب من فرص تطوير قطاعات جديدة وإتاحة فرص عمل للشباب، مما سيؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني ككل.
من هنا، بات على المغرب تبني نهج استباقي يتخلى فيه عن هذا التردد المكلف في ظل عالم يتجه بسرعة نحو مستقبل رقمي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في الختام، يمكن القول أن مفهوم "سيروا بسرعة ضعفاءكم" يبرز كعامل ثقافي أسهم بشكل ملحوظ في إعاقة مسيرة المغرب نحو تحقيق طموحاته التنموية في مختلف المجالات، وبالتالي إذا لم يحرص المغرب على تبني قرارات استباقية ووضع استراتيجيات جريئة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، فقد يجد نفسه خارج دائرة المنافسة في عالم يتسم بالسرعة والاستباق نحو اقتصاد مستقبلي رقمي قائم على الذكاء المتطور