في الحاجة لإثبات الأساس المادي للغياب
يجب على الإدارة إثبات الصبغة المادية للغياب وليس فقط الاكتفاء بالتصريح بعدم شرعيته. وبخلاف ذلك، لا يمكنها الاقتطاع من الأجر؛ إلا بعد تقديمالدليل على عدم حضور المعنيين بالأمر. ولذلك فإن الأمر منوط بالإدارة لوضع وسائل المراقبة حتى تتمكن من تحديد الاشخاص المضربين والاشخاص غير المضربين. ويمكن للإدارة وضع نظام للمراقبة والرصدpointage .
في الحاجة لتكييف الاضراب بأنه غياب غير قانوني
يمكم للإدارة أن تعتبر أن الاضراب نتج عنه تغيب عن العمل، وأن هذا التغيب هو تغيب غير مشروع مادام لم يصدر بشأنه إذن بالتغيب أو رخص مرضية أو عائلية أو ما شابه من الترخيصات المنصوص عليها في القانون الاساسي للوظيفة العمومية. فهذه الترخيصات ليس من بينها الإضراب. بعد ذلك وتأسيسا عليه يتم الأمر بالاقتطاع على أساس القانون الصادر سنة 1984 والمرسوم الصادر سنة 2000.
في شأن التوافق العام على أن شرعية الإضراب تبقى مصونة
مهما يكن من أمر الاجراءات الادارية أو المالية ، فالحق في الإضراب يبقى مصونا بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية، ويظل بالتالي منزها عن أي منازعة من حيث شرعيته. لكن تقرير هذه المسلمة لا تأثير له على إعمال قاعدة الاداء مشروط بإنجاز العمل، وهي قاعدة آمرة من النظام العام المالي، لا يجوز الاتفاق على مخالفتها من طرف الدولة وأعوانها المكلفين بتنفيذ العلميات المالية والمحاسبية. وهي تعتبر في الاجتهاد القضائي المقارن بمثابة ثمن وتضحية يؤديها المضرب عن العمل من جيبه. أما إذا قررت الدولة إغماض العين عن تنفيذ الاقتطاع فتكون قد خولت منفعة نقدية غير ميررةللغير.
في حدود المقاربة المعمول بها أمام إشكاليات عملية مثل "الحضور وعدم القيام بالعمل"
في هذه الحالة سيصعب على الإدارة إثبات الاساس المادي للغياب لأنها تعتمد مقاربة غير دقيقة وغيرناجعة من وجهة نظري وهي مقاربة الشرعية القانونية للغياب أساسا للاقتطاع. إذ سيبقى عليها سد هذا الثقب من خلال الاشهاد في عين المكان ليس على الغياب لأن المضرب سيحضر وربما قد يوقع على الحضور، بل على عدم أداء الخدمة ومن هنا ننتقل من مقاربة الشرعية القانونية إلى مقاربة الشرعية المالية المحاسبية. وهي المقاربة الأسلم والأنجع بجميع المقاييس.
في ارتباك موقف القضاء بشأن أي المقاربتين ينبغي اعتمادها
هناك حيرة واضحة في موقف القضاء بهذا الشأن ، ولا سيما قضاء الموضوع ، فعندما ينخرط في اعتماد ومناقشة المقاربة القانونية فإنه يغرق في تفاصيل الاسباب والتعليلات القانونية والاجرائية مما يرجح كفة المطاعن في شرعية الاقتطاع أما محكمة النقض فإنها تلوذ بقانون المحاسبة العمومية دون تفاصيل تشفي الغليل.
عقوبة أم عقوبة مقنعة أم مجرد إجراء محاسبي ؟ رأيي الشخصي
نستنتج مما سبق أن البناء القانوني والإجرائي المعمول به يبقى بناء غير متسق وتعوزه النجاعة، ولا يمكن فصله عن سياقه التاريخي الذي كان سياقاصراعيا غداة أحداث 84 التي انخرطت فيها اسرة العليم فكان قانون 1984 قانونا ابن سياقه وانفعالاته، وتم سنه بخلفية العقوبة على الاضراب، وهذا ما تعبر عنه صياغة اسلوبه ونبرته ، ورغم أن القضاء الاداري ومعهالوكيل القضائي للمملكة ينحوان منحى تجريد اجراء الاقتطاع من أي خلفية عقابية وأنه مجرد إجراء داخلي فإن المناقشة القضائية والمنطق القانوني المعتمد من ممثلي الدولة يؤكدان أن الأمر يتعلق بعقوبة مقنعة، وهذه شبهة كان بالإمكان تجاوزها بسهولة؛ لأن الأمر يتعلق في الواقع بمجرد قاعدة محاسبية فنية مفادها الأداء مشروط بإثبات العمل المنجز. وهي قاعدة إجرائية داخلية روتينية وتلقائية لا تحتاج لقانون أو مرسوم أو أمر إداري، أي لكل هذه الترسانة القانونية الجاري بها العمل (دبابة لتحييد ذبابة)؛ بل مجرد إخبار بعدم أداء العمل المنجز يوجهه الوزير الآمر بالصرف، يدعو فيهالخزينة العامة (مديرية الأجور) لاسترجاع المبالغ المالية التي تم أداؤها برسم الشهر السابق (الذي شهد الاضراب) ، استرجاعها من خلال اقتطاعها من مبلغ أجرة الشهر الموالي وكفى الله المؤمنين القتال... وللحديث صلة.
*مدير مجلة التدبير والرقابة على المال العام
خبير دولي في الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد