فن وفكر

بالبريد المُسْتَعْطَلْ !


وما لَنا ولغةُ السِّياسة ألم ترَ كيف أصبح مُعجمُها الشَّعبوي سيفاً مسموماً مُسلَّطاً على الرقاب، يحُزُّ الأنفس ويُدْميها مِن شِدَّة النكإ الحاطِّ بكرامة الإنسان وبئس العذاب ، ما لنا ولغة السِّياسة، ألم ترَ كيف مدت اللِّسان أمضى من السِّنان دون مُراعاة الكياسة في الكلام ، وما الفرق بين من يُطيل هذه اللحمة دون أن يجعلها تستند إلى عظم ، ومن يصلُ الفتيل بشرارة كلمة ينفثُها عشوائيا من الفم، أليس بزلَّة عود ثقاب يمكن أن تندلع شرارة الصراع الطبقي وتتَّسع الفتنة، أعترف أنِّي لا أفهم في السياسة إلا بطريقة رومانسية كأنْ أفكر في حيلة للإيقاع بقلب من أحب ، أو أمارس سياسة التقشُّف على جيبي ، لأوفِّر لمنْ أحب مالاً أشتري به ما يُحبُّون ، أو أُعَدِّلَ قليلا بشيء من المرونة منْ رؤيتي للعالم الذي لا شيء فيه يعجبني ، عساني أسلَمُ من شر بعض الناس ، وما لي ومحن السِّياسة إذا كان بعض من يحترفونها شططاً ، لا يُراعون قُدْسِية الكلمة ، يكسرون الخواطر كُلّما توجَّهوا بخطاب في السِّر والعلن ، ويطيحون بالبسْمة لتنقلب إلى تكشيرة تهُم بالإفتراس ، فما عُدنا نعرف هل نعيش في مدينةٍ أوغاب !



محمد بشكار

بعض البشر عبدٌ للماضي بكل أمجاده التي أنتجت أصناماً ، ومن فرط شُموخها في ناظريْه لمْ يعُد يرى طريقه للمستقبل ، وتحضُرني هنا قصة تسْخر ممَّن يلبسون ثياب الآباء والأجداد وبدونها فَهُمْ عراةٌ ، يُذْكَر أنَّ فتيةً من قريش كانوا يتنافسون في الرِّمَاية ، و كلما أصاب أحدهم بسهمه الهدف صاح مُغتبطاً أنا ابن العظيم فُلان أو ابن الشهيد علان ، وحين سدَّد أحدُ العبيد فأصابَ قال : أنا ابن من سجدتْ له الملائكة ، فسألوه مُسْتغربين : من هو؟ فأفْحَمهم جوابا حين قال: آدم..! 



أمّا البعض الكثير من البشر فتجدُه عبْدا للفكرة الواحدة  يعبدها طيلة حياته ويُورِّثها مع الوظيفة بعد الوفاة لأبنائه ، وبدل أن يتبنَّاها فقط تتبنَّاه فتجعله يتيما محروما من أمهات الأفكار..!


السلطة الإعلامية التي تضرب برأيٍ من حديد ، انتقلت إلى الشارع المغربي لتصْنع الحدث بنفْس القُوّة التي تصنعُها الصحافةُ في دول الغرب الديمقراطية ، دون أنْ تكْبح جِماحها الغاضبة ، رقابةٌ وضع خُطُوطها الحمراء الزَّائفة ، ثلةٌ ممن يتواطأون مع ذوي المصالح الشخصية ويخْشون في الأقلام أوْهَنَ عودٍ قد يُحرك في الفساد تلك الرائحة ، ورغم أن النقد الذي يُبَلْوِره الشارع المغربي ويجدُ تصريفاً أو تنْفيساً لِسيْلهِ العارم عبر ثقوب التواصل الإجتماعي ، قد يبدو في تعبيره المُتناثر والرَّكيك مِزاحاً بطَعْمٍ حامض يشبهُ كذْبة أبريل ، لكنه سرعان ما يُجَيِّشُ طوفاناً من المُتعاطفين مع نفْس الرأي ، ليأخذ المِزاحُ طابع الجدِّية ويصبحَ طعامَنا الذي نلوكه أو نتلمَّظُه ولو كان فُلْفلا ، بالتعليق والسُّخرية في كل الوجبات ، حتى يأتي الخبر اليقين بسقوط أحد الوزراء مِمّن استهدفه أو رجَمهُ الرأي العام بوابلٍ من المِزاح ، ليمضي إلى حالِ نسْيانهِ وهو يحْملُ معه بدل لقب وزير في أحد القطاعات توصيف "وزير الكرّاطة" أو "وزير الشكلاطة" و"وزيرة جوج فرانك" التي كانت قد اسْتَبْخَسَت التقاعد الذي يتقاضاه الوزير وهو مبلغٌ محترم ، حتى أصْبح الجميعُ يُطالب بجوج فرانك ، وهكذا دواليك تدور الطّاحونة ، فلا نعْرفُ بعد أن اختلط في جوفها القمح من كل الجنسيات ، مَنْ فينا صنيعة خُبز البلاد ومنِ المُسْتَوْرد مع الدَّقيق من كندا !  



من  يَذكُر حكاية الثعلب الذي أراد أن يرتوي من ظمإٍ ، فمضى إلى بئر بها دلوان إذا نزل أحدهما صعد الآخر ، ومن شِدَّة عطشه قفز بالدلو دون تفكير ولما انتهى من الشُّرب وجد نفسه في القعر السحيق حبيساً ، وحين مرَّ بجواره ذئبٌ سأله عمَّا دهاه حتى سقط في البئر ، فأجابهُ الثعلب بدهائه المعهود إنِّي رأيت سمكاً فنزلت أصطاده ، فدعاه للقفز في الدلو الآخر ليُشاركه الوليمة ، صدَّق الذئب بطمَعه الكذبة ، و لم يَكدْ يقفز في الدَّلْو حتى صعد الآخرُ بالثعلب الذي قال لضحيَّته وهو يلتقيه في منتصف البئر : تلك هي الحياة يا صاحبي ، فيها الطالع و فيها النازل! ..


لن أسأل من فينا اليوم الثعلب ومن الذئب ، ولكن المحتوم أنَّ بين كل الأجيال التي لقَّنها تعليمُنا هذه الحكاية ، ثمة مَنْ استفاد من حكمتها أو كذبتها الكبرى ، من حيث النظرية والممارسة في الحياة ، أما منْ نام وفوَّتَ حصة الدرس فهو من فصيلة النَّعام !

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 12 يناير 2023

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic