فن وفكر

الملحون...... الفن الذي يعشقه السلاطين والفقراء على السواء


في إطار النهوض بالشأن الثقافي والفني لتراثنا المادي واللامادي اليكم ملف الأسبوع لجريدة odj لفن الملحون



سارة البوفي : l'odj arabe


 أضحى فن الملحون من الفنون الراقية ، التي تُغنّى في الأعراس والمواسم والحفلات الدينية وداخل زوايا التصوف ، فاكتسب داخل هذه الفضاءات ، على يد مَشايخ وشعراء ومنشدين وعازفين ، أبعاداً صوفيّة وأكثر روحانية ، جعلت أغانيه تنهل من معين الدين والذات والعشق والخلوة والطبيعة ، وسواها من الموضوعات ، التي طرق بابها الشعر العربي منذ صدر الإسلام .

ولعل ما ميز قصائد غناء الملحون ، هي أنّها ظلّت قريبة من وجدان الإنسان المغربي البسيط ، إذْ يترك جسده يدخل في غمرة من الوجد الصوفي ، حيث تلتقي عذوبة الأشعار وتتماهى مع سحر الآلة وإيقاعها المُتكرّر والشجيّ ، ورغم المكانة الاجتماعية التي حازها فنّ الملحون داخل العائلات المغربيّة ، بوصفه فنّاً موسيقيّاً تراثياً غنيّاً ، قام على أسس تاريخيّة وفلسفة يومية ، بقي الملحون ، لقرون طويلة ، حكراً على الرجال ؛ يُؤدّون أغانيه بشكل جماعي يستند إلى أدوات تقليدية كـ"العود" و"الطعريجة" و"الطبل" و"الرباب" ، وهي أدوات تُحدث إيقاعاً موسيقيّاً رتيباً ، يجعل الجسد يدخل في دوامة من العشق والتماهي .

المثير في سيرة الملحون الغنائية ، أنّه صمد لقرون طويلة. واستطاع ، رغم مُنطلقاته المُتواضعة ، تأليفاً وعزفاً وأداءً ، أنْ يتكيّف مع كلّ التحديات السياسية والاجتماعية ، التي رافقت قيام ونشأة بعض السلاطين داخل بلاد المغرب الأقصى ، ويتنزّل منزلة هامّة ورفيعة في مدونة الغناء العربي ، قديماً وحديثاً ، فقد لحقته نهاية ستينيات القرن المنصرم عدّة تغيّرات فنيّة وجماليّة ، جعلت منه أفقاً غنائياً جديداً وأكثر حداثة ، حيث ستعمل المرأة المغربيّة ولأوّل مرّة في تاريخها على اقتحام هذا الفن ، وأداء أغانيه ، داخل حفلات رسمية وسهرات فنيّة ، بعدما ظلّت تُغنيه بشكل متردّد ، خلال الاجتماعات العائلية بالمدن العتيقة .

 كانت المُطربة المغربيّة ، ثريا الحضراوي (1957) ، أوّل مغنية تُؤدّي قصائدالملحون بشكل منفرد ، بعد أنْ كان تاريخياً يُغنّى بشكل جماعي من طرف الرجال ، وداخل أفق ضيّق يطغى عليه البعد الإنشادي داخل مآتم وحفلات دينية وحلقات الذكر .
 ويعد الملحون اللغة السليمة والمرنة ، لما لقيمته الأدبية واللغوية من جمالية في الشعر وروعة في الكلام ، وهذا التراث ابتكره شعبنا المغربي متخذاً وسيلته في التعبير أشكالاً من القول والكلام والنغم والإيقاع والحركة .

ظهر فن الملحون لأول مرة في العهد الموحدي خلال القرن السابع الهجري ، نشأ في مدينتي سجلماسة وتافيلالت ونما في مراكش وفاس ومكناس وسلا ، ويعتبر فناً شعرياً وإنشادياً وغنائياً متميزاً في المغرب وعرف صعود أسماء ستظل عالقة في الذاكرة الشعبية المغربية ، أمثال سيدي عبد القادر العلمي ، شيخ متصوفة "الملحون" وسيدي عمر اليوسفي و الجيلالي امتيرد وسيدي قدور العلمي وغيرهم .
 
ولشعر الملحون مكانة كبرى في المغرب، وهو من المواضيع التي يتذوقها المغاربة ويقبلون عليها وذلك لأنه التعبير الصادق من مشاعرهم وإحساساتهم وهو ديوان حياتهم وسجل عوائدهم وحضارتهم يحتوي على روائع تستقي من كل فنون الشعر والأدب والحكايات والتواريخ .

ويعتقد البعض أن تسمية شعر الملحون يعود إلى اللحن ، أي الخطأ في النحو ، ولكن ذلك جاء من توافق الحروف بين معنى الغلط ومعنى النغمة، فالملحون هو الشعر الذي يلحن ويغنى ، لذا فالملحون هو الشعر الذي ينظم في مختلف اللهجات العربية ويتغنى به .
عرفت مختلف أقطار الوطن العربي الشعر الملحون ، لكن مع تغيرفي تسمياته ، فنجده في المشرق يسمى بالشعر النبطي وفي تونس شعر الملزومة ، ولا يكاد يخلو قطر من هذا الأدب الشعبي الذي اختزن وجدان الشعوب وهواجسها وأفكارها وواكب حتى نضالاتها ضد الاستعمار وغيره من الأطوار التي رافق فيها هذا الشعر الناس في أفراحهم وأتراحهم ومختلف حالاتهم .

وقد تميز المغاربة بشعر الملحون وقدموا فيه منجزا هاما ما زال متواصلا في تراكمه إلى غاية اليوم ، وإن كانت لا تخلو منطقة مغربية من إنجاب شعراء لهذا النمط الشعري ، إلا أن بعض النواحي والمدن تعتبر مراكز هامة للملحون ، وإذا كانت مراكش وفاس برزتا في هذا الميدان فإن أزمور ومكناس وسلا من أخصب البقاع لظهور شعراء الملحون .

ولا يخفى على متتبع تاريخ هذا الشعر تميز شعراء سلا الذين ضاع الكثير من إنتاجهم مقارنة بشعراء الألوان الغنائية الأخرى ، وقد اعتبرت سلا عاصمة الثقافية في ميدان الملحون .

ففن الملحون في قيمته الفنية هو فن شعري إنشادي غنائي متميز ، وقد يكفي سماعه للبدء في البحث عن بواعث ومظاهر قيمته الفنية وكوامنه الجمالية ، وإن من الدواعي الأكيدة عند الباحث في فن الملحون رصده تلك البواعث والتجليات ، وتفحصها بعناية تامة حتى تكتشف أسرار قوة تأثيرها الفني في السامع المتذوق .

 

فن الملحون...... فن الوعظ والإرشاد وتوعية الشباب بالقيم الوطنية وحب الوطن

 وفي إطار انجاز ملف حول موضوع الملحون لابد من استحضار شيوخ هذا الفن الأصيل ، من أجل نقل هذا التراث عبر الزمن وتكريسه عند الشباب ، الذي لازال محافظا على فن الدين والذات والعشق والخلوة الطبيعية .


وفي هذا الإطار ، ومن مدينة مكناس أكد الفنان محمد المفتاحي ، أن الملحون كان يقام قديما كل سنة ربيعا في موسم العالمين مع فن السماع والمديح على يد مؤسس الطريقة العلمية الأستاذ والفنان عبد القادر العلمي ، كما كانت المدينة تتميز كل سنة بنزاهة الحرفيين (الخياطة، النجارة. ...وغيرها (من الحرف التقليدية ، حيث كانوا يقيمون نزاهة أسبوعية يتغنون فيها بأنغام الملحون وفن عيساوة .

وأضاف أن النزاهة الكبيرة ، كانت تقام في نهاية كل فصل ربيع ، حيث كان سكان مدينة مكناس الأصليين يستضيفون كل الحرفيين وينضمون حفلا غنائيا كبيرا في المدينة ردا منهم على الاحتفاء السابق .

ما هو حال فن الملحون في مدينة مكناس حاليا ؟

فن الملحون لازال مستمرا في مدينة مكناس على يد مجموعة من الجمعيات التي ظلت محافظة على إحياء الطقوس الملحونية ، على رأسهم جمعية فضاء التي تهتم بإعادة احياء هذا التراث الجميل بالمدينة الاسماعيلية ، ومناقشة قصائده في جو تراثي ، غنائي ، وعزفي ، يتغنى بقصائد الطبيعة والورود .

من هم أهم الشعراء الذين واكبهم الفنان محمد المفتاحي في مسيرته الفنية ؟

بصراحة هناك مجموعة من الفنانين والشعراء وشيوخ الشجية وشيوخ الكريحة والباحثين والمهتمين بفن الملحون ، الذي اشتغلت معهم  وأنا منشد بجمعية الأمل وجمعية النهضة بسلا وتعلمت على يدهم فن الملحون ، وكان لهم الفضل في مسيرتي ، كالشيخ أحمد سهوم والشيخ حسن اليعقوبي والشيخ  الشاعر جيلالي شبابي بالعوني ، وشيوخ مدينة مكناس الشيخ  والشاعر عبد العزيز العبدلاوي والشيخ محمد لعناية والشيخ الجليل أحمد أكومي الذين كانوا يغنون من أجل الوعظ والإرشاد لتوعية الشباب بالقيم الوطنية وتكوين الشباب على حب الوطن والكرم والأخلاق ونشر التراث والتعريف بالقيم الوطنية عبر فن الملحون .

ماهي القصيدة التي يعشقها الفنان محمد المفتاحي؟

من القصائد الجميلة التي أعشقها وأحب غنائها هي قصيدة شعر شعر للناظم والباحث مولاي أحمد سهوم رحمه الله .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 26 ديسمبر 2022

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic