كتاب الرأي

المفكر الطاهر بنجلون يعلن للعالم عن وأد القضية الفلسطينية..."وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ"


في مقال نشره يوم الجمعة 13 أكتوبر الأخير، اعتبر السي بنجلون أن "القضية الفلسطينية قد تم وأدها يوم 7 أكتوبر 2023 على يد عناصر انساقت وراء التطرف وغرقت في مستنقع الإيديولوجيا المتأسلمة الأشد سوء" .



بقلم: نجيب ميكو

أود التفاعل مع السي بنجلون بشأن إعلانه القوي هذا، من حيث الشكل فقط، اعتبارا أن لكل منا مواقفه الثابتة أو المتحولة من مختلف القضايا الإنسانية الكبرى التي تستوجب الإحترام المتبادل مهما بلغت الاختلافات بشأنها .


أقول للسي بنجلون إنه لا يخفى عليه هو المهتم بالسياسة وقضاياها الشائكة، أن هناك في السياسة ما يقال وما لا يمكن قوله وما لا يجب قوله .


الخواطر الدفينة سواء كانت مشاعر أو قناعات، لسنا مجبرين على البوح بها، خاصة في هذا الضرف العصيب الذي تجتازه القضية الفلسطينية ومعها الإنسانية جمعاء بسبب ما حدث ويحدث .


أقول للسي بنجلون إنه من قبيل تحصيل الحاصل أن له الحرية المطلقة في كتابة كل ما يريد إلا أنه قد أخطأ الموضوع والتوقيت والعبارات في مقاله المذكور إذ ما خاض فيه الرجل يدخل في نظري، في هذه اللحظة بالذات، في خانة ما لا يجب قوله، وهو ما أثار استغراب واشمئزاز عدد واسع من المتتبعين .


لعله لا يخفى على السي بنجلون أن هناك حالات يكون فيها الصمت أقوى من مجلدات وأحكم من كل كلمات كل اللغات. ومن تم فكان الأجدر به أن يصمت وأن يكتفي بالإنحناء بألم وتواضع المفكر المتشبع بالقيم الإنسانية، أمام أرواح كل الأبرياء-الشهداء من كلا الطرفين منذ 1948 وإلى غاية هذه اللحظة وما يتوعدنا به الزمن القريب القادم بعدها .


لست في حاجة لتذكير رجل من طينة السي بنجلون أن تحرير الأراضي الفلسطينية والإعلان عن نشأة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة في أراضيها المعترف بها دوليا وعاصمتها القدس الشرقية، لن يتم على طاولة شاي في مقهى هنا أو هناك .


إنه قد طال أمد هذا الظلم بكل ما يجر وراءه من ضحايا وآلام ومعاناة وكل ما يشخصه من بؤس السياسة وتردي المبادئ والقيم الإنسانية .


فعلينا جميعا ألا نبدد جهدنا الفكري في الإعلانات المستفزة والمحبطة وأن نستثمر على العكس من ذلك، كل طاقاتنا، كل من موقعه وبكل وسائله الممكنة، لدعوة القوى العظمى أن تنتهي بأكبر سرعة إلى الحقيقة الموضوعية التي لا بديل عنها بأن الأمر يتعلق بشعبين طاعنين في التاريخ وبأن الحل الأوحد هو حل الدولتين وأن كل ما دون ذلك ليس إلا إهدارا لزمن السلم الدائم وإلهاء ساديا بشعا لمنطقة ولشعوب أنهكتها واستنزفت مقدراتها الإقتتالات المتوالية منذ عقود والتي تجهض كل طموحاتها المشروعة في السلم والتقدم .


وأحيل أخيرا السي بنجلون على عبر ودروس التاريخ التي لن تمحوها أبدا الإنزلاقات الظرفية، لكي يكتشف أن الشعوب المتجدرة في أعماق التاريخ رغم شدة وطول معاناتها لا يمكن أن يتم وأدها مهما أريد إيهامنا بإمكانية عكس ذلك .


ومن تم فإن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية لن يموتا أبدا، مثلما أن الشعب الإسرائيلي لن يموت أبدا وأن عيشهما جنبا إلى جنب في دولتين مستقلتين ممكن جدا إن توفرت الإرادة السياسية الفعلية وإن امتثلت كل الاطراف للشرعية الدولية وإن غلبت الحكمة وإن انتصرت القيم الإنسانية .


إن السلم والرخاء ممكنان مثلما أن الحرب والخراب ممكنان وإن ما يدفع لهذا أو لذاك هو ما نبتغيه نحن، علما بأنه لا قضاء إلا ما نكتبه كل لحظة باختياراتنا الحرة وسلوكاتنا .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 16 أكتوبر 2023

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic