لمبادرة المغربية لتسهيل عبور دول الساحل، تشاد ومالي وبوركينافاسو والنيجر، نحو المحيط الأطلسي تناقض تماما ما فعله النظام العسكري الجزائري في هذه المنطقة من إفريقيا لسنوات، حيث أغرقها على مدار سنوات بالأسلحة وربط علاقات استخباراتية مع قيادات متطرفة وشجعها على التمدد!
اليوم، تبدو دول الساحل محظوظة بـ« العسكاريتاريا » التي تحكمها لأن قيادات الجيش أكثر معرفة بالواقع الميداني وبما فعله النظام العسكري الجزائري بحدودها وكيف جعل من الساحل ساحة للإرهاب والانفصال.
تشكل المبادرة المغربية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي واحدة من أجوبة غير تقليدية عن أزمة الدولة في منطقة الساحل، فكل المقاربات الأمنية والعسكرية لم تحقق غير الفوضى والمزيد من التفكك والمخاطرة بسيادة هذه الدولة بفعل أجندة ضاغطة لدول مثل الجزائر وفرنسا، وباستخدام أخطر أوراق هذه الأجندة: الإرهاب!
تاريخيا، استفادت العديد من الجماعات الإرهابية التي نشأت في منطقة الساحل من البنية التنظيمية والبشرية التي وفرتها الجماعة الإسلامية المقاتلة الجزائرية (جيا)، قبل أن تأخذ اسم فرع « تنظيم القاعدة ». كان الغرض من هذاُ التحول إعطاء بُعد إقليمي للجماعة والتمويه على ارتباطاتها بالجزائر فأصبحت « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ».
ولعل الكثير من قيادات الجيش في منطقة الساحل تحديدا، يعرفون كيف أن المخابرات الجزائرية (DRS) استغلت الحرب على الإرهاب، بعد العشرية السوداء، من أجل الدفع بأفراد الجماعات الإرهابية من أصول جزائرية نحو الاستقرار شمال مالي ومنه التمدد في الصحراء الكبرى. بينما حافظ جزائريون من أمثال حسن حطاب وخليفته نبيل صحراوي ومختار بلمختار وصولا إلى عبد المالك درودكال على قيادة هذه التنظيمات المحلية، التي تم ربطها لاحقا بالدائرة العالمية للإرهاب من خلال مبايعة « القاعدة » لتحقيق التفاعل المتنامي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتوسعها في الساحل من خلال تشكيل خلايا إرهابية وتنشيط شبكة إقليمية في منطقة الساحل والصحراء، مهمتها جني الأموال عبر التهريب وتجارة الأسلحة واختطاف الأجانب للمطالبة بالفدية.
الإرهاب في الساحل صناعة جزائرية. وكل التشابكات التي نسجتها هذه الجماعات المتطرفة في المنطقة جرت تحت أعين المخابرات الجزائرية التي سعت إلى تقويض أمن الساحل من جهة، واقتراح حلول سياسية ودبلوماسية عبر وساطات ورعاية اتفاقيات لتطويق دول الساحل وثرواتها من جهة ثانية. ولعل واحدة من أسباب الأزمة بين مالي والجزائر، رفض السلطات العسكرية في مالي الرد على طلب جزائري باستغلال مشترك للثروات النفطية في شمال مالي عبر « سونتراك »، فبادرت الجزائر إلى ابتزاز سلطات مالي عبر التواصل مع معارضين والعبث بأمن جارتها الجنوبية.
في سنة 2007 صدر تقرير لمركز الأبحاث « كارينغي » بعنوان « هل تصبح القاعدة إفريقية مستقبلا؟ ». التقرير استند إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وكيف أنها جعلت من هذه المنطقة قاعدة خلفية لتدريب وتصدير المقاتلين في صفوف « القاعدة » حينها، وكان من الطبيعي أن تتحول هذه الحاضنة إلى قاعدة مستقبلا لنشاط الجماعات المتطرفة. لكن التقرير لم يتوقع أن يصل الأمر بنظام سياسي إلى اللعب بورقة الإرهابيين. هذه الازدواجية فضحتها العملية العسكرية التي نفذها « كتيبة الموقعون بالدم » لمختار بلمختار على موقع « عين أميناس » جنوب شرق الجزائر سنة 2013. يومها وقع تسريب مكالمة هاتفية بين قيادات الجيش الجزائري وعناصر من التنظيم الإرهابي يشتكي عدم احترام العسكر لاتفاقهم حول كيفية إنهاء هذه الهجمات، فتبث أمام الجميع تورط المخابرات الجزائرية في تنسيق هذه العملية التي راح ضحيتها عمال من جنسيات أجنبية كانوا في الموقع.
ضمن هذا السياق وتحولاته، يمكن أن نقرأ تحرك دول الساحل نحو المغرب، فالقرار سيادي يحمل رسائل واضحة مفادها أن هذه البلدان لن تسمح لأحد بالعبث بأمنها واستقرارها وأن اللعبة الاستخباراتية انكشفت، وأنه لا النظام العسكري في الجزائر نفسه، ولا كفيلته فرنسا، قادرين على وقف التحول نحو بناء الدولة الوطنية في الساحل، باقتصاد مندمج عابر للحدود نحو الفضاء الأطلسي وأمن مشترك يرعاه اتفاق الدفاع الثلاثي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو الموقع في « ليبتاكو غورما » يقتضي الرد المشترك على أي هجوم تتعرض له دولة عضو في الاتفاق.
بالمقابل، تشي ردة الفعل الأولية للجزائر على هذا التقارب بين المغرب ودول الساحل وتصريح وزير خارجيتها بالقول إن « الجزائر تسارع لإيجاد حل مع المغرب »، أن الجارة الشرقية تنظر إلى هذا التقارب من منظور عقيدتها السياسية العدائية المستحكمة، وتعتبره بمثابة مناكفة ديبلوماسية كما تفعل هي دائما حينما يتعلق بالمصالح الحيوية للمملكة، وهو تقدير خاطئ وبليد لا يفقه في التحولات الجيواستراتيجية الجارية في المنطقة بوجود فاعلين جدد.
اليوم، تبدو دول الساحل محظوظة بـ« العسكاريتاريا » التي تحكمها لأن قيادات الجيش أكثر معرفة بالواقع الميداني وبما فعله النظام العسكري الجزائري بحدودها وكيف جعل من الساحل ساحة للإرهاب والانفصال.
تشكل المبادرة المغربية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي واحدة من أجوبة غير تقليدية عن أزمة الدولة في منطقة الساحل، فكل المقاربات الأمنية والعسكرية لم تحقق غير الفوضى والمزيد من التفكك والمخاطرة بسيادة هذه الدولة بفعل أجندة ضاغطة لدول مثل الجزائر وفرنسا، وباستخدام أخطر أوراق هذه الأجندة: الإرهاب!
تاريخيا، استفادت العديد من الجماعات الإرهابية التي نشأت في منطقة الساحل من البنية التنظيمية والبشرية التي وفرتها الجماعة الإسلامية المقاتلة الجزائرية (جيا)، قبل أن تأخذ اسم فرع « تنظيم القاعدة ». كان الغرض من هذاُ التحول إعطاء بُعد إقليمي للجماعة والتمويه على ارتباطاتها بالجزائر فأصبحت « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ».
ولعل الكثير من قيادات الجيش في منطقة الساحل تحديدا، يعرفون كيف أن المخابرات الجزائرية (DRS) استغلت الحرب على الإرهاب، بعد العشرية السوداء، من أجل الدفع بأفراد الجماعات الإرهابية من أصول جزائرية نحو الاستقرار شمال مالي ومنه التمدد في الصحراء الكبرى. بينما حافظ جزائريون من أمثال حسن حطاب وخليفته نبيل صحراوي ومختار بلمختار وصولا إلى عبد المالك درودكال على قيادة هذه التنظيمات المحلية، التي تم ربطها لاحقا بالدائرة العالمية للإرهاب من خلال مبايعة « القاعدة » لتحقيق التفاعل المتنامي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال وتوسعها في الساحل من خلال تشكيل خلايا إرهابية وتنشيط شبكة إقليمية في منطقة الساحل والصحراء، مهمتها جني الأموال عبر التهريب وتجارة الأسلحة واختطاف الأجانب للمطالبة بالفدية.
الإرهاب في الساحل صناعة جزائرية. وكل التشابكات التي نسجتها هذه الجماعات المتطرفة في المنطقة جرت تحت أعين المخابرات الجزائرية التي سعت إلى تقويض أمن الساحل من جهة، واقتراح حلول سياسية ودبلوماسية عبر وساطات ورعاية اتفاقيات لتطويق دول الساحل وثرواتها من جهة ثانية. ولعل واحدة من أسباب الأزمة بين مالي والجزائر، رفض السلطات العسكرية في مالي الرد على طلب جزائري باستغلال مشترك للثروات النفطية في شمال مالي عبر « سونتراك »، فبادرت الجزائر إلى ابتزاز سلطات مالي عبر التواصل مع معارضين والعبث بأمن جارتها الجنوبية.
في سنة 2007 صدر تقرير لمركز الأبحاث « كارينغي » بعنوان « هل تصبح القاعدة إفريقية مستقبلا؟ ». التقرير استند إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وكيف أنها جعلت من هذه المنطقة قاعدة خلفية لتدريب وتصدير المقاتلين في صفوف « القاعدة » حينها، وكان من الطبيعي أن تتحول هذه الحاضنة إلى قاعدة مستقبلا لنشاط الجماعات المتطرفة. لكن التقرير لم يتوقع أن يصل الأمر بنظام سياسي إلى اللعب بورقة الإرهابيين. هذه الازدواجية فضحتها العملية العسكرية التي نفذها « كتيبة الموقعون بالدم » لمختار بلمختار على موقع « عين أميناس » جنوب شرق الجزائر سنة 2013. يومها وقع تسريب مكالمة هاتفية بين قيادات الجيش الجزائري وعناصر من التنظيم الإرهابي يشتكي عدم احترام العسكر لاتفاقهم حول كيفية إنهاء هذه الهجمات، فتبث أمام الجميع تورط المخابرات الجزائرية في تنسيق هذه العملية التي راح ضحيتها عمال من جنسيات أجنبية كانوا في الموقع.
ضمن هذا السياق وتحولاته، يمكن أن نقرأ تحرك دول الساحل نحو المغرب، فالقرار سيادي يحمل رسائل واضحة مفادها أن هذه البلدان لن تسمح لأحد بالعبث بأمنها واستقرارها وأن اللعبة الاستخباراتية انكشفت، وأنه لا النظام العسكري في الجزائر نفسه، ولا كفيلته فرنسا، قادرين على وقف التحول نحو بناء الدولة الوطنية في الساحل، باقتصاد مندمج عابر للحدود نحو الفضاء الأطلسي وأمن مشترك يرعاه اتفاق الدفاع الثلاثي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو الموقع في « ليبتاكو غورما » يقتضي الرد المشترك على أي هجوم تتعرض له دولة عضو في الاتفاق.
بالمقابل، تشي ردة الفعل الأولية للجزائر على هذا التقارب بين المغرب ودول الساحل وتصريح وزير خارجيتها بالقول إن « الجزائر تسارع لإيجاد حل مع المغرب »، أن الجارة الشرقية تنظر إلى هذا التقارب من منظور عقيدتها السياسية العدائية المستحكمة، وتعتبره بمثابة مناكفة ديبلوماسية كما تفعل هي دائما حينما يتعلق بالمصالح الحيوية للمملكة، وهو تقدير خاطئ وبليد لا يفقه في التحولات الجيواستراتيجية الجارية في المنطقة بوجود فاعلين جدد.