طرابلس: بقلم الدكتور خالد فتحي
عندما زرت مدينة البيضاء قبل ستة أشهر للمشاركة في تنظيم الامتحانات الليبية للبورد العربي لأمراض النساء والولادة ، كنت أريد أن أثبت لمحيطي بأن ليبيا بلد آمن مطمئن و مستقر، كما قد أكد لي أصدقائي الاساتذة الاطباء اللبييون بالبورد ، و كنت أبغي أن أفحمهم كذلك بأن أزمة الحكم هنا ، لاتنعكس بتاتا على تواد الليبيين و لا على تماسكهم أو ترابطهم . فالليبيون مقتنعون بأن قوتهم ومستقبلهم يكمنان في وحدتهم، الكل ينتظر نجاح العملية السياسية وإن طالت .
إنه لمن الدين علي لهذا البلد المضياف إذن ، ان أكتب عنه، لأكرر مرة اخرى اني قد رأيت بليبيا مجتمعا موحدا و مرصوصا، وبلادا غنية معطاء ، تموج بالثروات و الخيرات، و تزخر بفرص العيش الكريم لسكانها ولكل من يقصدهم .
اليوم، أزور طرابلس بتشوف وحماس ، أزورها مثلما قد زرت قبلها بنغازي والبيضاء و عمان والقاهرة وبغداد وباريس وفرانكفورت ، ومثلما قد أزور مراكش أو طنجة.انا أزورها كممتحن طبعا ،و لكن أيضا كسائح يتوق للقياها قد جاء ليتملي بجمال هذه المدينة الرابضة فوق قمتها الصخرية ، الناظرة بشموخ للبحر المتوسط، و الساخرة كدأبها من الخطوب ومن تقلبات الأحداث ، جئت أذوب بين ساكنتها، وأختلف راجلا أو راكبا لدروبها ومآثرها ، كم يعجبني أن استشف مزاجها و روحها كمدينة تعودت من دهرها، و منذ نشأتها قبل الميلاد بسبعة قرون ، أن تخرج ظافرة هازئة من كل مايعرض لها من أنواء ومن منعطفات ومطبات تاريخية .
يطلق عليها الليبيون هنا ألقابا عدة ، بل هم يتفنون في ذلك، هي درتهم ومدللتهم ، يسميها بعضهم أرض الزهر أو أرض الحناء، ويسميها البعض الآخر بلد الطيوب ، لكن الكل هنا مجمع أنها عروس المتوسط . أذكر انهم كانوا قد وصفوا لي مدينة البيضاء نفس الوصف من قبل . ولذلك ينبهني هذا التناص في الغزل بمدنهم إلى أن الأشقاء الليبيين مزهوون بمدنهم، وأنهم ينظرون لمدن ساحل المتوسط الليبي كموكب من العرائس اللواتي يفاخرون بجمالهن وروعتهن ، وينافسون بهن أجمل مدن العالم .
أستحضر الآن أني كنت قبل 25 سنة قد تنازلت لشخص كان عزيزا علي عن رحلة فزت بها لطرابلس، لكني، وانا اتنفس هذه الليلة مع أصدقاء أطباء بالبورد من تونس ومسراته والقاهرة متنقلين بسيارة صديقنا د اسماعيل هوءاها العليل، واطالع الوجوه الصبوحة لأهلها وأرى حركتهم الدائبة ، أكتشف اني جانبت الصواب حين زهدت في تلك الرحلة القديمة .لقد عاقبتني طرابلس مدة ربع قرن ، وهاهي تغفر لي، وتفتح ذراعيها لاحتضاني. لكم تأخرت عنك ياطرابلس! .كان ينبغي ان آتي إليك منذ زمن سحيق .
في كل ليبيا، أحسست من الليبيين انهم بهفون إليك بقلوبهم ويمنحونك ميزة إضافية في التعامل بمجرد مايعلمون أنك مغربي. ، هم يشعرونك دائما أنك مميز بالنسبة لهم ، وأنك حبيبهم .ربما هي العلاقات الوشيجة المتأصلة بين الشعبين ، أو لعلها السمعة الطيبة التي تتمتع بها الجالية المغربية هنا من يخلق عندنا هذا التآلف بين النفوس .بعض أصدقائي يلاحظون هذه الأفضلية للمغاربة ، لكني صرت أعتقد ان الليبين يمنحون هذا الشعور لكل من هو بين ظهرانيهم. . فمن طبعهم و من جوهر معدنهم صدق المشاعر ، كما ان الطيبة والكرم من صميم فطرتهم و لب أخلاقهم الأصيلة ....جمال ليبيا كما لخص لي د اسماعيل بالسهل الممتنع هو في دماثة سجايا شعبها وبساطته .
ليست طرابلس ياسادة مدينة طارئة على الخرائط، أو بمدينة عاشت على هامش التاريخ، فلقد عركتها الأحداث والوقائع وصلبت عودها . استطيع ان اقول عنها ، أنا الذي يجوب بعضها الآن ، إنها المدينة الفاتنة حقا، الموغلة جدا في الحضارة .المدينة التي تختزل ليبيا منذ أن كانت قديمة ، ومرورا بما توالى عليها من عهود فينيقية ورومانية ووندالية وبزنطية وعربية إسلامية وعثمانية وقرمنالية ، إلى أن نصل عهد الاستعمار الإيطالي، ثم عصر الاستقلال ومارافقه من تحديات . هذا التاريخ الثري الفسيفسائي جعلها منها مدينة تمتلك سردية فخمة. مدينة غير محايدة ذات طعم و ذات روح تضخها فيك بمجرد ماتدخلها، فتحبها كل الحب ، لقد أهلها أيضا كي تعبر بشكل ما عن جانب من قصة الحضارة البشرية ،.فهي المدينة التي تدل شواهدها على عراقتها وصحبتها الراسخة مع المجد و التاريخ .ولذلك تكون من رعيل تلك الحواضر التي تتأسس لتبقى مابقي الزمان والإنسان .
في طريقي من مطار معيتيقة بمنطقة سوق الجمعة إلى فندق فور بوانت حيث نقيم ،وبينما كنا نسير بمحاذاة شط الهنشير ،لم أتمهل ، فأطلقت العنان لناظري من نافذة السيارة، فإذا على شمالي المدينة القديمة التي توجد على خطوات من البحر تماما مثلما هي المدينة القديمة بالرباط وسلا وطنجة ، وإذا السائق ينبهني لقوس النصر الذي يحمل اسم الإمبراطور الروماني ماركوس اوريليوس ،ثم جزيرة الميناء، و فندقا يدعي كورنيتا ، أشار لي أيضا إلى أبراج خمسة تدعى ذات العماد . ...رايت بعدها برج طرابلس الذي كان يدعى برج الفاتح قبل الثورة وبرج أبو ليلى , ومستشفى الجلاء الذي ستجرى به الامتحانات , و ميدان الشهداء الذي يخضع لأعمال على قدم وساق ، و متحف السراي حيث ترتفع فوق النصب اعمدة واشرعة من سفينة فيلادلفيا الأمريكية التي قرصنها وأسر بحارتها الأسطول الليبي سنة1803م حين كانت أمريكا تدفع الأتاوة لليبيا.طبعا أسرد هذه المباني كما اتذكرها لا كما تتوالى على الطريق الساحلي.
ميزة طرابلس أنها مدينة بحرية بامتياز...هي المقابل الجنوبي على المتوسط لجزيرة صقلية الإيطالية. قدرها كان أن تربط بين تجارتي البحر والصحراء، هذا القدر الذي يلازمها إلى الآن . كم قد جالت وصالت في عرض المتوسط، وكم فرضت هيمنتها الكاملة عليه ،لدرجة أنها أسرت أساطيل بلاد العم سام واحرقتها بل ولازالت تصلبها وتمثل به في متحفها .هي ايضا مدينة مهن، وتجارة ، وزراعة، وعمران كان له ان تنوع تنوعا كبيرا باختلاف العصور التي خبرتها ، ولذلك فطرابلس، أو تريبولي التي تعني بالاغريقية المدينة المثلثة ، تزخر بالتأكيد بالآثار الكثيرة التي لم تكتشف بعد ، كونها كانت دوما مدينة مأهولة، الشيء الذي اعاق الحفريات .وبهذا المعطى تكون طرابلس المدينة التي تنام على ثروة من الآثار النفيسة المدينة المتمنعة التي لم تبح بعد بكل أسرارها للعالم .
تجولنا ليلا ، ونزلنا إلى المحلات ، واشترينا وتبضعنا ، وسرنا أن راينا أوراشا هنا وهناك ، ومشاريع سياحية كثيرة ، حاولت ان أرى هذه المدينة دفعة واحدة ، لكني لا أزعم بل أعجز أن أصف لكم كل طرابلس . انا أصف فقط ماتمكنني زيارتي القصيرة من رؤيته منها . انقل رؤوس أقلام عن الحب الذي غمرني تجاهها وتجاه كل ليبيا ساعيا ان اترك روحها الجميلة تسري اليكم عساي أحرضكم على زيارتها والحج للسياحة اليها.فتفرحون ببهائها كما فرحت وتستمتعون ببحرها وهوائها وطيبة سكانها . فهل بلغت ؟؟ .
إنه لمن الدين علي لهذا البلد المضياف إذن ، ان أكتب عنه، لأكرر مرة اخرى اني قد رأيت بليبيا مجتمعا موحدا و مرصوصا، وبلادا غنية معطاء ، تموج بالثروات و الخيرات، و تزخر بفرص العيش الكريم لسكانها ولكل من يقصدهم .
اليوم، أزور طرابلس بتشوف وحماس ، أزورها مثلما قد زرت قبلها بنغازي والبيضاء و عمان والقاهرة وبغداد وباريس وفرانكفورت ، ومثلما قد أزور مراكش أو طنجة.انا أزورها كممتحن طبعا ،و لكن أيضا كسائح يتوق للقياها قد جاء ليتملي بجمال هذه المدينة الرابضة فوق قمتها الصخرية ، الناظرة بشموخ للبحر المتوسط، و الساخرة كدأبها من الخطوب ومن تقلبات الأحداث ، جئت أذوب بين ساكنتها، وأختلف راجلا أو راكبا لدروبها ومآثرها ، كم يعجبني أن استشف مزاجها و روحها كمدينة تعودت من دهرها، و منذ نشأتها قبل الميلاد بسبعة قرون ، أن تخرج ظافرة هازئة من كل مايعرض لها من أنواء ومن منعطفات ومطبات تاريخية .
يطلق عليها الليبيون هنا ألقابا عدة ، بل هم يتفنون في ذلك، هي درتهم ومدللتهم ، يسميها بعضهم أرض الزهر أو أرض الحناء، ويسميها البعض الآخر بلد الطيوب ، لكن الكل هنا مجمع أنها عروس المتوسط . أذكر انهم كانوا قد وصفوا لي مدينة البيضاء نفس الوصف من قبل . ولذلك ينبهني هذا التناص في الغزل بمدنهم إلى أن الأشقاء الليبيين مزهوون بمدنهم، وأنهم ينظرون لمدن ساحل المتوسط الليبي كموكب من العرائس اللواتي يفاخرون بجمالهن وروعتهن ، وينافسون بهن أجمل مدن العالم .
أستحضر الآن أني كنت قبل 25 سنة قد تنازلت لشخص كان عزيزا علي عن رحلة فزت بها لطرابلس، لكني، وانا اتنفس هذه الليلة مع أصدقاء أطباء بالبورد من تونس ومسراته والقاهرة متنقلين بسيارة صديقنا د اسماعيل هوءاها العليل، واطالع الوجوه الصبوحة لأهلها وأرى حركتهم الدائبة ، أكتشف اني جانبت الصواب حين زهدت في تلك الرحلة القديمة .لقد عاقبتني طرابلس مدة ربع قرن ، وهاهي تغفر لي، وتفتح ذراعيها لاحتضاني. لكم تأخرت عنك ياطرابلس! .كان ينبغي ان آتي إليك منذ زمن سحيق .
في كل ليبيا، أحسست من الليبيين انهم بهفون إليك بقلوبهم ويمنحونك ميزة إضافية في التعامل بمجرد مايعلمون أنك مغربي. ، هم يشعرونك دائما أنك مميز بالنسبة لهم ، وأنك حبيبهم .ربما هي العلاقات الوشيجة المتأصلة بين الشعبين ، أو لعلها السمعة الطيبة التي تتمتع بها الجالية المغربية هنا من يخلق عندنا هذا التآلف بين النفوس .بعض أصدقائي يلاحظون هذه الأفضلية للمغاربة ، لكني صرت أعتقد ان الليبين يمنحون هذا الشعور لكل من هو بين ظهرانيهم. . فمن طبعهم و من جوهر معدنهم صدق المشاعر ، كما ان الطيبة والكرم من صميم فطرتهم و لب أخلاقهم الأصيلة ....جمال ليبيا كما لخص لي د اسماعيل بالسهل الممتنع هو في دماثة سجايا شعبها وبساطته .
ليست طرابلس ياسادة مدينة طارئة على الخرائط، أو بمدينة عاشت على هامش التاريخ، فلقد عركتها الأحداث والوقائع وصلبت عودها . استطيع ان اقول عنها ، أنا الذي يجوب بعضها الآن ، إنها المدينة الفاتنة حقا، الموغلة جدا في الحضارة .المدينة التي تختزل ليبيا منذ أن كانت قديمة ، ومرورا بما توالى عليها من عهود فينيقية ورومانية ووندالية وبزنطية وعربية إسلامية وعثمانية وقرمنالية ، إلى أن نصل عهد الاستعمار الإيطالي، ثم عصر الاستقلال ومارافقه من تحديات . هذا التاريخ الثري الفسيفسائي جعلها منها مدينة تمتلك سردية فخمة. مدينة غير محايدة ذات طعم و ذات روح تضخها فيك بمجرد ماتدخلها، فتحبها كل الحب ، لقد أهلها أيضا كي تعبر بشكل ما عن جانب من قصة الحضارة البشرية ،.فهي المدينة التي تدل شواهدها على عراقتها وصحبتها الراسخة مع المجد و التاريخ .ولذلك تكون من رعيل تلك الحواضر التي تتأسس لتبقى مابقي الزمان والإنسان .
في طريقي من مطار معيتيقة بمنطقة سوق الجمعة إلى فندق فور بوانت حيث نقيم ،وبينما كنا نسير بمحاذاة شط الهنشير ،لم أتمهل ، فأطلقت العنان لناظري من نافذة السيارة، فإذا على شمالي المدينة القديمة التي توجد على خطوات من البحر تماما مثلما هي المدينة القديمة بالرباط وسلا وطنجة ، وإذا السائق ينبهني لقوس النصر الذي يحمل اسم الإمبراطور الروماني ماركوس اوريليوس ،ثم جزيرة الميناء، و فندقا يدعي كورنيتا ، أشار لي أيضا إلى أبراج خمسة تدعى ذات العماد . ...رايت بعدها برج طرابلس الذي كان يدعى برج الفاتح قبل الثورة وبرج أبو ليلى , ومستشفى الجلاء الذي ستجرى به الامتحانات , و ميدان الشهداء الذي يخضع لأعمال على قدم وساق ، و متحف السراي حيث ترتفع فوق النصب اعمدة واشرعة من سفينة فيلادلفيا الأمريكية التي قرصنها وأسر بحارتها الأسطول الليبي سنة1803م حين كانت أمريكا تدفع الأتاوة لليبيا.طبعا أسرد هذه المباني كما اتذكرها لا كما تتوالى على الطريق الساحلي.
ميزة طرابلس أنها مدينة بحرية بامتياز...هي المقابل الجنوبي على المتوسط لجزيرة صقلية الإيطالية. قدرها كان أن تربط بين تجارتي البحر والصحراء، هذا القدر الذي يلازمها إلى الآن . كم قد جالت وصالت في عرض المتوسط، وكم فرضت هيمنتها الكاملة عليه ،لدرجة أنها أسرت أساطيل بلاد العم سام واحرقتها بل ولازالت تصلبها وتمثل به في متحفها .هي ايضا مدينة مهن، وتجارة ، وزراعة، وعمران كان له ان تنوع تنوعا كبيرا باختلاف العصور التي خبرتها ، ولذلك فطرابلس، أو تريبولي التي تعني بالاغريقية المدينة المثلثة ، تزخر بالتأكيد بالآثار الكثيرة التي لم تكتشف بعد ، كونها كانت دوما مدينة مأهولة، الشيء الذي اعاق الحفريات .وبهذا المعطى تكون طرابلس المدينة التي تنام على ثروة من الآثار النفيسة المدينة المتمنعة التي لم تبح بعد بكل أسرارها للعالم .
تجولنا ليلا ، ونزلنا إلى المحلات ، واشترينا وتبضعنا ، وسرنا أن راينا أوراشا هنا وهناك ، ومشاريع سياحية كثيرة ، حاولت ان أرى هذه المدينة دفعة واحدة ، لكني لا أزعم بل أعجز أن أصف لكم كل طرابلس . انا أصف فقط ماتمكنني زيارتي القصيرة من رؤيته منها . انقل رؤوس أقلام عن الحب الذي غمرني تجاهها وتجاه كل ليبيا ساعيا ان اترك روحها الجميلة تسري اليكم عساي أحرضكم على زيارتها والحج للسياحة اليها.فتفرحون ببهائها كما فرحت وتستمتعون ببحرها وهوائها وطيبة سكانها . فهل بلغت ؟؟ .