فن وفكر

من نماذج الحكم: ( الديمقراطية ) و مذا بعد؟!!!


لقد انبثقت إرهاصات الديموقراطية عن الثورة الفنية و الثقافية في عصر النهضة و عن البدايات الأولى للرأسمالية في هولندا خلال القرن السابع عشر حيث كانت العاصمة المال العالمية تتمثل في أمستردام عاصمة هولندا ثم تبلورت الطروحات الديموقراطية خلال القرن الثامن عشر عصر التنوير مع الثورة الفلسفية في فرنسا و الثورة العلمية في انجلترا حيث تم الرفع من مستوى النقاش و الوعي بأهمية العقد الإجتماعي و ألمجتمع المدني السياسي و حقوق الإنسان و تطور المعاملات التجارية و الرأسمالية و صعود المذهب العلماني و الثورة البرجوازية على الإقطاع و الكنيسة و انتقال عاصمة المال العالمية من هولندا إلى باريز عاصمة فرنسا قبل أن تنتقل بعد الحرب العالمية إلى نيويورك عاصمة الولايات الأمريكية المتحدة .



و قد قامت الأنظمة الديموقراطية في أوروبا  على أنقاض الإقطاع و تحكم الكنيسة، بعد حربين عالميتين دمرتا الأوطان و المجتمعات آناسا و ترابا،  فأزاحت هياكل السلطة العتيقة و الديكتاتوريات و فسحت المجال لقيام دولة القانون و المؤسسات و حقوق الإنسان و المساواة و سعت، عن طريق نقد سلطة الإلهيات، إلى ترسيخ سلطة القانون الوضعي الصرف، و تحرير الفكر الإنساني و الفلسفي من  تسلط و تحكم اللاهوت لقرون طويلة ...


و بدعمها لحرية التعبير تخلصا من جمود الخطاب الديني الكنيسي الذي ظهرت أخطاؤه و انهارت مسلماته أمام الفورة الفكرية المتحررة  لعصر النهضة الثقافية و عصر  فلسفة الأنوار حيث وجد العالم الغربي نفسه ش بعد انهيار خطاب الكنيسة و نظام الحكم الفيودالي بدون خطاب جامع شامل، فأعتمد الدعوة إلى حرية التعبير و الديموقراطية، تحت شعار دعه يمر دعه يعمل، ساعيا بذلك إلى حصول تراكم فكري في كل المجالات قد يسمح بتأسيس خطاب بديل و نمط حكم يقوم على الديمقراطية النيابية و تجديد النخب السياسية. و فعلا حدث زخم و حماس و تنافس منقطع النظير أدى إلى ثورة ثقافية فكرية و علمية مطردة و فورة تكنولوجية تطبيقية أدت إلى تطور سريع و تراكم الاختراعات و الابتكارات في كل مجالات الحياة (  الصناعية و الفلاحية و العمرانية و  الاقتصادية و الاجتماعية و الطبية و الفنية و الأدبية، ...) .


 فشكلت الديمقراطية مرحلة متطورة مدهشة و مبهرة  في سلم تاريخ الأنظمة السياسية التي طبعت تاريخ الإنسانية في مجال الحكم و السلطة، مرحلة تحرر المجتمعات من آفة التحكم و التسلط الدكتاتوري بمباركة الكنيسة للقرون الوسطى المظلمة. غير أن نتائج الحربين  العالميتين  و ما ترتب عنهما من فوبيا صراع القوميات و الخوف من غزو محتمل من طرف الجار أو غيره أدى إلى تسابق و تنافس في التسلح و زخم الإنتاج الحربي و تطوير الأسلحة الفتاكة الشرسة لحماية الحدود الوطنية و تقوية قدرات الرد العسكري الحربي على أي تهديد مفترض .


مما جعل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تعتمد سياسة توسع مجالها الحيوي بعيدا عن جيرانها في أقصى الأراضي الشاسعة فيما وراء البحار بمختلف القارات  لضمان أمنها القومي و الجغرافي و استجلاب  المواد الأولية و المعادن و اليد العاملة الرخيصة من مستعمرات مجالها الحيوي لاستغلالها في أوراش البناء و الصناعات المتعددة و النشاط الفلاحي، ... فاستعمرت و استعبدت باسم رسالة الحداثة و مهمة التحديث ( تقليدا غير حقيقي لملاحم الفتح الإسلامي التي قامت على رسالة القرآن و الشريعة الإسلامية لتحرير الآنام من ظلمات الجهل و الكفر و الطغيان )  قامت  الدول الأوروبية باستعمار و استعباد و نهب بلادنا كثيرة في كل من إفريقيا و آسيا و أمريكا الجنوبية و الشرق الأوسط و أقامت فيها أنظمة ديكتاتورية تخدم استمراريتها و تصون مصالحها الاستعمارية و العنصرية. لتحقيق مستوى الرفاهة لشمال العالم على حساب جنوبه بتفقير و تبئيس شعوب المستعمرات و التضيق الممنهج على حرياتهم العامة و تكريس تخلفهم و جهلهم و اقتتالهم و استنزاف خيراتهم و تهجير أدمغتهم...


.  فكانت حصيلة البحث عن خطاب بديل أن انقسم العالم إلى خطابين مختلفين متظادين ( الشيوعية ضد الليبرالية )، فانقسم العالم تبعا لذلك إلى قطبين متصارعين إيديولوجيا (غربي بقيادة دولة الولايات المتحدة الأمريكية و آخر شرقي بقيادة دولة الاتحاد السوفياتي) فخلفت الحرب العالمية الثانية حربا باردة بين القطبين سادت العالم لفترة طويلة يطبعها التوجس و الحذر المتبادل و الخوف من اندلاع شرارة حرب نووية لا تبقي و لا تذر...



فتم بذلك الدخول في العصر المخابراتي  حيث تم  فتح المجال واسعا للأجهزة المخابراتبة عصب الحياة السياسية للدول بالتغلغل في هياكل سلطاتها الداخلية و مؤسساتها الخارجية و الدبلوماسية و في معظم مختبرات البحث العلمى و العسكري و الصناعي و العلمي و المجالات التجارية و الخدماتية، ... الأمر الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في تنزيل مبادئ الثورة الديموقراطية و قيمها الحقوقية و الإنسانية، فظلت مجرد شعارات باهتة و خطاب يستعمل فقط لتلميع الواجهات الانتخابية الدعائية و تبييض ممارسات السلطة الخفية/العفنة الضالعة في إخضاع الشعوب و تكميم أفواهها بتغلغلها في كل الوسائل المتاحة ( إعلام، إشهار، تعليم،  بيروقراطية إدارية و شرطة و قضاء، ... ) تحت يافطة التحرر الزائف و الانفتاح الوهمي مع تكريس قيم المجتمع الاستهلاكي الرأسمالي و ما يترتب عنه من تفسخ للقيم الأخلاقية و انحلال للعلاقات الاجتماعية،... لفائدة ترسيخ القيم المادية و المالية على وجه الخصوص. و من تمة صارت الديموقراطية لا تعكس ذلك النمط المثالي في ممارسة الحكم و السلطة الذي يحمي كرامة إلمواطنين و حقوقهم، كما أنها لا تبدو سوى مرحلة متطورة و ليست نهائية في سلم أنماط الأنظمة السساسية التي عرفها و سيعرفها التاريخ الإنساني، خصوصا في المرحلة الآنية التي يشهد فيها العالم تغيرات عميقة بعد القرار التاريخي ( قرار الشفافية السياسية و الإعلامية مع التغيير الاقتصادي و الإجتماعي / الكلاسنوست و البروسترويكا  لميخائيل كورباتشوف ) الذي أدى إلى سقوط جذار برلين سنة 1987 و بعده تفكك  الأتحاد السفياتي سنة 1991 و الذي أدى بدوره إلى:


1 -  نهاية الحرب الباردة

2 -  توقف العداء الأيديولوجي و العسكري المزمن الذي دام طويلا بين حلف الناتو و حلف وارسو

3 - نهاية دولة الأتحاد السوفياتي و اختفائها من الخريطة السياسية العالمية

4 - تحرر و استقلال دول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي

5 -  نهاية وجود حلف وارسو

6 -  تحول العالم إلى القطبية الواحدة تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية

7 - ظهور التحالفات الآقليمية بتوسع السوق الأوروبية و تحولها إلى الأتحاد الأوروبي بإلغاء الحدود البينية و توحيد العملة ( الأورو )  و تحرير مرور الإنسان و البضائع داخل الاتحاد .

إلا أنه من أكبر التغيرات المقبل فيما تشهده الساحة السياسية و الاقتصادية العالمية إلى جانب تطور الصناعات الإلكترونية و سرعة الاتصالات الهاتفية صوتا و صورة قد تتمثل في انتقال العالم إلى ما يمكن أن نطلق عليه تسمية عصر الانفجار المعلوماتي و الفورة الإلكترونية و المواصلات السريعة، نشهد ما يلي:

1 -  ميول الشعوب و الدول الإفريقية لتحرر من ربق مواثيق و شروط استقلالياتها الممنوحة التي انهكتها اقتصاديا و أخرتها سياسيا و فاقمت فقرها و جوعها و مرضها و اقتتالها من جهة و من جهة أخرى الوعي المطرد لشبابها بالهجرة إلى شمال العالم الانتفاع من خيرات بلدانهم المنهوبة من طرف الدول الأوروبية الاستعمارية و استرجاعها ما إمكان...

2- ظهور  ممؤشرات صراع اقتصادي قوي بين الصين و أمريكا و إرهاصات نشوء قطبية جديدة تهدد بانكسار هيمنة القطبية الواحدة الأمريكية الحالية و عملة الدولار، خصوصا مع توسع الحلف الاقتصادي العالمي الجديد (  BRICS  )  المتكون حاليا من خمسة اقتصاديات متنامية بقوة هي: ( البرازيل و روسيا و الهند و الصين و جنوب إفريقيا ) .

3 - استمرار الفوبيا العالمية من الإسلام .

4-  الإمعان و الإصرار الدولي في صهينة الصراع العربي اليهودي المزمن في منطقة غنية بالنفط  و مؤهلات تنمية شاملة عالمية .

. ختاما مازال العالم في انتظار نظام عالمي و نمط حكم سياسي جديد يتحقق معه في إطار  التعدالية الاقتصادية و الاجتماعية و الإنسية العالمية العدل و المساواة  والسلام الشمولي...


شعر:

 ذرّات الـنـاس و الـنـحاس
                      
نسائم الغزو تمهلََت أَطوارا
حاكت جحافل الجراد.. و التتارا
تآمرت سوءاً..
أنقاماً..
و أوْزارا
مالت عواصفُها زوبعت ديارا

نسائم الشمال في أرْض الورود
أضرمت شهابا في التين و الزيتون
عاتت نَهبا  في التراث و خرابا
و في وعود الهوى حلما سرابا

طافت رفارِفُ الـشمال هَباهِبا
إجتاحتْ مَواطِنَ الحب غِلابا
إحتلتْ قوما.. كتاباً.. و تُرابا 
مرّغَتْ في الوهْم قلوبا.. و شعوبا 
                             .                 
هاهي الأشواق رويدا تفاقمت ْ
حنينا.. حـديـدا.. و حجر
ذرّات الـثرى.. أصول الجنوب
كات رحلتْ غصبا صوب اللضباب
ركمات.. ركامات.. و ناطحات سحاب 

من أرض الغربة ذرات..
و آهات تُنادي خلايا بشر
شَوق يدعو حراشيفَ الجنوب
و راكب الموج ضد التيار يسافر
و أسراب الحنين قسرا تُهاجر
رَدُّ الجنوب لِهبوب الشمال
رحلة الشوق.. و الغبن.. و الحلول
من آت يعانق ماضي الأُصول
من جنوبيٍّ يعانق جنوبي الشمال
هجرة ماض و حاضر عليل 
هجرة الغبن إلى غد جميل
غُـصتُ هذا المكر الجميل أزْمانا
رأيت الموج حراكا دوائرا
يبادل أدواراً .. و أماكن 
و أحداثا قادت الإنسانَ قهرا
فصاغ وهما طغيانا.. و لم يدر
كَما تجري اللواقح و لا تدري



بقلم: علي تونسي

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 17 أكتوبر 2023

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic