بقلم: الدكتور خالد فتحي
سؤال: عملت في البرلمان المغربي لأكثر من ثلاثة عقود، مما أهلك لأن تكون خبيرًا بأعرافه وتاريخه. كيف تقيم تطور العمل في البرلمان خلال هذه السنوات؟
جواب: خلال فترة عملي بإدارة الفريق الاستقلالي كان أغلب النواب يقدرون أعمالي واجتهاداتي ونكراني للذات من أجل الرفع بالفريق، كان الاحترام سائدا بيننا على الدوام، لم يكونوا يتعالون علي، بل كانوا يتكلمون معي أو يناقشونني في أشياء أنا أصغر منها بكثير بحكم صفتي "شاوش"، فقد استفدت من أغلبهم أشياء كثيرة في حياتي، ولم يكونوا يعاملونني مثل المعاملة التي كانت تمارس في بعض الفرق النيابية الأخرى.
كنت أعمل وأجتهد بدون ملل طيلة حياتي الإدارية، حين كان يناقش أي موضوع بقاعة الجلسات كنت أتابعه بكل جوارحي وآخذ مكاني بمنصة الزائرين وعيناي لا تفارق نواب الفريق، أتابع باهتمام كل ما يدور داخل القاعة، وبسبب حبي وتعلقي للعمل والتفاني فيه ألاحظ أنهم يريدون شيئا ما، أقوم بسرعة البرق لأبحث عن نص معين أو ما يفي بالغرض، وأقدمه للعون المكلف بالخدمة داخل القاعة ليقدمه لأحدهم وأرجع إلى مكاني لأرى هل أصبت أم لا، بمجرد جلوسي أرى رئيس الفريق الأستاذ عبد الكريم غلاب أو النائب محمد الوفا وهما يرفعان لي إشارة الشكر والتشجيع.
كان داخل الفريق من يشجعني ويساندني ويقدم لي النصح، كما أنه هناك من يعتبرني إنسانا لا قيمة له بحكم مهمتي البسيطة، عبد ربه هذا إنسان بسيط لأقصى الحدود، وفي نفس الوقت مليء بالحركة والنشاط ومحب للعمل بشكل لا يمكن تصوره، لكن في بساطته تكمن قوته، هذه الصفات جعلت مجموعة من النواب يتعاملون معي ويشجعوني ويقدمون لي النصح، ومن جهتي كنت أحمل في طياتي ما يحمله كل نائب مخلص لهذا البلد، كما كنت أعتبر نفسي في خدمتهم ما داموا في خدمة الصالح العام.
لكن "ماشي القلة كلها عسل وسمن" كما يقال، بل كان هناك قلة من النواب الذين لم تكن تعجبهم الطريقة التي أعمل بها، فكانوا يقولون في غيابي: "هاذ الشاوش يجب أن يعرف حجمه الطبيعي".
سؤال: كيف أثرت التطورات العالمية، مثل العولمة والتقنيات الجديدة، على عمل البرلمان المغربي؟
جواب: تأثرت أعمال البرلمان المغربي بشكل كبير بالتطورات العالمية، مثل العولمة والتقنيات الجديدة، مما أدى إلى تغييرات في دوره وأدائه.
لقد أصبح البرلمان المغربي مطالبًا بمواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، بحيث ظهرت قضايا جديدة مثل تغير المناخ، الهجرة، والتجارة الدولية، التي تتطلب من البرلمان المغربي وضع سياسات تتماشى مع التزامات المغرب الدولية، كما دفعت العولمة البرلمان لمناقشة سياسات اقتصادية تجذب الاستثمارات الأجنبية وتدعم تنافسية الاقتصاد الوطني.
كما ساهمت التقنيات الرقمية في تحسين الشفافية وإشراك المواطنين من خلال بث الجلسات البرلمانية على الإنترنت وتوفير تقارير رقمية عن القوانين والنقاشات، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قناة مباشرة بين البرلمانيين والمواطنين، مما ساعد في تحسين التفاعل وفهم الاحتياجات الشعبية، بالإضافة إلى ذلك، أدت الرقمنة إلى تطوير العمل الإداري داخل البرلمان من خلال اعتماد نظم إلكترونية لإدارة الوثائق، التصويت، والجلسات.
فالبرلمان يواجه تحديًا في التكيف السريع مع وتيرة التغيرات العالمية، خاصة في قضايا التكنولوجيا والسياسات الاقتصادية، وهناك حاجة إلى تعزيز القدرات التقنية والقانونية للبرلمانيين لمواكبة التحولات المعقدة، لأن العولمة جعلت البرلمان مسؤولًا عن مراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية وضمان توافق السياسات المحلية مع الأطر العالمية.
إن أعمال البرلمان المغربي تأثرت بشكل إيجابي وسلبي بالعولمة والتقنيات الجديدة، مما دفعه إلى تبني أساليب حديثة للتشريع والرقابة، مع تحديات تفرض عليه تحسين الكفاءة والتكيف مع الواقع العالمي.
سؤال: كيف كانت علاقتك بالمشرعين الذين تعاملت معهم؟ وهل كانت هناك شخصيات تركت أثراً خاصاً فيك؟ ماذا عن أبرز وجوه حزب الاستقلال الذين عملت معهم خلال هاته الفترة؟
جواب: لقد عايشت لأكثر من 35 سنة منها 15 سنة بإدارة الفريق الاستقلالي، برلمانيين من الوزن الثقيل كانوا وطنيين بالمعنى الصحيح وأساتذة كبارا في الفقه الدستوري والنضال السياسي، فكانوا يبهرون الجميع بمداخلاتهم وتحليلاتهم السياسية، مستعملين عددا كبيرا من المصطلحات الدستورية والقانونية والسياسية التي كنت أسمع بها لأول مرة، وأنا الذي لم تتوفر لي الظروف للحصول على شواهد مدرسية ولا جامعية، بل جئت من عالم آخر، ألا وهو عالم "الخرازة" أي الصناعة التقليدية، فكانت تلك المصطلحات تدخل أذني ولا تفارقها أبدا لدرجة أنني كنت أدونها في كتيب صغير، وبعدها أسأل عن مغزاها السياسي حتى أستعملها إذا دعت الضرورة لذلك، ثم التجأت للتدريب على تقنيات الحاسوب الذي فتح أمامي آفاقا علمية وتعليمية واسعة جدا، باعتبار أن تسخير التكنولوجيا والعلم يشكل نافذة نطل منها على العالم أجمع، وهو ما جعلني أتوفر على آلية وفرت لي إمكانية الانفتاح على المعلومات الكفيلة بتعزيز هذا العمل.
"كانت مداخلات البرلمانيين في ذلك الوقت ممتعة، وكانت تجري على لسان زعماء كبار من طينة عبد كريم غلاب، وإدريس عبده المراكشي، ومحمد الوفا، وامحمد الخليفة، وعلي يعتة ومحمد بنسعيد آيت يدر، وعبد الواحد الراضي وفتح الله ولعلو... كان حين يتخل أحدهم، يكون الصمت هو السائد داخل قاعة البرلمان.
لقد عايشت ساسة كبارا وبرلمانيين أفذاذا استطعت بذكائي الفطري أن أنهل منهم وأحفظ عنهم مقالب السياسة ومنعرجاتها، فكما يتحدى الضرير عاهته، تحديت أميتي وأنا لم أحصل حتى على الشهادة الابتدائية.
سؤال: قدمت العديد من المبادرات التي ساهمت في تطوير عمل البرلمان، مثل إنشاء قسم للتصوير الفوتوغرافي وتسجيل جلسات البرلمان للتلفزيون. حدثنا عن نشأة هذا المشروع…
بوعي شعبي فريد تطورت في قلب مؤسسات الدولة عبر زوايا الزمن البرلماني على امتداد أكثر من 35 عاما، بحلوها ومرها، وبدأت في الإنتاج والعطاء تلو العطاء، كما انتصبت كنواة اقتراحيه وتقدمت بعدة أعمال واقتراحات كلها تتصل بالمؤسسة التشريعية، فقد كان مآل أغلب اقتراحاتي وأعمالي الموازية هو سلة المهملات، كما يفعلون بكل المقروءات، لدرجة سماني بعدها البعض ب "ميخالة"، لأنني جمعت كل ما وقع في طريقي كما هم دافعو العربات في شوارع مدننا كل مساء، ولقبني الآخرون بالفنان، ربما إدراكا منهم بهوايتي للمسرح في عنفوان شبابي، وكتب عني آخرون بالرجل العصامي الذي انبثق من الظل وسطع اسمه داخل البرلمان وخارجه، ولقبني آخرون بمفتي الذاكرة البرلمانية بسبب توافد الطلبة والباحثين على منزلي من أجل معلومة أو فتوى برلمانية، وهناك من أعطاني لقب الأسطورة بسبب تحويل معاناتي مع الحروب والدسائس، إلى انتصارات وألقاب، ولقبني البعض بالظاهرة نظرا لكوني لم أحصل على أي شهادة أو دبلوم وبدأت عملي في البرلمان كـ "شاوش" ثم صرت ذاكرة البرلمان بإصداري 30 كتابا، ومنهم من شبهني بأبي حيان التوحيدي لأنه تعلم القراءة والكتابة من خلال استنساخ الكتب، وكان يحلو للبعض أن يناديني بمؤرخ البرلمان، لأنني وثقت كل ما له علاقة بالمؤسسة التشريعية، ولقبتني الصحافة بذاكرة البرلمان، لأنها وجدت في ما أزودها به مادة دسمة تستحق النشر بصفحاتها الأولى، وقارنني آخرون بعباس محمود العقاد الذي لم يتعد مستواه الدراسي قسم الشهادة الابتدائية، والذي جعل حافز التحدي اسمه مخلدا ضمن قائمة الأدباء والمثقفين، وقال عني أحدهم: عبد الحي بنيس، رجل بألف حيث شبهني بالقعقاع ابن عمر التميمي، وشبهني آخر بالزمخشري الذي قال:
سَهَري لِتَنقيحِ العُلومِ أَلَذُّ لي مِن وَصلِ غانِيَةٍ وَطيبِ عِناقِ
وَأَلَذُّ مِن نَقرِ الفَتاةِ لِدَفِّها نَقري لِأُلقي الرَملَ عَن أَوراقي
وَتَمايُلي طَرَباً لِحَلِّ عَويصَةٍ في الدَرسِ أَشهى مِن مُدامَةِ ساقِ
وَأَبيتُ سَهرانَ الدُجى وَتَبِيتُهُ نَوماً وَتَبغي بَعدَ ذاكَ لِحاقي
لقد قدمت العديد من الإنجازات والاقتراحات طيلة مدة اشتغالي بالبرلمان منها على الخصوص:
إنجاز أول عمل توثيقي عن الأسئلة الشفهية والكتابية
إنجاز أول عمل توثيقي سنة 1979 عن الأسئلة الشفهية والكتابية المقدمة من قبل جميع النواب البرلمانيين للحكومة، حيث صنفت كل وزارة على حدة وعدد الأسئلة المقدمة لها، وكم من سؤال أجابت عنه، وكم من سؤال لم يجاب عنه، وكم عدد الأسئلة المقدمة من كل فريق نيابي.
إنجاز عمل توثيقي عن الفريق الاستقلالي
إنجاز كتاب توثيقي سنة 1982 حول "موقف الفريق الاستقلالي من قضية الوحدة الترابية"، فاقترحتها على نائب رئيس مجلس النواب الأستاذ إدريس عبده المراكشي الذي حبذ الفكرة، فقمت بإنجازه، وقام بتقديمه الأستاذ محمد العربي المساري مدير جريدة العلم وقتئذ.
إحداث قناة برلمانية
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب أحمد عصمان عن طريق مدير ديوانه أحمد بن الطالب عرضت فيها اقتراحا بإحداث قناة برلمانية يوم 24 نوفمبر 1984، وقد تمت إجابتي وقتئذ بطريقة شفوية وغير رسمية حيث وصف مشروعي في حينه بكونه مجرد حلم.
إحداث وحدة للتوثيق السمعي البصري بمجلس النواب
توجهت صباح يوم الاثنين 24 ديسمبر 1984 عند السيد محمد بن الطالب مدير ديوان السيد أحمد عصمان، وطرحت عليه الفكرة التي استحسنها وحبذها على الفور بحماس أكثر مما كنت أتصور، حيث قلت له: "إن حفظ الذاكرة البرلمانية، تعتبر من أهم مقومات العمل البرلماني، ولقد كان الإسهام في هذا الورش الهام من الأمور التي استبدت باهتمامي إلى حد الإيمان، ولقد راعني أن المؤسسة التشريعية لا تتوفر على وحدة للتوثيق السمعي البصري، لذا فقد اختمرت الفكرة في ذهني"، فطلب مني بن الطالب أن أدون محاور المشروع المذكور حالا لتقديمه لمكتب مجلس النواب من أجل المصادقة عليه، وعرضه على أنظار صاحب الجلالة الحسن الثاني، وتسليمه للمهندس المعماري "باكار" الذي سيقوم بعد نهاية الدورة النيابية بإعادة بناء وإصلاح مقر مجلس النواب.
كتبت المشروع بمساعدة النائب حسن الطريبق عضو الفريق الاستقلالي، وقدمت المشروع للسيد محمد بن الطالب يوم الخميس 27 دجنبر 1984 فدون عليه بقلم أحمر العبارة الآتية: "يقدم للمكتب من أجل المصادقة عليه". وبتاريخ 8 يناير 1985 صادق عليه مكتب مجلس النواب بالإجماع، وهو موجود في المجلد المتعلق باجتماعات المكتب لتلك الفترة، لدرجة أن نائب الرئيس وعضو المكتب المنتمي للفريق الاستقلالي محمد سعد العلمي لما انتهى اجتماع المكتب بالمصادقة على المشروع، استدعاني لمكتبه وقال لي: هل أنت من قدم مشرع إحداث وحدة التسجيل السمعي البصري؟ قلت له: نعم، فقال لي: لماذا قدمته باسمك؟ فبقيت ساكتا ولم أرد عليه.
وحين زار جلالة الملك الحسن الثاني مقر مجلس النواب بعد الانتهاء من الإصلاحات التي أدخلت عليه، خلال افتتاح دورة أبريل 1985 أعجب بتلك الوحدة كثيرا، ويكفيني فخرا أن هذه الوحدة التي من بنات أفكاري لا زالت قائمة إلى يومنا هذا، وهي مفخرة أعتز بها، وسيعتز بها غيري، فهي التي تصل اليوم هذه المؤسسة بخارجها.
استفادة موظفي مجلس النواب من الأوسمة الملكية
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب أحمد عصمان بتاريخ 20 أكتوبر 1986 من أجل استفادة موظفي المجلس من الأوسمة الملكية على غرار باقي موظفي الإدارات العمومية.
تأسيس جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي مجلس النواب
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب أحمد عصمان بتاريخ 16 غشت 1988 تتعلق بالترخيص ومد يد المساعدة من أجل تأسيس جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي مجلس النواب، وتخصيص جزء من ركن موقف السيارات الموجود خلف بناية المجلس كمقر قار للجمعية.
إحداث وحدة للتوثيق الفوتوغرافي بمجلس النواب
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي بتاريخ 26 يناير 1998 أقترح فيها إحداث وحدة للتوثيق الفوتوغرافي بالمجلس نظرا للأهمية التي يكتسيها التوثيق، وخاصة بالنسبة للمؤسسة التشريعية، حيث يعتبر رافدا مهما من روافد العمل الذي يضطلع به مجلس النواب، وكذلك لما تشكله الصورة الفوتوغرافية إلى جانب التوثيق المكتوب من أهمية بالغة وتجسيدها للأحداث والوقائع التي يحبل بها المجلس.
وبعد أن تم البحث عمن سيقوم بهذه المهمة، اقترح علي أن أقوم بها بنفسي، ورغم أنني لم أكن أتقن فن التصوير قبلت على الفور، فتقرر تعييني بمذكرة إدارية ممضاة من طرف رئيس مجلس النواب السيد عبد الواحد الراضي، أتكلف فيها بالتصوير الفوتوغرافي للأنشطة البرلمانية للمجلس ولرئاسته تحت إمرة مصالح الديوان، وهي المهمة التي قمت بها منذ ذلك الوقت حتى إحالتي على التقاعد.
طلب إحداث موقع إلكتروني لمجلس النواب
وجهت رسالة للسيد رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي عن طريق الكتابة الخاصة بتاريخ 2 غشت 1998 تتعلق بإحداث موقع إلكتروني للمجلس من أجل مواكبة التطور العالمي والحصول على المعلومات بالسرعة المطلوبة، خصوصا وأن المجلس له كنز من المستندات والوثائق التي لا تستغل كما يجب، وبإحداث هذا الموقع تصبح المعلومة سهلة المنال بين يدي الطلبة والمهتمين والباحثين، وقد تم تحقيق هذا المطلب بعد أربع سنوات.
ومنذ إنشاء هذا الموقع الإليكتروني الخاص بمجلس النواب وهو ينهل من مؤلفاتي بدون الإشارة إلى المرجع. فأنا بكل أسف ينطبق عني المثل الشعبي الذي يقول: "خيري ذكر واللي كلاه كينكر".
اقتراح إحداث مصلحة للصحافة والتوثيق بمجلس النواب
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب الأستاذ عبد الواحد الراضي في 4 مايو 1999 حول اقتراح إحداث مصلحة للصحافة والتوثيق بالمجلس، نظرا لأهمية العمل الإعلامي والتوثيقي في ترويج ونشر المنتوج العملي لأية مؤسسة، خصوصا وأن المؤسسة التشريعية تتوفر على ذخيرة هامة من الوثائق والمستندات، إضافة إلى قصاصات الجرائد والمجلات والمطبوعات.
اقتراح إصدار كتب توثق لأعمال البرلمان وتقديمها لصاحب الجلالة
إلى حدود الفترة التي ترأس فيها عبد الواحد الراضي مجلس النواب خلال الولاية التشريعية السادسة 1997/2002 لم يكن مجلس النواب يصدر كتبا باستثناء الحصيلة التشريعية، وبعض الكتب القليلة جدا، وكانت تهيئ من قبل بعض الأساتذة الجامعيين بمقابل مبلغ 30 أو 40 ألف درهم كتعويض، فاقترحت على رئيس المجلس السيد الراضي سنة 2001 بحكم اشتغالي بجانبه كي يعمل المجلس على إصدار بعض الكتب التي توثق للمؤسسة التشريعية، كما ذكرته بالمناسبة بما صرح به الأستاذ أحمد عصمان لجريدة الأحداث المغربية يوم 29 أكتوبر 1999، والذي قال فيه: لقد تأسفت على الظروف التي لم تساعدني على إعداد مطبوع يستعرض حصيلة كل التجارب الديمقراطية بما فيها تجربة المجلس الوطني الاستشاري. وصرح للجريدة بأن جلالة الملك الحسن الثاني كان قد استحسن فكرة إنجاز هذه الوثيقة واعتبارها أمرا ضروريا لأن تجربة ذلك المجلس، كانت إيجابية.
وقلت له لماذا لا يصدر المجلس كتبا توثق لأعمال المؤسسة التشريعية وتقديمها لصاحب الجلالة عند افتتاح كل ولاية تشريعية، وحين اقتنع الراضي بمزايا الفكرة، قدم الاقتراح إلى مكتب مجلس النواب صبيحة يوم الأربعاء 16 يناير 2002 حيث خصص الاجتماع للتداول في إعداد الكتب التي قرر مكتب مجلس النواب طبعها تحت عنوان "ذاكرة البرلمان المغربي" تحت رئاسة الخليفة الخامس للرئيس عبد العزيز المسيوي وعضوية السادة محمد محب رئيس ديوان رئيس المجلس ومحمد أفراح ومحمد الدوخة ومصطفى السابكي وعيسى العربي وحسن عجول وعبد الحي بنيس، وبدأت اللجنة اجتماعاتها من يوم الأربعاء 16 يناير إلى 12 فبراير 2002، وفي اجتماع مكتب المجلس بتاريخ 13 فبراير 2002، صادق بالإجماع على عناوين الكتب الإثني عشر التي اشتغلنا عليها، وبعد عملية الطبع استقبل جلالة الملك محمد السادس أعضاء مكتب مجلس النواب بقاعة العرش بالقصر الملكي في الرباط يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2002، وقدم خلالها لصاحب الجلالة عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب الكتب التي أنجزت من قبلنا، والتي لم نتلق عليها لا شكرا ولا تعويضا ولو بدرهم واحد، لقد حز في نفسي كثيرا أنني ناضلت من أجل هذه الفكرة، وحين خرجت للوجود، لم يتم أي تنويه أو تشجيع ولو بإهدائي حتى نسخة من تلك الأعمال، لكن يكفيني افتخارا أن اقتراحي هذا أصبح تقليدا منذ أكتوبر سنة 2003 بالنسبة لمجلس النواب، الشيء الذي جعل مجلس المستشارين يقوم بنفس الشيء، وبعد ذلك سارت على نفس النهج وزارة العلاقات مع البرلمان.
تخصيص فضاء بالمجلس توضع فيه صور الرؤساء السابقين
بعثت مراسلة للسيد رئيس المجلس بواسطة السيد عبد العزيز المسيوي عضو المكتب بتاريخ 2 يناير 2002 تتعلق بتخصيص فضاء بالمجلس يعرض فيه صور الرؤساء السابقين لمجلس النواب، فتمت الموافقة على الفكرة، وطلب مني أن أبحث عن الصور، فقمت بالبحث في أماكن عدة وأنجزت الفكرة مع تكبير حجم الصور ووضعهم في إطارات، وخصص الجناح المؤدي لقاعة الجلسات لعرضها، لكن بعد ثلاثة أيام تمت إزالة تلك الصور من مكانها.
اقتراح إنجاز قرص مضغوط يتضمن لمحة تاريخية عن البرلمان المغربي
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي عن طريق مكتب الضبط تحت رقم: 551/04، بتاريخ 23 مارس 2004 تحتوي على عدة اقتراحات ذات الصلة بموضوع التوثيق والتعريف بالمؤسسة البرلمانية، وذلك بإنجاز قرص مضغوط بالصوت والصورة مدته 20 دقيقة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية يتضمن لمحة تاريخية عن البرلمان المغربي منذ تأسيسه سنة 1963، والتطورات التي عرفتها الممارسة البرلمانية بالمغرب، وتخصيص فضاء تعلق فيه صور رؤساء البرلمانات السابقة، وإحداث دفتر ذهبي لتدوين ارتسامات الزوار من الداخل والخارج.
نقائص وثغرات بالموقع الإلكتروني الرسمي لمجلس النواب
تقدمت برسالة للسيد رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي يوم 30 نوفمبر 2006 حول الوقوف على عدة نقائص وثغرات بالموقع الإلكتروني الرسمي لمجلس النواب، ويتجلى ذلك في نقص في الخطب الملكية عند افتتاحات دورات المجلس، ونقص في عدد الرسائل الملكية الموجهة إلى البرلمان، وعدم تحيين القوانين التنظيمية حسب التعديلات التي أدخلت عليها، وتكرار بعض النصوص كالنظام الداخلي للمجلس، وأشياء أخرى.
اقتراح تهيئة فضاء المرأة البرلمانية المغربية
تقدمت برسالة للسيد مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب بتاريخ 13 مايو 2008 حول اقتراح يرمي إلى تهيئة الفضاء المتواجد بجانب القاعة المغربية وتسميتها باسم فضاء المرأة البرلمانية المغربية.
تنظيم الحقل الصحافي بمجلس النواب
تقدمت برسالة للسيد مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب بتاريخ 20 مايو 2008 حول تنظيم الحقل الصحافي المعتمد بمجلس النواب، وذلك من أجل التعرف على عطاء كل صحافي على حدة، والتعرف على المقالات المنشورة حول مجلس النواب، وتقييم العمل بعد كل دورة على حدة، كما يجب تجميع كل ما نشر عن المؤسسة التشريعية لإغناء ذاكرة المجلس.
أخطاء بالجملة في الموقع الإلكتروني الرسمي لمجلس النواب
تقدمت برسالة ثالثة للسيد رئيس مجلس النواب الأستاذ عبد الواحد الراضي بتاريخ 23 غشت 2011 تتعلق بعدة ملاحظات حول الموقع الالكتروني لمجلس النواب كعدم إدراج جميع الخطب الملكية وعدم ضبط بعض تواريخها وصفحة الرؤساء السابقين بها خطأ يتجلى في اسم الأستاذ عبد الكريم غلاب رئيس مجلس النواب للولاية التشريعية الأولى 1963 والصحيح هو السيد عبد الكريم الخطيب.
اقتراح إنجاز معجم للمصطلحات البرلمانية
تقدمت برسالة للسيد نجيب الخدي، الكاتب العام لمجلس النواب بتاريخ 3 سبتمبر 2011 تتعلق باقتراح إنجاز معجم للمصطلحات البرلمانية، وذلك في إطار التحضير للدخول النيابي المقبل، ويتضمن هذا المعجم أهم المصطلحات المستعملة في الممارسة النيابية مع شرح كل مصطلح على أساس أن يتم تضمينه في قرص مدمج.
الاهتمام بالبحوث الجامعية المتعلقة بالبرلمان
تقدمت برسالة لرئيس مجلس النواب كريم غلاب عن طريق مكتب الضبط بتاريخ 20 أبريل 2012 تتعلق باقتراح مراسلة السيد وزير التعليم العالي قصد اتخاذ التدابير الممكنة لتزويد مجلس النواب بأهم الرسائل والبحوث الجامعية ذات العلاقة بالبرلمان بصفة عامة، حيث أن هذه الرسائل والبحوث ستكون بكل تأكيد حبلى بالمعلومات والدراسات المقارنة والاجتهادات المفيدة للبرلمانيين والدارسين والباحثين.
سؤال: شغفك بتاريخ البرلمان المغربي دفعك إلى توثيقه ونشره. ما هي أهمية الرصيد الفني والوثائقي للبرلمان في الحفاظ على الذاكرة المؤسسية؟
الرصيد الفني والوثائقي للبرلمان المغربي يعدّ أداة أساسية للحفاظ على الذاكرة المؤسسية وتوثيق تاريخ المؤسسة التشريعية ودورها في تطور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
وتكمن أهميته في توثيق التاريخ التشريعي الذي يحتفظ بجميع النصوص التشريعية، المناقشات البرلمانية، والمداولات التي ساهمت في تشكيل الإطار القانوني والتنظيمي للمملكة.
ويُبرز هذا الرصيد تطور البرلمان المغربي عبر الزمن بالحفاظ على الهوية المؤسسية بدءاً من تأسيسه وحتى اليوم، مما يسهم في فهم دوره كمؤسسة ديمقراطية تعكس إرادة الشعب.
كما يُعتبر هذا التوثيق مصدراً قيّماً للباحثين والمؤرخين لدراسة التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد من خلال النصوص والوثائق المتاحة، ومن خلال حفظ هذه الوثائق، يمكن للأجيال المستقبلية الاطلاع على دور البرلمان في صياغة تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما يُتيح هذا الرصيد للمواطنين ووسائل الإعلام والمجتمع المدني الاطلاع على أعمال البرلمان، مما يعزز من شفافية عمل المؤسسة ويكرّس مبدأ المساءلة. فإذا احتوى هذا الرصيد على عناصر فنية، كالأفلام الوثائقية والصور، فإنه يساهم في تسليط الضوء على الجوانب الثقافية والفنية المرتبطة بالبرلمان، مما يعكس ثراء الحياة البرلمانية في المغرب، ويشكل أداة استراتيجية للحفاظ على الذاكرة الجماعية وضمان استمرارية العمل المؤسسي بما يخدم تطور النظام الديمقراطي في المغرب.
سؤال: ما هي العناصر الأساسية التي يتكون منها هذا الرصيد (وثائق، تسجيلات، أرشيف...)؟
الرصيد الوثائقي للبرلمان المغربي يتكون من مجموعة من العناصر الأساسية التي تعكس نشاط المؤسسة التشريعية وتاريخها. وهذا الرصيد يشمل الوثائق الرسمية، النصوص القانونية، المحاضر، والمواد البصرية والأرشيفية التي توثق مراحل تطور البرلمان ودوره في الحياة السياسية من خلال الوثائق التشريعية، كمشاريع القوانين والمقترحات التي تمت مناقشتها وإقرارها في البرلمان، والنصوص التنظيمية، والقوانين المصادق عليها: التي تمت المصادقة عليها منذ تأسيس البرلمان، ومحاضر الجلسات العامة: تسجيلات مكتوبة أو صوتية لجلسات البرلمان التي تشمل المناقشات والتصويتات، ومحاضر اجتماعات اللجان، والأسئلة الشفوية والكتابية البرلمانية وأجوبة الحكومة حول القضايا الوطنية والمحلية مع الإجابات الرسمية، ثم التقارير التي تُصدرها اللجان البرلمانية بعد دراسة مشاريع القوانين، والتي تتضمن ملاحظاتها وتوصياتها، والمراسلات الرسمية بين البرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى أو الهيئات الدولية، والوثائق الإدارية المتعلقة بتسيير البرلمان وإدارته، بالإضافة إلى النسخ الرسمية للدساتير التي تعاقبت على المغرب ودورها في تشكيل البرلمان، وتوثيق الأحداث الوطنية التي لعب فيها البرلمان دوراً محورياً، ووثائق تأسيس البرلمان منذ أول تجربة برلمانية مغربية في سنة 1963 من القرن الماضي، زيادة على ذلك تسجيلات فيديو وصوت لجلسات البرلمان، والصور الفوتوغرافية التي توثق مراحل تاريخية هامة للبرلمان، ثم الوثائق المتعلقة بالعلاقات البرلمانية الدولية، مثل مذكرات التعاون مع برلمانات أخرى أو منظمات دولية، ومشاركات البرلمانيين في المؤتمرات والندوات الدولية، والنشرات الدورية التي توضح أنشطة البرلمان والتطورات التشريعية، بالإضافة إلى المقالات الصحفية والتقارير الإعلامية المتعلقة بالبرلمان، والوثائق الرقمية المنشورة على المواقع الإلكترونية للبرلمان.
فالرصيد الوثائقي للبرلمان المغربي يعكس غنى وتنوع العمل التشريعي والرقابي والدبلوماسي، ويشكل قاعدة أساسية للحفاظ على الذاكرة المؤسسية ودعم البحث العلمي وتعزيز الشفافية في العمل البرلماني.
سؤال: ما هي التحديات المستقبلية التي قد تواجه صيانة هذا الرصيد الوثائقي للبرلمان على المدى الطويل؟
صيانة الرصيد الوثائقي للبرلمان المغربي على المدى الطويل تواجه مجموعة من التحديات المرتبطة بالتطور التكنولوجي، فالبرلمان في حاجة إلى رقمنة الأرشيف الورقي الضخم الذي يتطلب موارد تقنية كبيرة وبرمجيات متطورة لضمان الحفظ الآمن والبحث السريع، وقد تصبح أنظمة حفظ البيانات الحالية قديمة، مما يستدعي تحديث مستمر للأدوات والتقنيات المستخدمة، لأن عدم وجود خطط محكمة للنسخ الاحتياطي قد يؤدي إلى ضياع الرصيد الوثائقي في حال حدوث كوارث طبيعية أو أعطال تقنية، وقد تكون هناك حاجة إلى قوانين وإجراءات تنظيمية متطورة تحمي الرصيد الوثائقي من العبث أو الضياع وتحدد معايير الحفظ والإتاحة، فصيانة الرصيد الوثائقي تتطلب خبراء مؤهلين في الأرشفة، التكنولوجيا، والقانون، وهو ما قد يشكل عائقاً في حال نقص هذه الكفاءات، وغياب برامج تكوين مستمرة للموظفين المعنيين بالأرشيف قد يؤدي إلى فجوات في المهارات والخبرات، فالأرشيف الورقي يواجه خطر التلف بفعل الزمن أو الكوارث، فالحفاظ على الرصيد الوثائقي للبرلمان المغربي يتطلب نهجاً شاملاً يجمع بين التكنولوجيا، الموارد البشرية المؤهلة، والإطار القانوني لضمان استدامة هذه الذاكرة المؤسسية المهمة.
سؤال: كيف ترون مستقبل البرلمان المغربي؟ وما هي التغييرات التي تتوقعونها في السنوات القادمة؟
جواب: مستقبل البرلمان المغربي مرهون بعدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى التحولات الإقليمية والدولية التي تؤثر في تطور الديمقراطية والمؤسسات التشريعية.
ففي نظري المتواضع يجب الاستعداد للتغييرات المحتملة والتوقعات المتعلقة بالبرلمان المغربي في السنوات القادمة، حيث أنه من المتوقع أن يشهد البرلمان المغربي تطوراً في دوره كسلطة تشريعية ورقابية، من خلال: زيادة استقلاليته عن السلطة التنفيذية، وتعزيز دوره الرقابي على الحكومة من خلال لجان دائمة أكثر فاعلية وتقارير دورية، وتكثيف التشريعات المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
كما يجب على البرلمان أن يعتمد على البرلمان الإلكتروني لتيسير العمليات التشريعية ومشاركة المواطنين من خلال المنصات الرقمية، وتعزيز الشفافية عبر نشر البيانات التشريعية وجلسات المناقشات بشكل مباشر ومفتوح للجميع.
فالبرلمان تطور بشكل كبير من مؤسسة ذات دور محدود إلى مؤسسة ذات صلاحيات موسعة تمثل ركيزة أساسية للنظام الديمقراطي في المغرب، وهذا التطور يعكس إرادة المملكة في تعزيز الديمقراطية والحكامة الجيدة.
لأن الدور الحقيقي للبرلمان المغربي هو تمثيل إرادة الشعب عبر التشريع، مراقبة الحكومة، والدفاع عن مصالح المواطنين. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الدور بشكل كامل يعتمد على تفعيل الصلاحيات الممنوحة له وتطوير أداء النواب، وزيادة وعي المواطنين بالمشاركة السياسية.
فمن المرجح أن يلعب البرلمان دوراً أكبر في إشراك المواطنين والمجتمع المدني في عملية صنع القرار عبر استشارات عامة أو جلسات استماع موجهة، وتوسيع الحوار مع الجمعيات والنقابات حول القضايا الوطنية والمحلية.
ومع تطور الوعي السياسي، قد نشهد تمثيلاً أكثر تنوعاً في البرلمان، سواء من حيث النوع الاجتماعي أو الفئات العمرية أو الخلفيات المهنية، بالإضافة إلى تعزيز حضور الشباب والنساء في المشهد البرلماني.
وقد تتطلب التحديات المستقبلية مراجعة بعض القوانين المتعلقة بالنظام الانتخابي أو توزيع الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز دور البرلمان في سن السياسات الكبرى ومراقبة تنفيذها.
كما قد يلعب البرلمان دوراً أكبر بواسطة الدبلوماسية البرلمانية في تعزيز مكانة المغرب إقليمياً ودولياً من خلال الشراكات والاتفاقيات مع برلمانات الدول الأخرى.
ومن أجل ذلك، يجب تحسين أداء البرلمانيين من خلال تعزيز التكوين والتدريب المستمر، ورفع كفاءة العمل داخل اللجان وتطوير آليات اتخاذ القرار، وذلك بعد استمرار التوتر بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وضرورة تحقيق توازن بين الإصلاحات السياسية والتنموية مع تطلعات المواطنين، وتجاوز مشكلات مثل العزوف السياسي وضعف المشاركة الشعبية.
فمستقبل البرلمان المغربي يعتمد على الإرادة السياسية، في تفعيل الأدوار الدستورية، وإشراك المواطنين بشكل أوسع لضمان تطوير الديمقراطية وتحقيق التنمية الشاملة.
سؤال: ألفت العديد من الكتب والمؤلفات التي توثق تاريخ البرلمان المغربي، وتعتبر مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بالشأن السياسي. ما هو الدافع الذي دفعك إلى توثيق تاريخ البرلمان المغربي بمثل هذه التفاصيل؟
الذي دفعني إلى توثيق تاريخ البرلمان المغربي مجموعة من الدوافع الشخصية والمهنية والوطنية التي ترتبط بأهمية الحفاظ على ذاكرة المؤسسة التشريعية المغربية، ويمكن تلخيص هذه الدوافع كالتالي:
أولا: الحفاظ على الذاكرة الوطنية لضمان الحفاظ على إرثه ودوره في بناء الدولة المغربية الحديثة، خاصة في ظل التطورات السياسية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال.
ثانيا: إبراز أهمية المؤسسة التشريعية من خلال العمل البرلماني كمؤسسة دستورية محورية، وسعى إلى إبراز دوره عبر مختلف المحطات التاريخية.
ثالثا: سد الفجوة المعرفية في غياب التوثيق المنهجي لتاريخ البرلمان، مما جعلني أسعى لسد هذه الفجوة من خلال جمع الوثائق والمعلومات ذات الصلة وتقديمها للأجيال القادمة وللباحثين.
رابعا: لأن التوثيق الدقيق لتاريخ البرلمان يعتبر جزءاً من تعزيز الشفافية، حيث يتيح للمواطنين فهم آليات العمل التشريعي ودور البرلمان في تطور القوانين والسياسات.
خامسا: كان هدفي أن يكون هذا التوثيق تشجيعا للبحث العلمي، ومرجعاً للباحثين والمهتمين بالدراسات البرلمانية والسياسية، مما يساعد في تسليط الضوء على تطور الديمقراطية في المغرب.
سادسا: من خلال التجربة المهنية الشخصية لعملي داخل البرلمان المغربي، كانت لي فرصة للاطلاع على تفاصيل دقيقة عن عمل المؤسسة، ما جعلني أشعر بمسؤولية توثيق هذه التجربة ونقلها.
سابعا: أدركت أن تطور أي مؤسسة لا يمكن فهمه بدون الرجوع إلى جذورها التاريخية، ولذلك سعيت لتوثيق كل ما يتعلق بالبرلمان من قوانين، نقاشات، وأحداث رئيسية تؤطر عمله.
ثامنا: كان توثيق تاريخ البرلمان بمثابة تعبير عن وطنيتي ورغبتي في خدمة بلدي من خلال حفظ ذاكرة إحدى أهم المؤسسات الدستورية، والتي تعكس رؤية بعيدة المدى للحفاظ على هذا الإرث المؤسسي وضمان استمراريته كجزء من الهوية الوطنية المغربية.
سؤال: سنة 2024 قدمت للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كتاب بعنوان "الأمازيغية في التشريع المغربي من سنة 1913 إلى 2020". كيف ترى تطور التعامل مع القضية الأمازيغية داخل البرلمان المغربي؟
جواب: القضية الأمازيغية داخل البرلمان المغربي شهدت تطوراً ملحوظاً عبر العقود، مما يعكس التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشها المغرب.
ففي العقود الأولى بعد الاستقلال (1956-1990)، كان التعامل مع القضية الأمازيغية محدوداً، حيث هيمنت الرؤية الأحادية للهوية الوطنية التي ركّزت على العروبة والإسلام، ولم تكن اللغة والثقافة الأمازيغية تُعتبر من القضايا السياسية أو التشريعية، وتم تجاهلها إلى حد كبير في البرلمان وفي السياسات العمومية، واقتصرت الإشارات إلى الأمازيغية على السياقات الثقافية والتراثية دون اعتراف دستوري أو قانوني.
مع بداية التسعينيات، بدأت القضية الأمازيغية تُطرح بشكل أكثر وضوحاً في النقاش السياسي، خاصة مع تزايد مطالب الحركة الأمازيغية، وفي البرلمان، ظهرت أولى المناقشات حول الأمازيغية كجزء من الهوية المغربية المتعددة، مدفوعة بضغط الجمعيات والمجتمع المدني، حيث شهدت هذه المرحلة إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (2001)، الذي كان بمثابة خطوة أولى نحو إدماج الأمازيغية في الحياة العامة، ومن خلال الاعتراف الدستوري جاء دستور 2011 الذي كان محطة تاريخية في التعامل مع القضية الأمازيغية، حيث تم الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، وهذا التحول انعكس داخل البرلمان، حيث أصبح من اللازم العمل على إصدار قوانين تنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أصبحت المناقشات البرلمانية أكثر تركيزاً على قضايا محددة، مثل إدماج الأمازيغية في التعليم والإدارة العمومية.
إن تطور التعامل مع القضية الأمازيغية في البرلمان المغربي يعكس تطوراً عاماً في المشهد السياسي والاجتماعي للمغرب، حيث أصبحت الأمازيغية جزءاً أساسياً من النقاش الوطني حول الهوية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
سؤال: ما هو الأثر الذي تأمل أن تحدثه مؤلفاتك على الباحثين والسياسيين والأجيال القادمة؟
جواب: من خلال مؤلفاتي التي توثق تاريخ البرلمان المغربي، أهدف إلى إحداث أثر عميق ومستدام على الباحثين، السياسيين، والأجيال القادمة، في توجيه الباحثين نحو دراسة معمقة لتاريخ المغرب السياسي، وتوفير مراجع علمية موثوقة تشكل قاعدة بيانات شاملة للباحثين المهتمين بالدراسات البرلمانية والتاريخ السياسي.
كما أشجيع التحليل النقدي بفتح الباب أمام الباحثين لتحليل تطور المؤسسات التشريعية في المغرب ومقارنتها مع تجارب دول أخرى، وتحفيز البحث حول الهوية الوطنية، لأن أعمالي تساعد في تسليط الضوء على دور البرلمان في تشكيل الهوية الوطنية المغربية متعددة الأبعاد، وتمكين السياسيين من الاستفادة من التجارب السابقة، كما أهدف إلى تمكين السياسيين من استيعاب أخطاء وتجارب الماضي لتحسين أدائهم وتطوير العمل البرلماني، وتعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال توثيق الأحداث البرلمانية، والاطلاع على كيفية تطور القوانين والتشريعات وتطوير العمل السياسي بما يخدم الصالح العام. فمؤلفاتي تدفع السياسيين لفهم أعمق لدور البرلمان كأداة للتغيير والتنمية، ما يساعدهم في اتخاذ قرارات مستنيرة، وإلهام الأجيال القادمة بأهمية البرلمان كركيزة من ركائز الديمقراطية، وذلك بالحفاظ على الذاكرة الوطنية، وتوثيق مسار البرلمان المغربي يضمن بقاء هذا التاريخ حياً للأجيال القادمة، وتعزيز الهوية الديمقراطية، من خلال إبراز دور البرلمان في ترسيخ قيم الديمقراطية، الذي يجب أن يعمل على تثبيت هذه القيم كجزء من الوعي الجماعي، كما أسعى لمواجهة النسيان، ضمان عدم طمس مراحل هامة من التاريخ السياسي المغربي.
فمن خلال توثيقي الدقيق والشامل لتاريخ البرلمان المغربي، الذي يعتبر دليل عملي ودروساً وعِبَراً من الماضي، وبناء جسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، بهدف تعزيز الوعي السياسي، وتحفيز العمل المشترك بين الباحثين والسياسيين والأجيال القادمة لبناء مستقبل أفضل للمغرب، كما يساعد البرلمانيين الحاليين والمستقبليين على تطوير أدائهم التشريعي والرقابي، ويساعد السياسيين وصناع القرار على فهم تأثير التطورات الاجتماعية والسياسية على عمل البرلمان، كما قد تلهم جامعات ومراكز بحثية لتأسيس تخصصات ودراسات معمقة حول البرلمان والمؤسسات التشريعية المغربية، والمساهمة في تطوير العمل البرلماني مستقبلاً.