مريم التيجي
ماهي إلا لحظات حتى دخلت " الطيابة " وهي تصفق وتخبرنا : بيت .. بيت .. المغاربة شجلو بيت..
صرخت كل النسوة بصوت واحد، وعلا الصفير من الغرفة الوسطى ..
أجلت نظري فيهن ، بينما كانت جارتي التي تجلس عن يميني ، تمسح الصابون عن وجهها، وتبعده عن عينيها وهي تصرخ : الله يعاونهم مساكن..
عاد الصمت دون هدوء للحظات أخرى ، لكن الانتباه كان مشدودا لمدخل الحمام، وكلما دخلت وافدة جديدة ، كان يتعالى السؤال : أمضرا ؟
لم تتأخر " الطيابة" كثيرا ، وعادت تزف خبر الهدف الثاني وهي تلف نصف جسمها بفوطة كبيرة ، وتصرخ بفرح ..
من وسط البخار المتصاعد ، والذي يكاد يحجب ملامح الوجوه تعالت الأهازيج : صلاااا و سلاااام على رسول الله.. يلا جاه يلا جاه سيدنا محمد.. الله معاااا الجاه العالي ...
وتعالت الزغاريد بعد ذلك ..
غادرت المبشرة ، وتركت وراءها صخب ، لم يقطعه الا صراخ طفلة على جدتها التي اصطحبتها معها إلى الحمام ، ولومها لها لأنها تأخرت كثيرا ، وقالت بغضب : بغيت نرجع دابا للدار باش نتفرج ف الماتش ..
ظلت الجدة تهدؤها وتقول لها : " راه غادي يعاودوه ، والله حتى غادي يعاودوه وتفرجي فيه.. "
الطفلة تبكي : لا ما غاديش يعاودوه ..
فتحت " الطيابة " باب الحمام من جديد ، مطت شفتيها تعبيرا عن الأسف .. ساد الصمت ، قالت دون أن تسأل :ماركاو علينا بيت ..
هدأت أهازيج الفرح ، سكتت الطفلة وتخلت عن رغبتها مؤقتا ..
انهمكت كل واحدة في طقوسها . .كسرت الصمت امرأة لم يعجبها هذا الاهتمام حتى في الحمام بالكرة..
لم أسمع جيدا كل ما كانت تقوله بسبب حركة الماء ، لكن تطايرت كلمات إلى مسامعي ، فهمت من خلالها وجهة نظرها : سمعت عبارة 17مليار...كروش الحرام ...
إجابتها امرأة أخرى كانت تغطي جسمها بطبقة من الحناء و الخزامى التي فاحت رائحتها حولي : تخيلي يكون عندك ولد ، ما كيسولش عليك ، وما كيديهاش فيك ، ولكن يلا سمعتي زاد عندو شي وليد غادي تطيري بالفرحة .. ايوا هاكداك حنا مع المغريب ..
زفت وافدة خبر الهدف الثالث ، لكن ما كادت تتعالى الزغاريد من جديد حتى دفعت " الطيابة " الباب مصححة : لا راه ما حسبوهش ليهم ..
عادت الطفلة ترفس برجليها محتجة : بغيت نخرج دابا نتفرج..
وعادت جدتها تطمئنها : والله حتى غادي يعاودوه الليلة..
سألت شابة من وراء شعرها المنسدل على وجهها : بلجيكا شنو دارو؟
جاءها الجواب من مكان ما : انت مع المغرب ولا مع بلجيكا؟
أغلقت الشابة صنبور الماء لتشرح علاقة نتيجة بلجيكا مع المغرب ، لكن لا يبدو أن أحدا فهم شيئا مما كانت تقول .. فقالت لها جارتي بنبرة مازحة : ملي قلبك على بلجيكا ، علاش جيتي للحمام، بقاي تفرجي فيها..
خرجت قبل أن ينتهي الحوار ، وفي الاستراحة لففت كامل جسمي بفوطة ، و وجدتني اتابع عاملات الحمام ، وهن يغرسن رؤوسهن في شاشة صغيرة ، وبين الفينة والأخرى اسمع " هاكاك.. هاكاك.. سير.. آي ياي ياي.."
رفعت إحداهن رأسها َخاطبتني : مساكن دايرين كتر من جهدهم..
تبادلنا ابتسامة رضى..
لبست ملابسي ، وغادرت قبل نهاية المباراة ، كنت أتمنى أن أبقى إلى النهاية فقط لاستمتع بهذا الجمهور الفري .
لبست ملابسي ، وغادرت قبل نهاية المباراة ، كنت أتمنى أن أبقى إلى النهاية فقط لاستمتع بهذا الجمهور الفري .