كتاب الرأي

الديموقراطية مدنية أم قبلية؟!!!


عندما نتأمل مفهوم الديموقاطية و صيروراتها التاريخية نجد أنفسنا أمام ديموقراطيات متعددة و متنوعة تبعا لاختلاف خصوصيات ظروف نشأتها و مهدها الثقافي.
فخلافا للديموقراطية الأثينية ( نسبة لمدينة آثينة الإغريقية ) و التي ليس مسموحا فيها لأبناء الطبقات الشعبية ( فلاحين و صناع و عمال و جيش و عبيد ) من غير الأسياد ( النبلاء ) بممارسة السياسة، نجد الديموقراطية الأروبية المعاصرة بما لها و عليها، منذ نشأت إرهاصاتها الأولى مع الفكر الاجتماعي و انبثاف مفاهيم الدولة و العقد الاجتماعي و العلمانية و الحريات الفردية و الجماعية و حقوق الإنسان التي ترتب عنها ضحد حفوق اللاهوت و تقديس رمزية بنيات الحكم و السلطة التي كانت تتجسد في شخص القيصر و بابا الكنيسة الكاثوليكية و النبلاء أو ما يسمى بنظام الحكم الفيودالي في العصور الوسطى المظلمة.



بقلم: علي تونسي

الديموقراطية مدنية أم قبلية؟!!!
 و فد تمت نشأت تلك الإرهاصات الاولى للدموقراطية الأوروبية المعاثرة كما سبق القول خلال  عصر النهضة ما بين أواخر القرن الخامس عشر بدأ انطلاقه من إيطاليا  إلى أن عم أوروبا الغرببة بأكملها في القرن السابع عشر، حيث سيتم الانتقال خلال القرن الثامن عشر إلى فلسفة الأنوار. كما أن هذه الإرهاصات الأولى للديموقراطية الأوروبية ذات البعد المجتمعي المدني و الشعبي ستزداد نشأة  في مهد الثورة الصناعية التي أنتجت بنيات المجتمع الاستهلاكي المادي و فلسفته الوضعية  بما استتبع ذلك من تركيز قوي على أيديولوجية  العلمانية و فصل الدين عن السلطة و تقديس الحريات الفردية و حقوق الإنسان و دولة الحق و القانون في إطار ثورة فكرية ثقافية حداثية عارمة،  تجاوزت كل ما هو تقليدي متجهة نحو تحرير المرأة و تشييئ القيم و مفاهيم الجمال في إطار صناعة الأناقة المناسبة للحداثة و التحرر. فتعددت كالفطر معامل و متاجر عرض الأزياء الجاهزة للرجال و النساء  و مساحيق التجميل و محلات الحلاقة،... و نشأت الصناعات التحويلية الغدائية و التصبير و المقاهي و المطاعم الفاخرة و  محلات الوجبات الخفيفة السريعة التحضير الموافقة لطبيعة علاقات العمل الجديدة و المناسبة  للعمال و العاملات و الوافدين من هوامش المدينة و الأحراش،...

و طبعا ا إلى جانب الحاجة الضاغطة على المجتمع الصناعي الاستهلاكي لليد العاملة المستجلبة من المستعمرات. تم إضافة إلى ذلك رفع شعارات تحرر المرأة و مساواتها للرجل في كافة الحقوق، فتم إنشاء إيديولوجية تحررها و تشجيعها على العمل خارج البيت و الزج بها يدا عاملة رخيصة في القطاعات الصناعية و التجارية و الخدماتية من جهة. و من جهة ثانية إقبالها اللامشروط على استهلاك عادات جديدة في الملبس و المأكل و المسكن و التجميل مغايرة تماما لمظهرها و عيشها التقليديين تحت يافطة و شعارات الأناقة الحداثية للمرأة المتحضرة. ليتم بعد ذلك استعمالها إعلاميا، بإباحية عنيفة و لا أخلاقية لمفاتين جسدها، أداة إشهارية فعالة لترسيخ القيم المادية و الاستهلاكية للمجتمع الجديد.

هذا، و من جهة أخرى و مع الثورة البرجوازية على النظام الإقطاعي الفيودالي القائم على مبدء << ما لله لله و ما للقيصر للقيصر >>، انهارت سطوة الكنيسة الدينية و مسلماتها المعرفية الأسطورية أمام قوة و مصداقية الفلسفة الوضعية و الفكر النقدي و الخطاب العلمي و مختلف الاكتشافات و الإبتكارات و الاختراعات المفحمة للفكر الظلامي المتخلف الخرافي الأسطوري و المتحجر، فقامت الأنظمة اليبيرالية الرأسمالية   و الدول الديموقراطية النيابية  بقيادة البرجوازية و الفلسفة الوضعية و تعميم ترسيخ حقوق الإنسان على أرض الواقع المعيش، إلى جانب السعي الدولي بعد الحربين العالميتين لإعاظة إعمار أوروبا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكبة و بناء نظام كوني جديد لتحقيق الأمن و التعايش و التعاون و التساكن و السلم و السلام العالمي.

 هذا فيما يتعلق بالديموقراطية الغربية كونها ليست وليدة لحظة تطبيقها عبر صناديق الاقتراع فقط، بل هي مناخ ثقافي متبلور و متراكم عبر صدامات و حروب و أحقاب طويلة و مراحل متعددة من التطور الفكري و العلمي و السياسي و قناعات ترسخت لدى جميع الطبقات ثقافيا و فكريا و سلوكا يوميا فرادى و جماعات، حتى أصبحت مطلبا مجتمعيا عاما و ضروريا للشعوب الأخرى في سعيها الصادق للتنمية و الرقي.

و عليه فإن خصوصية الديموقراطية لكثير من الدول في إفريقيا و آسيا و امريكا اللاتنية و العالم العربي و من بينها المغرب حيث نجد أنفسنا أمام ديموقراطية قبلية صرفة تفتقد للسجال الفكري والثقافي و للبعد المجتمعي المدني و تتميزها بخصوصيات ببنية المجتمع القبلي، حيث نجد الأفراد محكومين بعادت و تقاليد القبيلة و ارتباطهم الوراثي العميق بطوطمها الذي يجسد  انتمائهم القبلي القاهر و انصياعهم النفسي  و الجماعيالتلقائي إلى الخضوع  بالانصهار الكلي في بنية القبيلة و علاقاتها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية. و أيضا تبعيتهم فرديا و عشائريا لشخص قائد القبيلة  بالتمثل المطلق لقيم و فخر و حماسة  الانتماء للقبيلة من خلال ما يجسده القائد كلاما و حركات و سكنات في خلطة سلوك عجائبي يجمع بين التمسك القوي بالمنفعة الشخصية و التقديس الجماعي في آن واحد لمنفعة القبيلة و الدفاع الشرس على وحودها و مصالحها الجماعية... 

ومن تمة فإن صناديق الاقتراع و ( احتمال تزوير نتائجها ) في الانتخابات التشريعية و المحلية و التي تتحكم فيها خاصية الانتماء القبلي و التبعية المطلقة للأعيان و رجال المال و الأعمال بنسبة أكبر بكثير من خاصية الانتماء إلى الأحزاب و برامجها الانتخابية المتشابهة إلا في الأولويات ، ( خصوصا بعد فتور منسوب الزخم الوطني لمقاومة المستعر المستوطن بقوة السلاح ) الأمر الذي أصبحت معه هته الأحزاب السياسية تنأى عن مناضليها القدامى الأكفاء الأوفياء و إسناد معظم تزكياتها للإستحقاقات الانتخابية لغرباء من ذوي المال أو الجاه القبلي أو كليهما معا على رأس اللوائح الجماعية  و البرلمانية (ضمانا ) لفوزها بعدد كبير من أصوات الناخبين و المقاعد البرلمانية، عله يؤهلها لقيادة الحكومة أو المشاركة فيها و اكتساب رئاسة  مكاتب مجالس الجماعات و الأقاليم و الجهات أو المشاركة صمنها في تسيير الشأن المحلي.

.وعليه فإن الانعكاس الرمزي و الواقعي لهذا النوع من ديموقراطية المجتمع الفبلي  قد يصل إلى حد توزير بعض الأشخاص بألوان حزبية لا ينتمون إليها قطعا... و من ثمة ينتج ما نشهده عينيا و جهارا ضعف هذه الأحزاب تدريجيا  مع مرور الزمن و تعاقب التجارب الفاشلة و تقزمها و اندحارها...  فتفقد ريادتها لتأطير المواطنين و تصبح مجرد دكاكين انتخابية لا أكثر. و بالتالي و في قياس الخطورة فإنها تفقد ضمنيا كونها صمام أمان من الناحية السياسية لرمزية الدولة ضد صدمات الشارع الاجتماعية و الشعبية...

وموازاة و تعميقا للموضوع أعلاه نستحضر بالتجديد و التنقيح نص " اندحار الأحزاب " السابق نشره في ODJ عربي / ركن: كتاب الرأي بتاريخ 21 / 11 / 2023 لنلقي فيما يلي و بعجالة نظرة موجزة لتكوين الأحزاب ( الوطنية ) في العالم العربي و مآلاتها:                                                          

تكونت الأحزاب ( الوطنية ) كاستجابة لمطلب مجتمعي و سياسي عام و شامل في ظرف تاريخي تميز بالتعبئة ( الوطنية ) و القومية من إجل مناهضة الاستبداد الاستعماري و المطالبة ( بالاستقلال ) و الحرية ...

 إما حاليا فلم يعد نفس الظرف التاريخي المتميز بزخمه التعبوي الوطني للتحرر من ربقة الاستعمار، فتغيرت شروط النضال و تغير المطلب المجتمعي و السياسي العام، خصوصا أثناء انقسام البلاد العربية خلال الحرب الباردة بسبب ضعفها العسكري و السياسي و تبعيتها الاقتصادية إلى أقطار متخندفة، بعضها مع القطب السوفياتي الشيوعي و البعض الآخر مع القطب الأمريكي الليبيرالي الرأسمالي، الأمر للذي ساهم بقسط وافر و مازال باعتماده  من طرف هذه الأقطار لتبرير عمالتها في إحداث انقلابات الأنظمة الحاكمة، بل اتجهت بعض الأقطار  إلى خلق مناوشات على الحدود و قلاقل أخرى مع الجيران لملء الفراغ الحاصل في منسوب الزخم الوطني بعد الاستقلال بهدف الحفاظ على وحدة جبهاتها الداخلية و التغطية على مشاكلها الاقتصادية و الاجتماعية و من أجل استمرار حكامها في كراسيهم  و تبرير بسط اليد الحديدية على شعوبهم و ترسيخ حكمهم الديكتاتوري لتمرير قهر خدمة المصالح الأجنبية الاستعمارية عبر أجندات محددة في الزمان و المكان المنبثقة  عن اتفاقيات المفاوضات على استقلالها الممنوح بشروط مجحفة لشعوبها و تفقيرها و تجهيلها...


.  و قي خضم هذا التغير المترتب عن تطورات الظروف العالمية بعد الحرب العالمية الثانية و تنامي حركات مقاومة الاستعمار و حصول أقطار عربية متضاربة و غير موحدة على استقلالها ( الممنوح ) عن الاستعمار العسكري  بشروط مجحفة ستبقيها ضمنيا مستعمرة سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، في خضم ذلك سيغيب  بعد الاستقلال ذلك زخم الوطني و الهدف الواحد و الدافع المشترك بين كافة الشعوب و الأحزاب لمقاومة المستعمر، و ستنحرف الأحزاب الوطنية في البلاد العربية شيئا قشيئا عن سكتها الأولى، لتتحول إلى تنافس متعدد و قاتل على المناصب و الامتيازات الريعية. و سوف لم يعد صوت فكرها و مبادئها و قيمها النضالية ناطقا و فصيحا كما كان قبل الاستقلال، بل سيتحول تدريجيا إلى طنين أرقام عددية مادية مزعج. و ستأول إلى التيه في متاهة اللهات وراء أصوات الناخبين للحصول على المناصب البرلمانية بأغلبية عددية تخولها رآسة الحكومة أو المشاركة فيها ضمن أغلبية مركبة.

و لأجل ذلك ستتجه الأحزاب تنظيميا إلى تهميش الرصيد النضالي على حساب الرصيد المالي و السلطوي للمنخرطين الجدد ( فتح باب الانتهازية على مصراعيه )  و ستصاب قواعدها  الصلبة بالتيئيس و التهميش. و ستصاب  الأحزاب بالنزيف...

و طبعا فإن المرد التاريخي لهذا الوضع المحزن و المخزي للأحزاب الوطنية و البلاد العربية عموما يعود إلى فترة مقاومة الاستعمار حيث لم ينتبه قادة المقاومة العربية أنئذ إلى فخ الوطنية الضيقة الذي أوقعتهم فيه قوى الاستعمار، فأصبح النضال من أجل الاستقلال يقتصر على كل قطر عن حدة في معزل بل في تناقض مع الأقطار الأخرى فتم التركيز على الانتماء ( الوطني ) و حماية الحدود الجيوسياسية التي سطرها الاستعمار للقطر الواحد في نسيان تام أو تأجيل غير مقنع لبناء الوطن العربي الموحد مما أجج الصراعات العربية- عربية منذ تأسيس جامعة الدول العربية، الأمر الذي سمح و أتاح  للقوى الاستعمارية بإملاء شروطها و فرض مصالحها  و عملائها...
و بسبب ذلك تؤدي أجيال حاضرنا المأزوم الثمن غاليا. و يبقى المستقبل في غمرة المجهول...     

بقلم: علي تونسي                      

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 21 نونبر 2024

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic