عبد العزيز كوكاس
ليست الشعارات المرفوعة في الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية للجموع الغاضبة مجرد صوت فيزيائي ، إنها صرخة الغاضبين ووليمة المغتصبة حقوقهم.. محاولة للتأثير بالقول في صناعة القرار.. إنها الوقود الأساسي لجمع الحشود والأتباع ، لأن الشعارات غير فردية ؛ بل هي طقس جماعي.. في كل شعار لا بد من كورس ومن قائد أوركسترا كما في أيّ سمفونية ، يحرص على انتظام الأداء الجماعي المصاحب لأيّ حراك أو تجمع احتجاجي.. والصورة لم تعد تالية على حدث الاحتجاج ، لتغطيه أو تحجبه ، إنها هنا أصل لا فرع ، تعبئ ، تستقطب فئات عريضة إلى ساحة الاحتجاج الافتراضي أو الواقعي ، يحس الناس أنها تمنحهم صوتا ، كل الاحتجاجات العالمية اليوم تعتمد الصورة في الوصول إلى أهداف وإبلاغ المحتجين لصوتهم إلى من يهمهم الأمر ، وكما قال المصور الصحافي الجنوب إفريقي الشهير كين أوستربروك فقد أضحى شعار اليوم : "دع الصور تتحدث! " .
منذ أكثر من عقدين ، أصبح الاحتجاج عملة السياسة بالمغرب ، وتحولت الساحات العامة في الحواضر كما في المداشر والقرى الهامشية إلى «أكورا» المستضعفين، وأصبح الشعار مثل نشرة إخبارية محملة بانفعالات جماعية، لا نجاعة للشعارات خارج الجماعة ؛ فهي التي توحد أصوات الحشود المتضررة من قرار أو إهمال أو ظلم مس مصالحها ووحد أفرادها للصراخ ، من أجل إبلاغ صوتها إلى من يهمه الأمر ..
الشعار هو اختزال لطموح ، تجسيد لشحنات انفعالية تتجه نحو المستقبل ؛ فهو يحمل قيما، ويعتبر أيقونة دالة عليها ، وهو رمز للتحدي واستعادة الأفراد ثقتهم في القدرة على إحداث التغيير في مجريات الواقع ، مثل الشعار الذي رفعه أوباما في حملته الانتخابية : «نعم نستطيع، yes we can» ، وهو ذاته الشعار الذي رفعته الحركة الجديدة بإسبانيا «البيديموس» التي تعني «نستطيع» ، أو الشعار الذي رفعه المناضل الزنجي مارتن لوثر كينغ «لدي حلم i have a dream»..
الشعارات هي إنجيل الاحتجاج ، جورنال الشارع العام ، وهي ذات طابع خلاصي، مطعمة بروح التحدي : «واخا تعيى ما تطفي ، غاتشعل غاتشعل» ، «سوا اليوم سوا غدا ، المطالب ولا بد».. وقد تحمل طابعا جنائزيا تحيل على الموت ، القتل ، الدم... «هز قدم.. حط قدم ، شوارع عامرة بالدم» ، «قتلوهم، عدموهم» ، «نعم سنموت ولكننا».. لكنها مبشرة بالأمل والحياة «أولاد الشعب يخلفوهم» و»سننزع القمع من أرضنا»..
الشعارات أداة حشد الجماعة ، شاحن لملء بطارية الجموع : تجمع ، توحد ، تذكي الحماس ، مع كل هدير للغاضبين بالشعارات يقشعر جلد المتظاهر أو المحتج أو المتفرج على الحشود العامة ، يدرك الفرد أنه ليس معزولا وأنه مثل ذرة صغيرة لكن مؤثرة في رمال هذه الحشود الهادرة ، الشعارات تمحي الفوارق وسط الجموع المحتشدة ، حين ترتفع الحناجر بصوت واحد وعلى إيقاع شعار موزون/مقفى ، يجعل المرء يخرج كل طاقته الفيزيائية للصراخ بأعلى حنجرته ؛ لأن الذي يجب أن تبلغه الرسالة ، يُفترض دوما أنه موجود هنا.. حاضر في جهة ما ؛ لكنه في الآن ذاته بعيد عن الجماعة من حيث هو غير مرئي ، وهناك حجب تحاول أن تذيب هذا الصراخ وتجعله لا يصل لهذا الذي بيده الحل والعقد.. لذلك هناك من يحرص على وحدة الشعارات ، وتوحيد أصوات الجماعات على شعار واحد ، يريد للصراخ الفيزيائي الغاضب أن يكون حدثا جللا، ذا وقع الآن وهنا ، من هنا وظيفة مكبر الصوت الذي أصبح أداة ضرورية في كل احتجاج جماعي .
الشعارات تفرض دوما وجود عدو ، كائن أسطوري غير مرئي.. دولة ، أمن ، مؤسسة حكومية ، غاصب محجوب عن سماع صوت الجماعة المتضررة فردا فردا.. آخَر مسبب للغضب وهو الدافع إلى الاحتجاج ، ولكن هو الذي بيده المنح ، العطاء ، الرحيل ، الموت ، الحياة ، الحل.. الشعار يعمي ويحجب العقل ، لأنه محمل بشحنة انفعالية عالية التوتر ، يحول الطاقات المتفرقة لأفراد العامة إلى طوفان جماعي ..
وتأتي الصورة هنا بذكاء لتحتل ركنا أساسيا في بنية الاحتجاج ، صور تمثيلية ، غرافيتي ، صور مجسدة من خلال لقطات ممسرحة ، أيقونات ليس هدفها الحشد والتعبئة والإخبار ، بل خلق الجمالية من قلب المعاناة والألم والغضب، توصيل مشاعر المحتجين بنوع من التسامي النفسي الذي يعطي بعدا لمعنى الفعل المدني السلي الراقي ، لا ترصد صور الاحتجاج الواقع فقط ، لا تحاكي ما تود التعبير عنه ، بل إنها تعيد خلقه جماليا وتعبيريا ، وكما تقود الناقدة أو الروائية الأمريكية سوزان سونتاج : «بدلاً من مجرد تسجيل الواقع ، أصبحت الصور هي المعيار للطريقة التي تظهر بها الأشياء لنا ، وبالتالي تغيير فكرة الواقع والواقعية» .
تزيَّن الاحتجاج في المغرب بقيم جديدة ورموز لا تخلو من إبداع ، تدل على وجود تنظيم اجتماعي أكثر عقلانية ، بعد تخلصه من غرائز العنف والهدم والتدمير وعدم مواجهته بأشكال متطرفة كالقمع والكبت الأمني الذي يؤدي إلى انزلاقات كثيرة ، إن الرؤية الخارجية للمغرب اليوم تبرزه على شكل «مَرْمِيطة» «une marmite» ، الماء يغلي في السطح ، خضر تعلو وأخرى تنزل إلى القعر ، لكن لا شيء يفيض عن المرميطة ، إنه غليان هادئ ، لا يتم في طنجرة الضغط القابلة للانفجار ، ما دام التنفيس حدث ويحدث إلى أن يظهر الواقع العكس .
في قلب هذا الاحتجاج تنتعش الشعارات المكتوبة على شكل لافتات ، أو المرسومة على أقمصة المتظاهرين بإيجاز وتكثيف لغوي محمل بدلالات كثيرة ، أو شفهيا يتردد على لسان الجموع المحتشدة ، منه من يحمل مطالب فئوية لمجموعات القضايا بعد خفوت صوت الأحزاب التي استكانت لأدوار تقليدية وتخلت عن امتدادها الاجتماعي ، ومنه من يحمل مطالب وطنية تتوخى رفع الظلم والتهميش والمطالبة بالحق في الكرامة والإنصاف ..
في الحقل الدلالي العام ، هناك شعارات لا تموت ، تظل لصيقة بوجدان الجماعة ، كل جيل يمنح الحياة لذات الشعار ، وهناك شعارات مصابة دوما بضيق التنفس ، لا تتجاوز دائرة الجماعة الصغيرة التي رفعتها وتستسلم بعدها لكسل النسيان ، برمزيتها وإيقاعها الموسيقي ، بسهولة انتقالها بين الجموع والأجيال ، وقدرتها على التعبير عن مطالب أعم لا تفنى ، تتأثر الشعارات بالخيال الجمعي للأمة المنتجة لها والصادحة بها ، وهو ما يمدها بصيرورة الحياة ، والصورة هنا تأتي أبلغ من الكلام اليوم ، هي ذاتها رسالة مفتوحة ، أبقى أثرا من الكلام ، خاصة في مجتمع قاومت نخته الدينية الصورة والتصاوير ، لكن إيقاع العولمة كان كاسحا ، وأصبحت حتى مكونات المجتمع المحافظة والأبعد عن الحداثة توظف الصورة بالشكل الذي يوصل خطابها ، بل يؤكد العديد من الباحثين أن توظيف هؤلاء للصورة أبلغ أثرا وأكثر تنظيما في كل سلوك احتجاجي .
أضحى الاحتجاج آلية للممارسة السياسية الشعبية أكثر تأثيرا من النشاط الانتخابي ومن التصويت الذي لم يعد يؤثر على صناعة القرار السياسي أو في تمثيلية حقيقية للمواطنين... فاحتلال المحتجين بشكل يومي في المغرب لمساحات واسعة من الفضاء العام وأمام أمكنة ذات رمزية سياسية : عمالة أو ولاية ، برلمان ، وزارة أو مؤسسة عمومية بصورهم ورموزهم وشعاراتهم ، هو الذي يسهم الآن في ترسيخ ثقافة المواطنة ، وينزع عن الاحتجاجات الاجتماعية الطابع الغرائزي والدموي.. وتستهدف الشعارات هنا توحيد الجماعة حول قضية «جماهير شاركونا مصيركم مصيرنا».. يقول الباحث الأنثربولوجي عبد الله زارو: « إن السلوك الاحتجاجي ظاهرة صحية وحضارية ، صحية لأنها دالة على أن الجسم الاجتماعي لا يزال يشتغل بما يعنيه ذلك من قُدرة على الإحساس والتفاعل مع المحيط، وهي حضارية لأنها تكشف عن نفسها وتمارس بالعلن ، ويبدو أن الاتجاه في الاحتجاج المرح الذي لا يبحث عن تغيير العالم بقدر بحثه لأصحابه عن موطئ قدم في هذا العالم كما هو في ذاته ، أقول هذا الاحتجاج هو الذي بدأ في التبلور ببطء ولكن بثقة في أجندة الاحتجاج الاجتماعي المغربي » .
الشعارات تستقطب الأشعار إلى ساحة الحراك الشعبي ، تعطيها مضمونا صاخبا وتمنحها مسارا آخر للحياة ، الشعارات تحشد ، تجمع الغاضبين تعد لهم ولائم الحلم والحق في الأمل والتغيير ، وتخلق طقوسا جماعية ، يعرفها جيدا المنتسبون إلى حقل الحراك الشعبي (شرب السكر أو العسل لتقوية الصوت ليخرج واضحا مجلجلا ويصل إلى هذا اللامرئي ، تدبير الماء لسقي الحلوق الجافة ، توفير الطرابيش ، المعرفة المسبقة بأحوال الطقس لتوفير المظلة واللباس الذي يليق بجو التظاهر ، والذي يكون ذا طبيعة رياضية خفيفة تسمح بحرية أكبر للجسد وتحمل تعب الوقوف والمسير) .
المصدر : alalam.ma
منذ أكثر من عقدين ، أصبح الاحتجاج عملة السياسة بالمغرب ، وتحولت الساحات العامة في الحواضر كما في المداشر والقرى الهامشية إلى «أكورا» المستضعفين، وأصبح الشعار مثل نشرة إخبارية محملة بانفعالات جماعية، لا نجاعة للشعارات خارج الجماعة ؛ فهي التي توحد أصوات الحشود المتضررة من قرار أو إهمال أو ظلم مس مصالحها ووحد أفرادها للصراخ ، من أجل إبلاغ صوتها إلى من يهمه الأمر ..
الشعار هو اختزال لطموح ، تجسيد لشحنات انفعالية تتجه نحو المستقبل ؛ فهو يحمل قيما، ويعتبر أيقونة دالة عليها ، وهو رمز للتحدي واستعادة الأفراد ثقتهم في القدرة على إحداث التغيير في مجريات الواقع ، مثل الشعار الذي رفعه أوباما في حملته الانتخابية : «نعم نستطيع، yes we can» ، وهو ذاته الشعار الذي رفعته الحركة الجديدة بإسبانيا «البيديموس» التي تعني «نستطيع» ، أو الشعار الذي رفعه المناضل الزنجي مارتن لوثر كينغ «لدي حلم i have a dream»..
الشعارات هي إنجيل الاحتجاج ، جورنال الشارع العام ، وهي ذات طابع خلاصي، مطعمة بروح التحدي : «واخا تعيى ما تطفي ، غاتشعل غاتشعل» ، «سوا اليوم سوا غدا ، المطالب ولا بد».. وقد تحمل طابعا جنائزيا تحيل على الموت ، القتل ، الدم... «هز قدم.. حط قدم ، شوارع عامرة بالدم» ، «قتلوهم، عدموهم» ، «نعم سنموت ولكننا».. لكنها مبشرة بالأمل والحياة «أولاد الشعب يخلفوهم» و»سننزع القمع من أرضنا»..
الشعارات أداة حشد الجماعة ، شاحن لملء بطارية الجموع : تجمع ، توحد ، تذكي الحماس ، مع كل هدير للغاضبين بالشعارات يقشعر جلد المتظاهر أو المحتج أو المتفرج على الحشود العامة ، يدرك الفرد أنه ليس معزولا وأنه مثل ذرة صغيرة لكن مؤثرة في رمال هذه الحشود الهادرة ، الشعارات تمحي الفوارق وسط الجموع المحتشدة ، حين ترتفع الحناجر بصوت واحد وعلى إيقاع شعار موزون/مقفى ، يجعل المرء يخرج كل طاقته الفيزيائية للصراخ بأعلى حنجرته ؛ لأن الذي يجب أن تبلغه الرسالة ، يُفترض دوما أنه موجود هنا.. حاضر في جهة ما ؛ لكنه في الآن ذاته بعيد عن الجماعة من حيث هو غير مرئي ، وهناك حجب تحاول أن تذيب هذا الصراخ وتجعله لا يصل لهذا الذي بيده الحل والعقد.. لذلك هناك من يحرص على وحدة الشعارات ، وتوحيد أصوات الجماعات على شعار واحد ، يريد للصراخ الفيزيائي الغاضب أن يكون حدثا جللا، ذا وقع الآن وهنا ، من هنا وظيفة مكبر الصوت الذي أصبح أداة ضرورية في كل احتجاج جماعي .
الشعارات تفرض دوما وجود عدو ، كائن أسطوري غير مرئي.. دولة ، أمن ، مؤسسة حكومية ، غاصب محجوب عن سماع صوت الجماعة المتضررة فردا فردا.. آخَر مسبب للغضب وهو الدافع إلى الاحتجاج ، ولكن هو الذي بيده المنح ، العطاء ، الرحيل ، الموت ، الحياة ، الحل.. الشعار يعمي ويحجب العقل ، لأنه محمل بشحنة انفعالية عالية التوتر ، يحول الطاقات المتفرقة لأفراد العامة إلى طوفان جماعي ..
وتأتي الصورة هنا بذكاء لتحتل ركنا أساسيا في بنية الاحتجاج ، صور تمثيلية ، غرافيتي ، صور مجسدة من خلال لقطات ممسرحة ، أيقونات ليس هدفها الحشد والتعبئة والإخبار ، بل خلق الجمالية من قلب المعاناة والألم والغضب، توصيل مشاعر المحتجين بنوع من التسامي النفسي الذي يعطي بعدا لمعنى الفعل المدني السلي الراقي ، لا ترصد صور الاحتجاج الواقع فقط ، لا تحاكي ما تود التعبير عنه ، بل إنها تعيد خلقه جماليا وتعبيريا ، وكما تقود الناقدة أو الروائية الأمريكية سوزان سونتاج : «بدلاً من مجرد تسجيل الواقع ، أصبحت الصور هي المعيار للطريقة التي تظهر بها الأشياء لنا ، وبالتالي تغيير فكرة الواقع والواقعية» .
تزيَّن الاحتجاج في المغرب بقيم جديدة ورموز لا تخلو من إبداع ، تدل على وجود تنظيم اجتماعي أكثر عقلانية ، بعد تخلصه من غرائز العنف والهدم والتدمير وعدم مواجهته بأشكال متطرفة كالقمع والكبت الأمني الذي يؤدي إلى انزلاقات كثيرة ، إن الرؤية الخارجية للمغرب اليوم تبرزه على شكل «مَرْمِيطة» «une marmite» ، الماء يغلي في السطح ، خضر تعلو وأخرى تنزل إلى القعر ، لكن لا شيء يفيض عن المرميطة ، إنه غليان هادئ ، لا يتم في طنجرة الضغط القابلة للانفجار ، ما دام التنفيس حدث ويحدث إلى أن يظهر الواقع العكس .
في قلب هذا الاحتجاج تنتعش الشعارات المكتوبة على شكل لافتات ، أو المرسومة على أقمصة المتظاهرين بإيجاز وتكثيف لغوي محمل بدلالات كثيرة ، أو شفهيا يتردد على لسان الجموع المحتشدة ، منه من يحمل مطالب فئوية لمجموعات القضايا بعد خفوت صوت الأحزاب التي استكانت لأدوار تقليدية وتخلت عن امتدادها الاجتماعي ، ومنه من يحمل مطالب وطنية تتوخى رفع الظلم والتهميش والمطالبة بالحق في الكرامة والإنصاف ..
في الحقل الدلالي العام ، هناك شعارات لا تموت ، تظل لصيقة بوجدان الجماعة ، كل جيل يمنح الحياة لذات الشعار ، وهناك شعارات مصابة دوما بضيق التنفس ، لا تتجاوز دائرة الجماعة الصغيرة التي رفعتها وتستسلم بعدها لكسل النسيان ، برمزيتها وإيقاعها الموسيقي ، بسهولة انتقالها بين الجموع والأجيال ، وقدرتها على التعبير عن مطالب أعم لا تفنى ، تتأثر الشعارات بالخيال الجمعي للأمة المنتجة لها والصادحة بها ، وهو ما يمدها بصيرورة الحياة ، والصورة هنا تأتي أبلغ من الكلام اليوم ، هي ذاتها رسالة مفتوحة ، أبقى أثرا من الكلام ، خاصة في مجتمع قاومت نخته الدينية الصورة والتصاوير ، لكن إيقاع العولمة كان كاسحا ، وأصبحت حتى مكونات المجتمع المحافظة والأبعد عن الحداثة توظف الصورة بالشكل الذي يوصل خطابها ، بل يؤكد العديد من الباحثين أن توظيف هؤلاء للصورة أبلغ أثرا وأكثر تنظيما في كل سلوك احتجاجي .
أضحى الاحتجاج آلية للممارسة السياسية الشعبية أكثر تأثيرا من النشاط الانتخابي ومن التصويت الذي لم يعد يؤثر على صناعة القرار السياسي أو في تمثيلية حقيقية للمواطنين... فاحتلال المحتجين بشكل يومي في المغرب لمساحات واسعة من الفضاء العام وأمام أمكنة ذات رمزية سياسية : عمالة أو ولاية ، برلمان ، وزارة أو مؤسسة عمومية بصورهم ورموزهم وشعاراتهم ، هو الذي يسهم الآن في ترسيخ ثقافة المواطنة ، وينزع عن الاحتجاجات الاجتماعية الطابع الغرائزي والدموي.. وتستهدف الشعارات هنا توحيد الجماعة حول قضية «جماهير شاركونا مصيركم مصيرنا».. يقول الباحث الأنثربولوجي عبد الله زارو: « إن السلوك الاحتجاجي ظاهرة صحية وحضارية ، صحية لأنها دالة على أن الجسم الاجتماعي لا يزال يشتغل بما يعنيه ذلك من قُدرة على الإحساس والتفاعل مع المحيط، وهي حضارية لأنها تكشف عن نفسها وتمارس بالعلن ، ويبدو أن الاتجاه في الاحتجاج المرح الذي لا يبحث عن تغيير العالم بقدر بحثه لأصحابه عن موطئ قدم في هذا العالم كما هو في ذاته ، أقول هذا الاحتجاج هو الذي بدأ في التبلور ببطء ولكن بثقة في أجندة الاحتجاج الاجتماعي المغربي » .
الشعارات تستقطب الأشعار إلى ساحة الحراك الشعبي ، تعطيها مضمونا صاخبا وتمنحها مسارا آخر للحياة ، الشعارات تحشد ، تجمع الغاضبين تعد لهم ولائم الحلم والحق في الأمل والتغيير ، وتخلق طقوسا جماعية ، يعرفها جيدا المنتسبون إلى حقل الحراك الشعبي (شرب السكر أو العسل لتقوية الصوت ليخرج واضحا مجلجلا ويصل إلى هذا اللامرئي ، تدبير الماء لسقي الحلوق الجافة ، توفير الطرابيش ، المعرفة المسبقة بأحوال الطقس لتوفير المظلة واللباس الذي يليق بجو التظاهر ، والذي يكون ذا طبيعة رياضية خفيفة تسمح بحرية أكبر للجسد وتحمل تعب الوقوف والمسير) .
المصدر : alalam.ma