كتاب الرأي

كوكاس : لقد أجهزوا على ال"جواد".. لا يزال الموت المكان الأكثر صداقة للمبدع العربي


موت جواد بهذه الطريقة الجنونية الحزينة ، بدا لي مثل مسرحية تراجيدية ، حيث قرر الممثل الراحل أحمد جواد أن يكون بطلها ليثبت لآلهة العصر الجديد نبوءاتها وتقريرها مصائر الآخرين ممن لا حيلة لهم في الوجود غير إبداع المعنى في زمن اللامعنى ، كأن جواد يؤكد ما قاله المؤرخ المفكر هوارد زن : "ما دامت الأرانب لا تتوفر على مؤرخين ، فإن الصياد هو الذي يروي تاريخ الصيد.". من تسيدوا وأقصوا الفكر والإبداع من السياسيين الجدد والتافهين المتسيّدين هم الأقوياء اليوم الذي يملكون حق سرد الوقائع وأحداث التاريخ على مشيئتهم لإدامة هيمنتهم وتمجيد سيطرتهم ..



الإعلامي عبد العزيز كوكاس

موت جواد الذي أوقف عملية ابتلاع مسرح الجديدة في نهاية الثمانينيات وعرف بإبداعات عديدة واحتفى بمبدعين بلا عد ولا حصر في نادي الأسرة الذي تحول بقوة الجشع المقاولاتي إلى مقهى ، سيطاردنا جميعا وفيه الكثير من مسؤولياتنا الأخلاقية ، لأننا لم نلتفت بعد إلى أن الكتابة والإبداع في مجتمعنا أشبه بزرع الوهم في أقانيم الصحراء حيث لا غيث ولا مطر، فنان لم يتغير إطاره الإداري منذ 30 عاما برغم ما قدمه للثقافة المغربية، فاحتج بطريقته القاسية ليثبت ما كتبه أدونيس في "النص القرآني وآفاق الكتابة" بكون "الموت لا يزال المكان الأكثر صداقة للمبدع العربي" .


أتذكر فيلم "إنهم يجهزون على الجياد"  They Shoot Horses Don't They في عمق أزمة المجتمع الرأسمالي التي اندلعت من بورصة وول ستريت عام 1929 ، أعلن بورجوازي أمريكي عن حفل راقص ، بحيث يتنافس فيه الراقصون حول جائزة لم يتم الإعلان عن قيمتها وشكلها، توافد الراقصون على حلبة الرقص في فيلا فخمة أشبه بقصر أسطوري ، قدمت فيها كل أنواع الأكل والشرب ، وكان المطلوب من المتنافسين أن يرقصوا بدون توقف ليل نهار، حتى النوم عليهم أن يناموا واقفين في حلبة الرقص ، ومن يصمد حتى الأخير يعتبر الفائز بالجائزة ، بدأ الاحتفال ، حيث ظلت الأرجاء تردد أصداء الموسيقى الصاخبة لمدة أسبوع ، ومع مرور الساعات والأيام كان عدد المتنافسين يتناقص ، ولم يتبق إلا الممثلة جين فوندا وزميلها في الرقص مايكل سارازين.. في قمة التعب والجسد المضمخ بالعرق والإنهاك ، تقدم الفائزان لطلب الجائزة ، فواجههم الرأسمالي ببذلته الأنيقة وصوته الجهوري : "لقد عشتم مدة أسبوع في مكان لم تكونوا لتحلموا برؤيته وظللتم تأكلون وتشربون بالمجان ، فهذه هي الجائزة".. وفي مشهد تراجيدي للبطلين الراقصين وهما في عز التعب والإنهاك ، استندا على بعضهما البعض ، عاد البطل إلى لحظة الطفولة ، حين كان معجبا بحصان نبيل لأبيه ، حيث عثر الحصان وتكسرت قائمته ، وتأكد أن لا شفاء ، وفي لقطة درامية ممزوجة بالعرق والدمع ، حضرت صورة الأب الباكي المتألم وهو يحمل مسدسا ليطلق رصاصة الرحمة بين عيني الحصان ، لتفتح الراقصة جين فوندا محفظتها، فيسحب البطل منها مسدسا يصوبه نحو حاجبيها، وعندما يسأله أحد الحاضرين المعجبين مستغربا هذا السلوك يجيب البطل : "إنهم يروضون الأحصنة" .



لقد استعدت صور هذا الفيلم في ذاكرتي وأنا أرى هذا الموت المفجع للفنان أحمد جواد، الذي يسائل كل أشكال الهشاشة التي يعيشها الإنتاج الرمزي بوطننا ، وكيف وصل الوضع بنا إلى هذا المنحدر، وأستحضر كل الشرفاء الذين تم الإجهاز عليهم مثل جياد حرة ، فماتوا رمزيا أو انزووا في صمت ، وكل الأطر النبيلة في إداراتنا التي كانت تشتعل حبا في إنارة الوطن والتي أضحت تعيش الآن نفيا مضاعفا.. في ظل الحديث عن الصناعة الثقافية والتثمين والرأسمال اللامادي الذي يغلف الهجوم على كل ما هو نبيل في الثقافة والإبداع ونشر ثقافة التسول واحتراف فن "الهميزة" وجعل المثقفين والمبدعين مثل الأيتام رهينة أشكال الدعم الذي يبدو مثل الفتات الذي يتبقى من مائدة الأسياد اللئام .. 


بئس أمة تتفرج على قتل جيادها، إذ ليس أحمد جواد غير الوجه الصارخ لما وصلنا إليه نحن من نزعم تشييد أغاني الأمة وحماية كيانها الرمزي.. لم ننجح في أن نمنح بسمة حياة لأحمد جواد الذي عرف الجمهور بإنتاج الكثيرين من المثقفين والمبدعين المغاربة، والذي جاء إلى الفن كهاوي مسرحي ووجد نفسه يؤدي الدور الحزين في هذا المسرح الرديء الذي وصلنا إليه .

Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 4 أبريل 2023

              




مدار اليوم
12:26

الدار البيضاء تستضيف مهرجان البولفار في دورته الـ22

الدار البيضاء تستضيف مهرجان البولفار في دورته الـ22
 يحتفي مهرجان البولفار في دورته الـ22 بذاكرة مهدي متاليكا ويجمع أسماء لامعة مثل الناسولي وبنشمسي ، دادا، سارة واسماعيل، مهدي الناسولي، إضافة إلى فرقة « العيطة مون أمور ». و تستضيف مدينة الدار البيضاء فعاليات الدورة الـ22 من مهرجان البولفار خلال الفترة الممتدة بين 12 و15 شتنبر الجاري، بنادي الراسينغ الجامعي البيضاوي. كما أعلن مدير المهرجان، "مومو"، خلال ندوة صحفية، أن الدورة الـ22 من "البولفار" ستشهد مشاركة 530 مجموعة موسيقية، أغلبها من صنف فن "الراب".
12:24

تصاعد حدة الاحتجاجات الطلابية في كليات الطب والصيدلة بالمغرب

 تصاعد حدة الاحتجاجات الطلابية في كليات الطب والصيدلة بالمغرب
 تصاعدت حدة الاحتجاجات الطلابية في كليات الطب والصيدلة بالمغرب، حيث شهدت امتحانات الدورة الاستدراكية للفصل الأول مقاطعة واسعة من قبل الطلبة. يأتي هذا التصعيد بعد أربع محاولات سابقة، مما يؤشر على عمق الأزمة التي يعيشها القطاع. في ظل هذا الوضع المتأزم، تدخلت مؤسسة الوسيط من أجل احتواء الأزمة والبحث عن حلول عاجلة. ودعت المؤسسة، في اجتماع طارئ، أعضاء اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان لمناقشة الوضع الراهن واستكشاف سبل الخروج من هذه الأزمة التي تهدد مستقبل القطاع الصحي بالمغرب.
12:23

أزيد من 8 ملايين و 112 ألف تلميذة وتلميذ يلتحقون بالمؤسسات التعليمية

أزيد من 8 ملايين و 112 ألف تلميذة وتلميذ يلتحقون بالمؤسسات التعليمية
 أفادت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بأن أزيد من 8 ملايين و 112 ألف تلميذة وتلميذ سيلتحقون بالمؤسسات التعليمية برسم الموسم الدراسي الجديد 2024/2025.














القائمة الجانبية الثابتة عند اليمين





Buy cheap website traffic