فن وفكر

قراءة في كتاب


تفعيلا لبرنامجه القرائي للموسم الجاري، نظم فرع شبكة القراءة بسلا، بتعاون مع المركز الثقافي سعيد حجي وبتنسيق مع جمعية الملتقى الثقافي، يوم 03 فبراير 2024، بالمقهى الأدبي (Bistrot des Arts) قراءة في كتاب «Voyage avec Ibn Batouta et Ahlam» للكاتبة خديجة بوكة، أعدها وقدمها رئيس فرع سلا الشبكي، وحضرها جمهور من أطفال مع أمهاتهم وآبائهم وأعضاء من الجمعيتين والضيوف وشغوفين بالقراءة من مرتادي المقهى.



وللخروج من نمطية القراءة الشائع، قام فريق "المبدعون الصغار" التابع لجمعية الملتقى الثقافي بتشخيص المشهد الأول من الكتاب/ المسرحية، تحت تصفيقات الحضور.
 
  ثم اعتلى منصة القراءة الأستاذ محمد موسي، مفتتحا مداخلته بثلاث ملاحظات؛ أولها، تقديم القراءة باللغة العربية بقصد تقريب المسرحية من ناشئة المدرسة العمومية؛ وثانيها، إدراج المسرحية ضمن أدب الطفل. وهو اختصاص، على قدر أهميته، لم ينل حقه من الاهتمام، رغم صعوبته شكلا ومضمونا، لكونه يشترط كاتبا ينسج الفكرة لغة، إلى جانب فنان يوضح الفكرة رسما. وتزداد أهمية كتاب "سفر مع ابن بطوطة وأحلام" لأنه مجموعة نصوص قابلة للتشخيص المسرحي، تمكن الطفل من الشجاعة الأدبية؛ وثالثها، الاضطرار لعرض الكتاب بتقنية PPT لتهييء شروط التفاعل والمناقشة، داخل القاعة.
 
 إن علاقة الكتابة بالمسرح، عند ذة. خديجة بوكة، تطابق علاقة التعلم باللعب، لذلك تحرص على الاعتناء بالطفل الكامن فيها، تأكيدا لقناعتها بأن "الطفل الذي لا يلعب لا يتعلم". مادام التعلم مولدا للدهشة والفضول. 
 
  ومن إثارة فضول القارئ، ينطلق المشهد الأول في المسرحية؛ إثارة مفادها، أن "حياة بلا أحلام ليست جديرة بأن تعاش". لذلك نجد البطلة أحلام في سفرها مع ابن بطوطة، تخرج من حلم لتدخل في آخر، في سلسلة من الأسفار والأمكنة والعوالم، تجري أحداثها في الزمن وعلى خشبة مسرح الأحلام. لتتبدى لنا القدرة التخييلية للكاتبة، خاصة في استنطاقها الذاكرة واستحضار الماضي باعتباره "زخما يصوغ ملامح المستقبل". يتجلى ذلك في بعث ابن بطوطة من القرن 14 الميلادي ليعيش مغامراته في سياق الألفية الثالثة، وما تشهده من ثورة رقمية، تجعله مثار تهكم أحلام (دلالة مستقبلية) وهو يستغيث بتعويذته "أعوذ بالله". 
 
 تحرك أحداث كتاب "سفر مع ابن بطوطة وأحلام" مجموعة مفارقات، تلتئم كلها في قيم إنسانية تحكم الشخصية المغربية لتجعلها متميزة عبر العصور:
 
  تظهر المفارقة الأولى فيما تحمله واجهة الكتاب، من اختلاف في الهندام وأداة التحصيل، دون أن يسيء ذلك لعلاقة الصداقة بين ابن بطوطة وأحلام. وتنتهي ثاني المفارقات إلى أن الحياة مركبة من متناقضات، تجعل الإنسان في مواجهة ثنائية الخير والشر، وما يترتب عنها من تفاؤل بالحياة: "إن بعد العسر يسرا" وبعد الظلمة لا بد ستشرق الشمس فليمض الفرد في تحقيق حلمه بشجاعة وإرادة. واهم من يبحث عن السعادة بعيدا عن ذاته، بل سيجدها، بعد مشقة، في ذاته، فما عليه إلا أن يكون كما هو ليسعد: "كن أنت"، وهذه ثالث المفارقات. أما رابعها فهو الحسم في حرية الاختيار، والقطع مع الاتكال عملا بالمبدأ الكوني: كل علاقة هي في العمق حقوق وواجبات، ومن أرادها حقوقا فقط أو واجبات فقط، فقد سقط في براثن العبودية والاستعباد. وأهم مفارقة أن حياة الإنسان هي سلسلة أحلام، يخرج من حلم ليدخل في آخر. وهذا ما حصل لأحلام في سفرها مع ابن بطوطة، إذ انتقلت من الحلم بالشفاء من مرض النسيان إلى الحلم بإصدار كتاب يحمل عنوان سفرها، ليتأكد أخيرا الحلم في الواقع. حلم ليس، في حقيقته، سوى واحد من (أحلام خديجة) وقد أخرجته إلى الوجود، لتتقاسم مع قرائها متعة قراءته، وتنطلق وراء تحقيق أحلام أخرى بعناوين جديدة.

 
 يطغى الزمن المؤطر لأحداث النصوص على الواقع المحصور في البداية (حلم الشفاء) والنهاية (تحقيق الحلم). وبينهما أحداث مفترضة تجري على خشبة المسرح، لا يتغير فيها إلا الديكور بين سرد تاريخي وآخر.
 
  وبالنظر لما للحوار من أهمية بالغة في بناء النص الأدبي خاصة المسرحي، فقد حقق الانسجام بين البطلين رغم التفاوت في السن والتباعد في العصر (القرن 14 والألفية الثالثة) بالإضافة إلى توظيف الحكاية المستمدة من التراث الشعبي باعتباره ركنا أساسيا في التعرف على عادات ومعتقدات الشعوب.
 
  قراءتي عنوتها ب "حلم يتحقق" في كتاب من 40 صفحة، بحجم متوسط تتخللها 11 رسم توضيحي من إبداع الفنانة فاطمة أوسوس، توفقت الكاتبة بذكاء في نسج أربعة أنواع من الكتابة الأدبية: التاريخ والسيرة الذاتية والحكاية والمسرح، في قالب تربوي محبب وشيق.
 إنصافا للكاتبة وتنويرا للقارئ، أصرح أنه "مهما قيل عن الكتاب، لا يغني عن قراءته". لماذا؟ 

- أولا للغته السهلة والبليغة في التعبير، والمشبعة بصور يصعب تذوقها خارج لغة النص الأصلية (الفرنسية)؛

- ثانيا لأهمية الحوار وطرافته وقدرته على تخصيب الأفكار وإثمار التواصل في خلاصات تركيبية؛ 

- وثالثا لقدرة الكتاب على ربط الحاضر بالماضي في سلسلة متصلة الحلقات رابطها الحب والحرية والسلام. وما أحوجنا لهذه القيم في زمن اشتعال الحروب وتدحرج الإنسان إلى كينونة استهلاكية تحركها الأنانية وتغزوها التفاهة.
سلا في 04 فبراير 2024


Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 5 فبراير 2024

              














تحميل مجلة لويكاند






Buy cheap website traffic