وأضحى تصوير مقاطع فيديو للأطفال ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي “موضة” العديد من الباحثين عن الشهرة والربح السريع، ما يثير تساؤلات حول الآليات الرقابية لحماية حقوق الطفل على هذه المنصات .
ولا يخلو تصوير مقاطع فيديوهات للأطفال ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والسعي لاستغلالهم من أجل تحقيق الشهرة وكسب المال، من مخاطر يتجلى أبرزها في حدوث تداخل بين مراحل النمو لدى الطفل وتأثيرها على نفسيته التي لا تكون مهيأة بعد إلى التعامل مع الإحساس بالشهرة في مثل هذا السن، فتأخذ مرحلة عمرية دور مرحلة أخرى مما يساهم في حدوث اضطرابات نفسية لها تأثيرها البالغ فيما بعد .
وعبّر محمد الطيب بوشيبة، المنسق الوطني لمنظمة “ماتقيش ولدي”، عن رفضه لكل أشكال استغلال الأطفال من أجل التكسب واعتبارهم مصدر رزق، مؤكدا أن “كل من يزج بأطفاله في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من أجل الكسب يعتبر متاجرا بالبشر، وهي جريمة يعاقب عليها القانون” .
وشدد بوشيبة في تصريح له، على أن “الأطفال ليسوا سلعة ولا يجب استخدامهم لا في الدعاية ولا في الترويج لسلعة معينة ولا فكرة معينة”، مشيرا إلى رفضه استغلال الأطفال لجذب المشاهدين والرفع من نسب المشاهدة بغية تحقيق الأرباح .
وقد ورد ضمن المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني عليه، أو أي شخص آخر يتعهد برعايته” .
وبهذا الصدد، أشار المنسق الوطني لمنظمة “ماتقيش ولدي” إلى أن “استعمال الطفل في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لسلعة أو لأفكار معينة أو من أجل استعراض معين يعد بمثابة استعمالهم كسلعة وهو ما يعتبر اتجارا في البشر” .
وعبر المتحدث ذاته، عن الحاجة إلى النأي بالأطفال عن كل الممارسات التي من شأنها “تسليعهم والمس بالطفولة في مرحلتها الأولى والمتوسطة أو مراحلها المتقدمة”، مشيرا إلى أن الطفولة “مسألة مقدسة لذاتها، فهي مستقبل البلد الذي يجب أن يبنى على أسس متينة وقوية، منبثقة من الأصالة الحقيقية ومبادئ حقوق الطفل وكذلك من المكتسب التربوي والعقائدي للوصول بهم إلى درب الأمان” .
ويؤكد خبراء أن الطفل غير مهيأ للتعامل مع الأضواء والشهرة واتخاذ القرار، إذ ستتداخل مراحل حياته وسيتخذ القرارات التي لا تتناسب مع عمره. إضافة إلى ذلك يحد من حريته، ويعلمه التصنع في سلوكه وتعامله مع الآخرين، ويفقده الطبيعة الفطرية، كما أن وجود الطفل كنجم في سن مبكرة يدخله في مرحلة التوتر والعصبية والقلق والخوف وعدم الأمان والضغط الدائم من الأهل والمتابعين، ليبقى ضمن دائرة المنافسة حتى لا تتأثر شهرته ليزيد الربح .
وتمنح الشهرة ثقة بالنفس لكنها قد تكون ذات مردود غير إيجابي بالتأثير سلباً في مساره التعليمي، إذ تقتل لديه الجدية والدافعية للتعلم والتفوق في الدراسة، لأن الشهرة تصيبه بالغرور والكسل، وقد يصبح غير مسؤول، ما يجعل التعلم أمرا صعبا لديه، وقد يؤثر ذلك مستقبلاً بشكلٍ يخالف ضوابط المجتمع، لاسيما خلال فترة المراهقة، ما يشكل أزمة للوالدين .
ويرى الطيب بوشيبة أن الأطفال يحتاجون بيئة سليمة في مرحلتهم العمرية “فالأطفال هم الأطفال، يحتاجون نموا سليما في وسط صحي، اجتماعي، أسري أو في مؤسسات الرعاية الاجتماعية حسب شروط التنشئة الاجتماعية الصحيحة التي أوصى بها علماء النفس وعلماء الاجتماع وكذلك علماء التربية” .