كتاب الرأي

الاستياء السياسي في المغرب: مقاربة نفسية-اجتماعية لفهم الظاهرة وآفاق التجاوز


مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يتزايد الشعور بالاستياء من المشهد السياسي في المغرب، حيث تتكرر الانتقادات تجاه الفاعلين السياسيين، وتبرز مشاعر الإحباط والخذلان لدى فئات واسعة من أفراد المجتمع. هذا الاستياء رغم مشروعيته غالبا ما يترجم إلى ردود فعل غير مدروسة تتسم أحيانا بالعاطفية وغياب التحليل العميق للواقع السياسي و المؤسساتي ، بل هو ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل نفسية اجتماعية متعددة، مع العلم أن هذا الأمر يستدعي تحليلا علميا لفهم أسبابها وآثارها، مع التركيز على سبل تجاوزها من منظور علم النفس الاجتماعي



1: الإحباط السياسي ومشاعر الخذلان: تراكمات تؤدي إلى الرفض 
يُعَد الإحباط السياسي عاملا رئيسيا في تشكيل مشاعر الاستياء، حيث تتراكم خيبات الأمل نتيجة الوعود الانتخابية غير المُنفّذة، وغياب العدالة الاجتماعية، وهيمنة نخبة معينة على المنافع السياسية والاقتصادية. فوفقا لنظرية الإحباط في علم النفس الاجتماعي، فإن الإحباط الناتج عن عدم تحقيق الأهداف يؤدي إلى مشاعر الرفض ويفاقم النفور من الخطاب السياسي، و اللجوء إلى الاحتجاجات كبديل عن الآليات السياسية التقليدية.

 2 : التنافر المعرفي: عندما يتصادم الواقع مع المعتقدات
يفترض المواطن المغربي أن -الديمقراطية- تستند إلى الشفافية والمحاسبة، لكن الممارسات السياسية لا تعكس هذه المبادئ في كثير من الأحيان، مما يؤدي إلى حالة من التنافر المعرفي. ووفقا لهذه النظرية، يسعى الأفراد إلى التوفيق بين معتقداتهم وسلوكياتهم، وعندما يجدون أنفسهم أمام تناقض بين القيم التي يؤمنون بها والواقع السياسي، فإنهم يعانون من عدم ارتياح نفسي يدفعهم إلى ردود فعلية جمعية تكون غير مدروسة ومشحونة بالإحباطات الداخلية.

3 : فقدان الثقة في المؤسسات والرفض المطلق للمشاركة في السياسة.
إن الثقة في الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة تشهد تراجعا ملحوظا، حيث أصبح العديد من المواطنين يرون فيها أدوات لإعادة إنتاج نفس النخب بدل أن تكون وسيلة لإحداث التغيير. يمكن تفسير هذا الوضع من خلال نظرية رأس المال الاجتماعي، التي تشير إلى أن ضعف الثقة بالمؤسسات يؤدي إلى عزوف الأفراد عن المشاركة في العملية السياسية، والاعتماد أكثر على شبكاتهم الاجتماعية لحل مشاكلهم اليومية.

4: الإحساس بالتهميش والتجاهل: الهوية والانتماء 
تلعب الهوية الاجتماعية دورا حاسما في تشكيل المواقف السياسية. فحين يشعر الأفراد بأنهم غير ممثلين داخل المنظومة السياسية، تتعزز لديهم مشاعر التهميش والانسحاب. في المغرب، تظهر هذه الدينامية بشكل واضح لدى سكان المناطق القروية والنائية الذين يشعرون بأن التنمية موجهة فقط للمدن الكبرى.
 فئات الشباب التي لا تجد تمثيلا سياسيا يعبر عن طموحاتها، مما يدفعها للبحث عن بدائل خارج الأطر الرسمية، كالهجرة الشرعية و الغير شرعية.

5: الاحتجاج كوسيلة تعبير بديلة عن الاستياء 
عندما تفقد المؤسسات قدرتها على الاستجابة لمطالب المواطنين، يتحول الاحتجاج إلى قناة أساسية للتعبير عن المطالب السياسية والاجتماعية، وهو ما تؤكده نظرية الحركات الاجتماعية. في المغرب، يتجلى هذا السلوك من خلال:
-  تصاعد الحملات الرقمية التي تكشف الفساد وتنتقد السياسيين، كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية
- اللجوء إلى الاحتجاجات الميدانية عند الإحساس بعدم نجاعة الآليات الرسمية

6: العزوف عن الانتخابات ليس حلا
رغم تفشي مشاعر الإحباط، فإن العزوف عن الانتخابات لا يعد حلا عمليا، بل يكرس الواقع القائم. فالأحزاب السياسية، بحكم الدستور، تشكل ركيزة أساسية للعملية الديمقراطية، وبالتالي فإن تجاوز الأزمة يقتضي التعامل مع الواقع السياسي بوعي نقدي وبمنهجية إصلاحية، بدل الانسحاب السلبي من المشهد.

كيف يمكن استعادة الثقة وتعزيز المشاركة السياسية؟
. إصلاح الخطاب السياسي ليكون أكثر واقعية وقابلا للتحقيق، بعيدا عن الشعارات الجوفاء.
. تعزيز آليات المحاسبة والشفافية لضمان مصداقية العمل السياسي.
. إشراك فئات جديدة في صناعة القرار، خاصة الفاعلين ذوي الكفاءة والمصداقية المجتمعية.
. تعزيز التربية المدنية وترسيخ وعي سياسي نقدي منذ المراحل الدراسية المبكرة.

نحو تجاوز الاستياء السياسي
يتضح من خلال التحليل النفسي-الاجتماعي أن الاستياء السياسي في المغرب ليس مجرد حالة ظرفية، بل هو نتاج تراكمات من الإحباط، والتناقضات المعرفية، وانخفاض الثقة بالمؤسسات، والشعور بالتهميش. ومع ذلك، فإن تجاوز هذا الوضع لا يكون بالعزوف أو القطيعة، بل بالمشاركة الواعية والضغط من داخل المنظومة السياسية من أجل التغيير، وفق رؤية تستند إلى الوعي النقدي والمسؤولية المجتمعية


Sara Elboufi
سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة مقدمة البرنامج الإخباري "صدى الصحف" لجريدة إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 17 فبراير 2025

              















تحميل مجلة لويكاند


عناوين البوابات الإلكترونية الناطقة بالعربية المغربية





Buy cheap website traffic