عدنان بن شقرون
في خريف العمر، وجدت نفسي أمام سؤال مباغت، مُقلق، بل يكاد يكون مُربكًا: مَن أكون على وجه الدقة؟ مسيرتي في الحياة أشبه بلوحةٍ متناثرة، قطعها لا تتلاءم بالضرورة مع ما ينتظره المجتمع. دخلتُ عالم الصحافة متأخرًا، ولم أتلقَّ يومًا تعليمًا أكاديميًا مُخصصًا لها. اقتحمتُ عوالم الاقتصاد دون تزكيةٍ رسمية من جامعة مرموقة، وناقشتُ السياسة من خلف أريكتي، بعيدًا عن صخب الانتخابات وميدان التنافس. كتبتُ الكتب ولم أجرؤ أن أصف نفسي بالكاتب الكامل، ونظمتُ الشعرَ أغانيَ دون أن أزعم امتلاك أذن الموسيقي. وها أنا أرسم، أمسك الفرشاة بلا خوفٍ من نقد النقاد أو من نقص في حرفية الفن.
ترى، هل أنا مجرد ثرثارٍ، شخصٌ سطحي يُلامس كل شيء ولا يُتقن شيئًا، أم أنّ الأمر أبعد من ذلك؟ منذ نعومة أظفارنا، يدفعنا المجتمع نحو الاختيار، نحو التخصص، نحو حمل لقب واضح ومعترف به، يمنحنا مكانةً مُحدّدةً في عيون الآخرين. لكنني لم أنجح أبدًا في الالتزام بإحدى هذه اللافتات الاجتماعية. دائمًا في مكانٍ آخر، دائمًا مبتدئ، دائمًا في حالة دهشة مستمرة.
هذا البحث الدائم عن التجارب، هل هو نقطة ضعف أم نقطة قوة؟ قد يراه البعض هروبًا، أو خوفًا من الالتزام بمجالٍ واحدٍ لمدى الحياة. لكن بنظرة أعمق، هذه الحركة المستمرة بين المجالات قد تُخفي في طياتها غنىً لا يدركه الكثيرون. التجربة هي قبول للخطأ، هي تسليمٌ بالتواضع، والرضا بصفة المتعلم الأبدي.
قد يسألني أحدهم: بأيّ حقٍّ أتحدث أو أكتب أو أُبدي رأيًا وأنا بلا شهادة أو تفويض؟ هل الإبداع والتعبير حكرٌ على أولئك الذين منحتهم المؤسسات ألقابًا رسمية؟ لو قبلنا بهذه الحدود الضيقة، كم من صوت جميل سيخبو، وكم من فكرةٍ ملهمة ستظل أسيرة الصمت؟
إن ما أفعله، وما نفعله جميعًا أحيانًا، هو تلبية نداءٍ داخلي، نداء الإبداع والسؤال والتواصل الإنساني. لا يتطلب الأمر إذنًا رسميًا. الفنان بلا مرسم، والاقتصادي العصامي، والصحفي الذي يولد من رحم الشغف، جميعهم يضيفون إلى عالمنا قيمةً أعظم بكثير من الألقاب الضيقة.
ثم إننا نعيش في زمنٍ بدأت فيه الحدود بالتلاشي بين التخصصات، وظهرت أشكالٌ جديدة من التعبير، وبرزت شخصياتٌ هجينة تستمد شرعيتها من التجربة، من الصدق، ومن الشغف الحقيقي، وليس من شهادات معلقة على الجدران.
أدرك الآن، في هذا العمر، أن القضية ليست أن أعترف كخبير، بل أن أكون صادقًا في رحلتي، مخلصًا في بحثي. نعم، أنا أنتقل بين عوالم يُفضل الآخرون فصلها، وأحيانًا أتعثّر، وأبدو ساذجًا، أو حتى مضطربًا. لكن أليس في هذه العفوية والتعثر علامات على صدقٍ حقيقي، وحساسية لم يلوثها التصنّع؟
إن كان لا بد من لافتةٍ واحدةٍ أعلقها على صدري، فهي "الفضول". أنا فضوليٌّ نحو العالم، نحو الناس، نحو نفسي. هذا الفضول المتجدد، هذا الاندهاش المستمر، أليس هو في النهاية أثمن ما تمنحه لنا الحياة؟
كلا، لست مجرد ثرثارٍ عابر. أنا باحثٌ متواضع لكنه شغوف، يرفض التقيد بالتخصص الإجباري. أنا في جوهري، مبتدئ أبدي، ولعل هذه هي حريتي الكبرى.
ترى، هل أنا مجرد ثرثارٍ، شخصٌ سطحي يُلامس كل شيء ولا يُتقن شيئًا، أم أنّ الأمر أبعد من ذلك؟ منذ نعومة أظفارنا، يدفعنا المجتمع نحو الاختيار، نحو التخصص، نحو حمل لقب واضح ومعترف به، يمنحنا مكانةً مُحدّدةً في عيون الآخرين. لكنني لم أنجح أبدًا في الالتزام بإحدى هذه اللافتات الاجتماعية. دائمًا في مكانٍ آخر، دائمًا مبتدئ، دائمًا في حالة دهشة مستمرة.
هذا البحث الدائم عن التجارب، هل هو نقطة ضعف أم نقطة قوة؟ قد يراه البعض هروبًا، أو خوفًا من الالتزام بمجالٍ واحدٍ لمدى الحياة. لكن بنظرة أعمق، هذه الحركة المستمرة بين المجالات قد تُخفي في طياتها غنىً لا يدركه الكثيرون. التجربة هي قبول للخطأ، هي تسليمٌ بالتواضع، والرضا بصفة المتعلم الأبدي.
قد يسألني أحدهم: بأيّ حقٍّ أتحدث أو أكتب أو أُبدي رأيًا وأنا بلا شهادة أو تفويض؟ هل الإبداع والتعبير حكرٌ على أولئك الذين منحتهم المؤسسات ألقابًا رسمية؟ لو قبلنا بهذه الحدود الضيقة، كم من صوت جميل سيخبو، وكم من فكرةٍ ملهمة ستظل أسيرة الصمت؟
إن ما أفعله، وما نفعله جميعًا أحيانًا، هو تلبية نداءٍ داخلي، نداء الإبداع والسؤال والتواصل الإنساني. لا يتطلب الأمر إذنًا رسميًا. الفنان بلا مرسم، والاقتصادي العصامي، والصحفي الذي يولد من رحم الشغف، جميعهم يضيفون إلى عالمنا قيمةً أعظم بكثير من الألقاب الضيقة.
ثم إننا نعيش في زمنٍ بدأت فيه الحدود بالتلاشي بين التخصصات، وظهرت أشكالٌ جديدة من التعبير، وبرزت شخصياتٌ هجينة تستمد شرعيتها من التجربة، من الصدق، ومن الشغف الحقيقي، وليس من شهادات معلقة على الجدران.
أدرك الآن، في هذا العمر، أن القضية ليست أن أعترف كخبير، بل أن أكون صادقًا في رحلتي، مخلصًا في بحثي. نعم، أنا أنتقل بين عوالم يُفضل الآخرون فصلها، وأحيانًا أتعثّر، وأبدو ساذجًا، أو حتى مضطربًا. لكن أليس في هذه العفوية والتعثر علامات على صدقٍ حقيقي، وحساسية لم يلوثها التصنّع؟
إن كان لا بد من لافتةٍ واحدةٍ أعلقها على صدري، فهي "الفضول". أنا فضوليٌّ نحو العالم، نحو الناس، نحو نفسي. هذا الفضول المتجدد، هذا الاندهاش المستمر، أليس هو في النهاية أثمن ما تمنحه لنا الحياة؟
كلا، لست مجرد ثرثارٍ عابر. أنا باحثٌ متواضع لكنه شغوف، يرفض التقيد بالتخصص الإجباري. أنا في جوهري، مبتدئ أبدي، ولعل هذه هي حريتي الكبرى.