كتاب الرأي

​عائدات الغاز ورهانات الجزائر في الاتحاد الإفريقي


أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في كلمته إلى القمة 36 للاتحاد الإفريقيالمنعقدة بأديس أبابا ، عن قرار بتخصيص مبلغ بقيمة 1 مليار دولار أمريكي ، لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية ، تحت ذريعة تمويل مشاريع تنموية في دول إفريقيا بناء على طلبها ، هذا الغلاف المالي يأتي في إطار ما توفر للجزائر في السنة الأخيرة من موارد مالية كبيرة نتيجة للحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا وانعكاسها على أسعار المحروقات وخاصة الغاز .



بقلم : عادل بن حمزة

 لكن بعيدا عن شعارات التنمية التي يراد يها إخفاء الأهداف الحقيقية للصندوق ، يرى كثير من المراقبين أن الوفرة المالية الحالية في الجزائر لا تشجع سوى على تعزيز منظومة الفساد من جهة ، ومن جهة أخرى تمويل كل ما يساهم في التضييق على المغرب وخاصة من خلال استئناف العمل بآلية "البيترودولار" في محاولة جديدة للتأثير على صناع القرار في عدد من الدول الإفريقية من خلال مقايضة مواقفهم من قضية الصحراء المغربية ببعض المساعدات والرشى في معركة مفتوحة مع المغرب ، يقودها الحقد وعقد التاريخ .



بكل تأكيد ليس ضروريا أن تكون المعركة عادلة لكي تحقق النصر ، فكثير من القضايا العادلة إستمرت طويلا ولاتزال ، ففي عالم تهيمن عليه المصالح ، لا مكان للخطابات العاطفية أو حتى لحقائق التاريخ والجغرافية ، ذلك مثلا ما يجعل جزءا من إسبانيا كما تدعي ، يوجد في المغرب عبر الثغرين المحتلين ، وبنفس المنطقة توجد بريطانيا على مرمى حجر من الشواطئ الاسبانية في صخرة جبل طارق ، كما توجد بريطانيا هناك بعيدا على سواحل الأرجنتين في جزر المالوين .. كما كانت في هونغ كونغ والبرتغال في ماكاو .. عموما ليس هناك منطق يحكم العلاقات الدولية .. بل هناك مصالح ومجموعات ضغط .



الجزائر قبل سنوات فهمت جيدا هذه اللعبة ، وبالنظر إلى ما توفر لها من ملايير دولارات البترول والغاز ، فإنها سعت إلى تحسين حضورها الدولي في عدد من المنظمات الإقليمية وعدد من المؤسسات المالية الدولية .. بحيث يكون لها القدرة في التأثير على قرارات هذه المنظمات والمؤسسات بما يخدم مصالحها الخارجية ، وبصفة خاصة التضييق على المغرب في موضوع الصحراء ، حيث تحولت هذه القضية في الجزائر إلى عقيدة لدى أطياف واسعة من الأمنيين والعسكريين والسياسيين .



قبل سنوات نشرت جريدة الشروق الجزائرية تقريرا لرصد حصيلة عشر سنوات من عمل الديبلوماسية الجزائرية ، وقد توقفت عند إنفاق الجزائر حوالي 2 مليار دولار كمساعدات خارجية في عشر سنوات ، هذه المساعدات والمساهمات الجزائرية تضاعفت ست مرات خلال 10 سنوات لتدارك ضعف الحضور خلال عشرية الدم وبناء السلم الوطني في عهد بوتفليقة ، حيث كان الدعم السنوي الجزائري المباشر للدول ولنشاط وبرامج الهيئات السياسية والمؤسسات المالية الدولية قد انتقل من أقل من 50 مليون دولار سنة 2000 إلى 150 مليون دولار سنة 2005 إلى ما يقارب 300 مليون دولار سنة 2010 ، حيث أن النفقات الخارجية للجهاز الديبلوماسي الجزائري كانت تقارب مبلغ 200 مليون دولار سنويا .



تضيف الشروق أن 300 مليون دولار صبت في حسابات الاتحاد الإفريقي حيث زادت قيمتها لنسبة الضعف في 10 سنوات ، فالجزائر ومنذ 2005 تساهم بما قيمته 15% من ميزانية الاتحاد الافريقي ( علما أن خمسة دول فقط قبل عودة المغرب كانت تمول الاتحاد الافريقي ب 75% من ميزانيته بالتساوي وهي مصر والجزائر ليبيا جنوب افريقيا ونيجيريا )  ويلاحظ أن هذه الدول ، باستثناء مصر ، كان لها دائما موقف معادي للمغرب ، سواء بصفة مستمرة أو متقطعة كما كان مع الراحل معمر القذافي الذي أشرف على صناعة البوليساريو قبل أن تتبناهم الجزائر ، أما المساعدات المباشرة للدول الافريقية والتي غالبا ما تدرج ضمن قسم التعاون الدولي فقد بلغت 300 مليون دولار في عشر سنوات عبارة عن مساعدات مباشرة لدول افريقية .



وقد سجل أيضا خلال العشرية الماضية ، محاولات جزائرية للعودة للتأثير في سياسات المؤسسات المالية الإقليمية حيث تضاعفت المساهمات المالية الجزائرية في صناديق ومؤسسات مالية دولية ، 12 مرة خلال 5 سنوات فقط وانتقلت إلى حدود 150 مليون دولار سنويا ، ويلاحظ أن كل من البنك الافريقي للتنمية وبنك التنمية الاسلامي هيمنا على 75 بالمائة من تلك المساهمات ، وتظهر أهمية البنك الافريقي للتنمية في حجم المساعدات والدعم التي يقدمها لبرامج التنمية في إفريقيا وللديون التي يمنحها لعدد من البلدان في القارة والتي تكون في الغالب مرهونة بمواقف سياسية في المقابل ، ومنذ 2009 أصبحت الجزائر المساهم الرابع عالميا في البنك وذلك برفع مساهمتها في رأسماله إلى 400 مليون دولار وقد نتج عن ذلك ارتفاع عدد أصواتها في مجلس محافظي البنك الذي كانت قبل سنوات مدينة له ، ونفس الشيء قامت به الجزائر في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية حيث رفعت مساهمتها فيه ثلاثة أضعاف وقد انتخبت في مجلس إدارته .



يبقى السؤال عن ماهية المكاسب التي كانت الجزائر قد تحصلت عليها من وراء هذا الحضور المالي؟ تجيب "الشروق" على أن مكاسب الجزائر من هذا الحضور المالي على المستوى الدولي تمثل في جزء منه في ما يلي :



- رئاسة الجزائري رمطان لعمامرة أهم هياكل الاتحاد الافريقي والممثلة في مفوضية الأمن والسلم .

- رئاسة جزائري لمكتب الأمم المتحدة في غرب افريقيا .

- أحمد بن حلي نائبا للأمين العام لجامعة الدول العربية ومشرفا على قطاع الشؤون السياسية وشؤون مجلس الجامعة .

- قيادة الجزائري عبد الوهاب دربال بعثة الجامعة العربية لدى الاتحاد الأوربي ببروكسيل .



بالطبع ليست فقط هذه هي المكاسب ، لأن أبرزها هو ما كانت تملكه الجزائر من قدرة على التأثير في قرارات العديد من المنظمات وكذلك الدول وذلك قبل عودة المغرب القوية للاتحاد ...


اليوم تخرج الجزائر من ضائقة مالية كبيرة ، تجلى ذلك بداية من خلال رفع ميزانيتي الدفاع والخارجية في موازنة 2023 ، وها هي اليوم تخصص 1 مليار دولار لصندوق بلاشك سيكون موجها ضد المغرب ، فما هي المبادرات التي سيقدم عليها المغرب للحد من تأثير ذلك على القضية الأولى .. الصحراء المغربية .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 19 أبريل 2023
في نفس الركن