آخر الأخبار

​ديموقراطي ال"كا جي بي" وعواقب خلط الرياضة بالسياسة!


كثيرا ما تم خلط الرياضة بالسياسة ، وحتى على هذا المستوى المنحدر من الرياضة والسياسة ، يختلف الأمر بين الأنظمة الديمقراطية أو الهجينة وبين تلك الغارقة في السلطوية ، شيء من هذا تشهده الجزائر اليوم التي يبحث قادتها عن أي مناسبة لمحاولة إظهار قوة النظام ، لا فرق في ذلك بين قمة عربية لم يحضرها أبرز القادة العرب ، وبين بطولة إفريقية لكرة القدم غابت عنها أقوى منتخبات القارة وفي صدارتها المنتخب المغربي المتوج باللقب مرتين على التوالي ، فالشان الذي يعتبر مسابقة متوسطة من بين مسابقات الكاف ، تعامل معها النظام الجزائري وكأنها كأس العالم أو الألعاب الأولمبية .



بقلم: عادل بن حمزة

وكانت الإنتكاسة الكبرى عندما خسر المنتخب الجزائري المباراة النهائية أمام المنتخب السنغالي ، نفس العنجهية تكررت مساء الجمعة الأخيرة عندما رفض المنظمون في ملعب 5 جويلية رفع العلم المغربي إلى جانب العلم الجزائري وشعاري كل من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم CAF والاتحاد الدولي للعبة FIFA  بمناسبة مباراة الوداد البيضاوي وشبيبة القبائل ، والنتيجة كانت هي إنزال العلم الجزائري ... ذلك هو أسلوب الأنظمة السلطوية التي تحاول انتهاز التظاهرات الرياضية لتقديم نفسها للعالم، غير أن بنية السلطة المغلقة ، تأبى أن تقدم صورة أفضل من الواقع وبذلك فإن تنظيم تظاهرات رياضية قد لا يفضي في النهاية إلى النتائج المرجوة بل على العكس من ذلك،  ينتج عنها نقيض الغاية من تنظيمها وهو ما يقع فيه النظام الجزائري كل مرة، بل تجاوز الأمر كل الحدود في السنوات الأخيرة .



في  روسيا مثلا ، لم تكن قرعة كأس العالم 2018 مثل كل المناسبات المماثلة، لكن الحدث كان هو حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا. بوتين الذي راهن على مونديال الكرة وكانت هذه أول مرة يحضر فيها رئيس دولة -و أي دولة- قرعة المونديال ، ذلك أن الرئيس الروسي سعى إلى إستثمار مناسبة تنظيم بلاده للمونديال ، ليس لإنجاح التظاهرة العالمية للرياضة الأكثر شعبية في العالم ، ولكن أساسا للدعاية لروسيا جديدة يقودها بوتين كقوة عالمية كبرى بصرامة شديدة ويسير بها في إطار إختيار سياسي وإيديولوجي صاعد ، يدعوه بعض الباحثين ب "النظامية" .



"النظامية" تقوم كحل بديل لديمقراطية شاخت بما فيه الكفاية ولم تعد تغري بصورتها الليبرالية الغربية كثيرا من شعوب العالم ، "النظامية" التي تعطي الأولوية للإستقرار وللتنمية الاقتصادية وللعدالة ، وتعيد الاعتبار للقناعات والاختيارات الدينية وتعزز الهوية والشعور الوطني والقومي وتعمل على الحد من حرية التعبير ، أصبحت نموذجا يغري كثيرا من الأنظمة والقادة ، خاصة لمواجهة تصاعد التيارات الشعبوية والمتطرفة التي تستفيد من الانتخابات الحرة التي تجرى غالبا في ظل ظروف إقتصادية وإجتماعية تتسم بإنتشار واسع للبطالة وعدم الإستقرار الوظيفي والقلق المستمر بخصوص المستقبل ، وهو ما يجعل فئات واسعة من جموع الناخبين يائسة وضحية سهلة ، لخطابات سياسية شمولية وشعبوية سواء كانت تصدر عن تيارات يمينة أو يسارية ، ويعتبر الرئيس بوتين ، الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز عند إنتخابه رئيسا لروسيا أول مرة بأنه "ديمقراطي الكي جي بي (نسبة لجهاز المخابرات السوفياتي السابق الذي كان بوتين واحدا من عناصره) ، نموذجا لهذه "النظامية" التي لازالت تبحث عن صهرها في قالب إيديولوجي يمكن تصديره ، أو على الأقل الدفع به في مواجهة خصومها في الداخل و الخارج .



قرعة كأس العالم صادفت عن قصد ، الذكرى المأوية لقيام الاتحاد السوفياتي وإنتصار الثورة البلشفية عام 1917 ، كانت مائة سنة قد مرت على واحدة من أكبر الثورات في التاريخ المعاصر ، ثورة غيرت تاريخ شعوب ودول وأثرت بشكل كبير في المسار الذي عرفه العالم إلى تاريخ إنهيار الاتحاد السوفياتي ، قرعة كأس العالم نظمت قريبا من الضريح الذي يرقد فيه جثمان زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين ، الذي تحول إلى مزار سياحي لازال يثير إلى اليوم نقاشا سياسيا وإجتماعيا ودينيا في روسيا ؛ غير أنه صار مجرد ذكرى لنظام سياسي وتيار إيديولوجي ملئ الدنيا وشغل الناس في قارات العالم الخمس .



مع كأس العالم 2018 ، عادت روسيا بوتين لتنفض عنها غبار سنوات طويلة من الغياب عن احتضان المناسبات الرياضية الدولية الكبرى ، حيث كان آخر ما احتضنته موسكو هو الألعاب الأولمبية سنة 1980 في زمن "الراحل" الاتحاد السوفياتي ، أما بخصوص كرة القدم ، فإن آخر محاولة كانت بمناسبة مونديال 1990، حيث تنافس السوفيات سنة 1984 مع الإنجليز واليونانيين والإيطاليين على تنظيم المونديال الذي آل في النهاية لإيطاليا بعد إنسحاب إنجلترا واليونان ، إذ فازت إيطاليا بشرف التنظيم متفوقة ب 11 صوتا ، وشاءت الصدف أن يتفكك الاتحاد السوفياتي سنة فقط بعد مونديال إيطاليا ...



بعد كل هذه السنوات هل لازالت الرياضة جديرة بأن تكون وسيلة في يد السلطوية فتحولها إلى بروبغندا لأنظمة فاسدة؟ على الأقل يمكن الجزم بأن النظام العسكري في الجزائر لازال يحاول ذلك ...

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 17 أبريل 2023
في نفس الركن