فن وفكر

نعيمة المشرقي: رحيل أيقونة فنية لن تُعوض


في يوم السبت 5 أكتوبر 2024، فقدت الساحة الفنية المغربية واحدة من أعمدتها الراسخة، الممثلة القديرة نعيمة المشرقي، التي أسهمت على مدار عقود في بناء صورة مميزة للفن المغربي. لم يكن رحيل المشرقي مجرّد نهاية لمسيرة طويلة، بل أيضاً علامة فارقة تدفعنا للتفكير في واقع الفن بعد فقدان جيلٍ من الرواد الذين أسهموا في تأسيس المسرح المغربي وتطويره في مرحلة ما بعد الاستقلال.



كانت نعيمة المشرقي تجسد في كل دورٍ تقدمه روح الفن التي تتحدى التحديات وتقاوم التفاهة والانحطاط، مؤمنةً بأن الفن ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل وسيلة للتواصل والمقاومة وبناء المجتمع. في وقتٍ كانت فيه الظروف الفنية صعبة والممثل المغربي يعاني من غياب الدعم والإمكانيات، كانت المشرقي تواصل عملها بإصرار وشغف، متحمّلة كل التحديات لتقدّم للجمهور ما يؤمن به قلبها من قيم فنية حقيقية.


على مدى سنوات، احتلت الممثلة مكانة خاصة في قلوب المغاربة، بفضل أدوارها المتنوعة التي جابت المسرح والسينما والتلفزيون. ورغم قلة تجاربها السينمائية، إلا أن بصمتها عبر الشاشة الصغيرة كانت واضحة، حيث قدمت سلسلة من الأعمال التلفزيونية التي لم تحتج إلى الدعاية لتصل إلى قلوب الجمهور. فقد كانت تؤمن بأن الفن هو حالة وجودية وليس مجرد رفاهية أو سعي نحو الشهرة.


رحيل نعيمة المشرقي ليس مجرد فقدان لشخصية فنية بل هو فقدان لجزء من تاريخ المسرح المغربي الذي ساهمت في بنائه وتطويره. ومع مرور الأيام وتقدم الزمن، نلاحظ غياب الوجوه التي عمّرت المسرح وصنعت الفرحة، وجوه مثل المشرقي التي كرست حياتها للفن بإخلاص وتفانٍ. رحيلها يترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية، فهو جرح يصعب التئامه في ظل غياب شخصيات قادرة على الاستمرار في نهجها وتقديم أعمال تضيف قيمة حقيقية للمشهد الفني.


ومع رحيل هذه الوجوه الأصيلة، يواجه الفن المغربي تحدياً كبيراً في إيجاد بدائل حقيقية تعكس عمق التجربة الفنية وصدقها. إذ يظهر اليوم جيل جديد من الممثلين الذين غالباً ما يلجون إلى المجال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى أولئك الذين يتخرجون من معاهد التمثيل، لكنهم يفتقرون إلى التجربة والموهبة التي كانت تميز جيل الرواد.


إن رحيل نعيمة المشرقي يدفعنا إلى التأمل في واقع الفن المغربي الذي ما يزال يعاني من قيود تقليدية وحدود تربوية تفتقر إلى روح الإبداع الحقيقي. فرغم الادعاءات بالحداثة الفنية، تبقى الأعمال والإنتاجات محصورة في نمط تقليدي لا يعكس تطلعات الفنانين ولا جمهورهم.

برحيلها، نفقد وجهاً فنيًا نادرًا، وجهاً ظلّ يُضيء المسرح والشاشة على حد سواء، في وقتٍ كانت فيه هذه الوجوه تعمل بدافع الشغف والالتزام الفني، بعيداً عن الأضواء الخادعة والمكاسب المادية. نعيمة المشرقي ستظل ذكرى خالدة في قلوب المغاربة وفي سجل المسرح المغربي، نموذجًا للإخلاص والعطاء الذي لن يُنسى.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 7 أكتوبر 2024
في نفس الركن