يحدث الآن

مشاكل الأمهات العازبات تتشابه


أبناء خارج نطاق الزوجية وغياب الجزئي للمؤسسات المحتضنة

يكثر الحديث عن الأمهات العازبات في آونة الأخيرة ، بعكس ما كان قبل العشر أو العشرين سنة، ويمكن أن نسلط الضوء على هذا الموضوع حتى يجد المغرب حلا جزئيا لهذه الظاهرة المثيرة للجدل ، بحيث يضل عدد الأمهات العازبات في تزايد مستمر بسبب إنجاب أطفال سفاحا خارج إطار مؤسسة الزواج أو الإخصاب الصناعي دون زوج ، أو تأجير الأرحام لرجل غريب ، مما يلزم على أحد الوالدين (غالبا الأم) برعاية الأطفال دون مساعدة الطرف الآخر ، مما يترتب عن ذلك نمو الأطفال وحيدة الوالد في ظروف معيشية صعبة لا تسمح لهم بالتعلم أو بالاندماج داخل الأسرة أو التمتع بأقصى حقوقهم في الحياة.



جمعية التضامن النسوي حبل نجاةٍ لكثيرٍ من الأمهات العازبات اللواتي تخلّت عنهنّ أسرهنّ.



وفي إطار رغبتي في المعرفة والغور في موضوع الظاهرة ، ربطت اتصالا مباشرا بالأستاذة عائشة الشنا  ، رئيسة جمعية التضامن النسوي ، قبل وفاتها بأسبوع تحديدا ، لمناقشة الموضوع من منظورها كأم حاضنة لهذه الفئة المعنفة ، حيث أكدت أن رغم مرضها وبلوغها سن الثمانين عاما ، لا تزال تتابع يوميا عبر الهاتف سير العمل في الجمعية، التي أسستها في الدار البيضاء عام 1985 ، الأمهات العازبات و أطفالهن يلقبنها ب "ماما عائشة" لأنها أنقذتهن، كما مئات الأمهات العازبات وأطفالهن قبلهن من الضياع ، وهبت حياتها للعمل الجمعوي لدعم الأمهات العازبات منذ أن عاشت موقفا لم يغادر ذاكرتها منذ أربعين عاما.

 تقول: "ذات مساءٍ من مساءات الشتاء الممطرة عام 1981 ، كنتُ عائدةً إلى العمل من عطلة الإنجاب. دخلتُ مكتب المساعِدة الاجتماعية ، فوجدتُ أمًا تحمل طفلها وترضعه من حليبها، وقد بدا على هيئتها أنها من البادية. كانت تخبر المساعِدة أن عائلتها طردتها لأن طفلها جاء ثمرة علاقةٍ من دون زواج.

تستذكر عائشة الشنا بمرارةٍ أن الأم لم تكن تريد لطفلها التشرّد ، فقرّرت التخلي عنه أملًا في أن تتولى الدولة رعايته ، يومها أمرَتها المساعِدة بالبَصم على وثيقةٍ تأكيدًا لقرارها التخلّي عن الطفل ، ثم انتزعَته من بين ذراعَي أمّه وهو لا يزال يرضع من ثديها ، ففاض بعضٌ من الحليب على وجهه وصرخ صرخةً لا تزال ترنّ في أُذن عائشة حتى اليوم.

تتابع عائشة: "عدتُ ليلتها إلى بيتي وحضنتُ ابني الذي كان في عمر ذلك الرضيع، وأقسمتُ أن أكرّس حياتي وعملي لخدمة هذه القضية كي لا تضطر الأمهات إلى التخلّي عن أطفالهنّ رغمًا عنهنّ".

 وأكدت الشنا ، أنها أسست جمعيةً لإيواء الأمهات العازبات ، بعد أن جمعَت تبرعاتٍ لم تتجاوز ألفَي درهمٍ مغربي ، إلى أن استطاعت إنشاء مشروعٍ مدرٍّ للدخل لتمكين الأمهات من كسب دخلهنّ بأنفسهنّ".

 أضافت أن الجمعية تتكفّل سنويًا بـ 50 أمًا وطفلًا لفترة ثلاث سنوات ، تقوم خلالها بتدريب وتأهيل الأمهات لدخول سوق العمل وتسهيل دخول أطفالهنّ إلى المدارس ، ففي الفترة بين عامَي 2003 و2019 ، ووفقًا لبيانات الجمعية ، استفادَت 10,001 أمٍ من برامج الجمعية ، أما في عام 2020 ، ونتيجة تفشّي وباء كوفيد-19 ، ارتفع عدد الأمهات العازبات اللواتي لجأن إلى مركز استماع الجمعية ليبلغ 1512 ، حضرَت منهنّ 256 امرأة إلى مقرّ الجمعية لتلقي المساعدة والتوجيه قبل أن يدخل المغرب مرحلة الحجر الصحّي الشامل ، كذلك تواصلت 1259 أمًا عازبةً مع الجمعية عبر تطبيق واتساب بغرض الحصول على استشارة ، ولم تتمكن الجمعية عام 2020 من استقبال سوى 14 أمٍ وطفل نظرًا للقيود الصحية التي فُرضَت على مختلف مؤسّسات المجتمع المدني.

 أوضحت الحاضنة ، أن الجمعية تعتمد بشكل أساسي اليوم على الهبات ومساعدات بعض الشركاء والمدخول الذي يوفّره المطعم والحَمّام الموجودين بالجمعية واللذين تعمل فيهما الأمهات العازبات حسب اختيارهن للتهيؤ لسوق العمل، وقد تراجع الدعم المالي بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا.

أضافت ، أن البعض يتهمها بالرذيلة والفساد، لاسيما أنها تتحدث على الملأ عن ضرورة اعتماد التربية الجنسية في مدارسنا ومؤسّساتنا العمومية.

 وشددت عائشة الشنا ، على أن القانون المغربي لا يُنصف في مسألة النسَب إلا الطفل المولود بموجب عقد زواجٍ شرعي ، أو الطفل الذي يقرّ الأب البيولوجي بنسبه له وإن كانت تجمعه بالأم خطبة معلنة  أما الأطفال المولدون من دون عقد زواجٍ شرعي بين الوالدَين ، فيحرمهم القانون المعروف بمدونة الأسرة، من كل الحقوق المترتبة عن النسَب للأب ، فالمادة 148 من القانون تنصّ على أن الطفل المولود خارج إطار الزواج الشرعي لا حقوق له على الأب البيولوجي ، وفي هذه الحالة، يمكن للأم العازبة أن تستخرج للطفل هوية أحوالٍ مدنيةٍ باسم عائلتها أو أيّ لقبٍ عشوائي ، ويمكنها أن تختار اسمًا وهميًا للأب يبدأ بـ "عبد"، مثل عبد الله ، أما المادة 161 من المدوّنة ، فتنصّ على أنّ النسَب لا يثبت إلا بإقرار الأب ، وبالتالي لا يحصل الطفل على النفقة أو الإرث من دون ذلك الإقرار.

على الرغم من الصعوبات المالية وتراجع الدعم ، لا تزال جمعية التضامن النسوي حبل نجاةٍ لكثيرٍ من الأمهات العازبات اللواتي تخلّت عنهنّ أسرهنّ.

الأم العازبة هي دائما في نظر القانون ضحية يجب انصافها ولوقوف لجانبها لتخطي وضعيتها الصعبة

وعند لقائي بمتخصصة في المجال القانوني ، أكدت الأستاذة ، أن مسألة الأمهات العازبات هي مسؤولية الجميع بمعية القانون ، وأن الأم العازبة هي دائما في نظر القانون ضحية يجب انصافها ولوقوف لجانبها لتخطي وضعيتها الصعبة سواء كانت أم قاصر أو أم راشد.
كما أبرزت ، الدور الذي تلعبه خلية التكفل بالعنف التي تجتمع كل 3أشهر ، تتكون بدورها من قطاعات عامة و قضاة وقطاعات وزارية والتعاون الوطني والعمالة والمجتمع المدني ووزارة التربية والتعليم إلى غير ذلك من قطاعات، من أجل مناقشة مثل هذه الظواهر الاجتماعية التي تشب الحريق في نفسية الضحايا وتوثر سلبا على نفسيتهم.

نشر التوعية وإرشاد الشباب يعتبر حلا جزئيا لهذه الظاهرة

وشددت المصلحة الاجتماعية بنفس المصلحة القانونية ، على ضرورة إقرار التوعية الجنسية بالمدارس وبالبرامج التلفزيونية وعلى مساعدة الإعلام على نشر التوعية وإرشاد الشباب للحد من هذه الظاهرة التي تعتبر بصمة عار على المجتمع المغربي الإسلامي المحافظ..

 وأضافت أن الأم لا تلجئ للقانون إلى بعد فقدانها الأمل في والد الطفل وبعد أن طرقت جميع أبواب النجاة، لذلك وجب تأطيرها ووضعها في أيادي أمنة بعض القيام بجميع الإجراءات المطلوبة واصطحابها لمراكز الرعاية المجاورة لتجدد أملها في المستقبل وتعمل من أجل غد أفضل مستفيدة من تجربتها القاسية ودرسها الذي لا ينسى.

القانون والولوج للعدالة ولإنصاف يبقى بمثابة أبواب مغلقة لهذه الفئة المعنفة.

وفي نفس السياق ، أكد الأستاذ محمد اشماعو، محامي بهيئة الرباط ، على أن إشكالية الأمهات العازبات تحيلنا إلى ملف ذو طابع اجتماعي مقترن بما هو أخلاقي ومقترن كذلك بغياب العدل والإنصاف لفئة من المجتمع ، فئة النساء التي يتعرضن لأبشع أنواع الاستغلال الجنسي في ضل غياب مسالك العدالة والانتصاف للولوج للقضاء ، مع وجود ثقافة محافظة ووجود أعراف وتقاليد تحول دون اسماع صوت هاته الفئة.

وأشار إلى أن العدد المقارب للأمهات العازبات بالمغرب ، قد يصل حاليا إلى 40 ألف أم ، بمعنى 40 ألف قضية و 40 ألف حالة إنسانية ، أمهات يلدن أبناء يتحملن مسؤوليتهم وكل واحدة منهم تحمل معها قصة ووجه من الظلم، فمنهن فئة يتم استغلالها واستعبادها من طرف أولياء أمورها ، وهذا ما يدخل في نطاق يمكن أن ندخله في نطاق اتجار في البشر، لأن عدد من النساء في البوادي يرسلن بناتهن الصغار إلى العمل لدى أرباب العمل في منازل ويتعرضن الأبشع أنواع الاستغلال الجنسي وينجبن ويلقى بهن في الشارع ، وحتى الأسرة بحكم الثقافة السائدة يستحيل عليها أن تتوجه إلى القضاء لحالة خوف وفي غياب الأدلة واثبات لأن الجرائم والاعتداءات تكون في أماكن مغلقة ونقط سوداوية لا يقع عليها أبدا الضوء ، في ضل غياب نظام تحقيقي منصف عادل يمكن أن يوصل الناس لحقوقهم.

وأبرز الأستاذ اشماعو ، الجانب النفسي الذي يعاني منه معظم النساء ، حيث يعانون جل المعنفات بأمراض نفسية ذات صلة إما بتوحد أو باكتئاب حاد أو انفصام في الشخصية أو مرض دهان أو غيره من الأمراض النفسية ، حيث يكن بمثابة طعام أو شهوة في مئاديب للفئات المتوحشة التي تنهش أجسادهن ويكون المنتوج عن ذلك أبناء خارج نطاق الزوجية كما أن غيال الجزئي للمؤسسات المحتضنة لهذه الفئة ، ربما تتجاوز امكانيات الحماية المتاحة ، لأنها مأسي مستمرة ، لأن المأساة تبدأ مع الأم لحظة تعرضها للاعتداء معين أو إغراء معين أو إغواء معين ويتعذر عليها اتباث علاقة الزوجية أو حتى اتباث النسب ب ADN   إلى غير ذلك ، في هذه الحالة تظل لأم تعاني مع ذلك الابن نظرة المجتمع وتواجهها وتواجه معها عراقيل متنوعة ، وبتالي لا تستطيع الأم مطلقا إن تعذر عليها الحصول على وثائق إدارية لازدياد الطفل والحاقه بها أن تكمل حياتها مع طفلها وتختار أن تقدمه لعائلة لها أملاك لتربيته بعنايتها الخاصة ، رغم أنه لا يتوفر عن هوية وبتالي لا مجال لها للولوج لا للتعليم ولا توظيفـ ، رغم أن المشرع أتاح لهذه الفئة امكانية النسب من طرف أمه ومنحه بطاقة ازدياد باللقب العائلي للأم ، لكن ليست كل الأمهات لهن هذه الإمكانية القانونية التي تحل اشكالية الهوية وتحل مشكلة الوثائق الإدارية وإشكاليات الوجود القانوني للإنسان في هذا الوطن، فهو موجود فقط ماديا ولكن وجوده القانوني منعدم، لا بطاقة وطنية ولا رخصة القيادة ولا........

لذلك يمكن القول أن معاناة الأمهات العازبات هي معاناة مركبة تبتدئ من الأم ، التي قد تكون ضحية اعتداء جنسي أو إغواء أو ضحية مرض نفسي أو غياب لعدالة أو الاستغلال من طرف شبكات الدعارة المنظمة  والمهيكلة ، وعدد من الأمهات لا يملكن أبدا الحيلة للخروج من بوسقة الدعارة لأنها تعتقد نفسها قد وصمت بأنها خارج المشروعية الأخلاقية لها ابن خارج مؤسسة الزواج، وبتالي المجتمع لن يرحمها وانقطعت عنها أبواب الرجعة أو التوبة لذلك تمنح جسدها إلى رواد نخاسة النساء و التجارة الجنسية ، وتبقى معاناة هذه الفئة لا حل لها لأن القانون والولوج للعدالة ولإنصاف يبقى بمثابة أبواب مغلقة لهذه الفئة المعنفة.
 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 31 أكتوبر 2022
في نفس الركن