كتاب الرأي

ليلة القدر خير من ألف شهر : محاولة سبر مغزى ليلة إستثنائية تعدل عمرا بأكمله


في هذه العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل ، يزخر الضمير الجمعي المسلم باستحضار متجدد لموعد ومغزى ليلة القدر المباركة ذات الحمولة الدينية والوجدانية الوازنة ، ويكاد يستقر على أنها الليلة التي تكتب فيها الأقدار من جديد .



عبد المجيد ميكو

أود اليوم أن أخوض في هذا الموضوع ذي الرمزية الخاصة لدى كل المسلمين، مساهمة متواضعة مني في النأي به عن كثير من التمثلات التي تزج به زجا في غياهب الوهم والشك والجهل .



أولا ، إن مثل ليلة القدر عندي كمثل سحابة من نور محملة بغيث الإستجابة الإلهية ، تطفو بإذن ربها على كل العالمين عبر الكون بأكمله لتسقي الداعين التائبين ،  وتصل في ليلة واحدة أوحدة تتابعا لكل مناطق الدنيا متى حل ليل أصحابها ، فليس هناك إذن ليلة قدر في الصين وأخرى في السعودية وثالثة في المغرب ورابعة في الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا .



ثانيا ، إن الأقدار عندي لا تكتب من جديد في هذه الليلة ولا في أي ليلة أخرى مادامت أنها محسومة مقررة مبرمجة في سابق علم الله سبحانه وموثقة في سجلات الرحمن منذ أن خلق الإنسان ، فالله عز وجل عالم بذاته منذ الأزل وإلى الأبد ، لا يغير علمه أي حادث ولا أي شيء ، وإلا فسيكون الحق سبحانه وتعالى متجدد العلم بفاعل خارج عن ذاته وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . 



إلا أن حدث ليلة القدر وإن كانت لا “تزمم” فيه الأقدار في تجدد سنوي مستمر كما يدعي عامة الناس ، فإنه يبقى مع ذلك موعدا استثنائيا بين العبد وخالقه يمكن أن يتغير فيه وضعان جوهريان بفضل "مفتاح" الدعاء ، "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" :
• ذنوب العبد التائب الملح في طلب العفو في هذه الليلة المباركة، التي يمكن لله عز وجل أن يمحوها جميعها استجابة له، بل يمكنه سبحانه أن يبدل كل سيئاته حسنات، وفي هذا وذاك عتق من النار. "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا".

• مبتغى يطمح إليه العبد فيدعو ربه دعاء صالحا ملحا في هذه الليلة المباركة، فيستجيب له الحق سبحانه متى تعلق هذا الشيء بقضاء معلق إذ لا تبديل لأي قضاء مبرم، وإلا فستعم الفوضى والعبث في كون يحكمه نظام إلهي مضبوط يضمن تناغمه واستمراريته ، فالمستهدف بالدعاء إذن ليس رد القضاء بل اللطف فيه وتيسيره والبركة فيه والتنفع منه.

 

وهكذا فبالدعاء يبارك الحق سبحانه في عمر عبده أو ييسر رزقه بعد عسر أو يوجهه إلى طريق الخير بعد تيه أو يهون عليه آلام ومشاق الدنيا …إلخ .



والتأكيد هنا على أن يكون الدعاء صالحا مرده لكون الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه ومن تم فإنه لا يستجيب أبدا لدعاء من عبد يريد به إلحاق الأذى بعبد آخر مهما ألح وسجد وأيا كان ذاك العبد . 



وهكذا فالعبد الذي أدرك ليلة القدر وارتقى إلى سموها ، مؤهل لأن يفوز بالعتق من النار واستجابة الدعاء وهو ما يمكن ألا يناله أحد طوال حياته وإن امتدت إلى ما يناهز 84 سنة مما نعد أي الألف شهر المذكورة في القرآن .



ومثلما أن العبد يقضي ليلة القدر داعيا ملحا بين يدي خالقه عساه يستجيب له ، فالمطلوب من هذا العبد في نفس الآن وخلال هذه المناجاة مع خالقه ، أن يعفو هو بدوره عن كل من ظلمه وأن يدعو لكافة الناس بالخير .



فاللهم يا ذا القدر العظيم بلغنا ليلة قدرك وامنن علينا فيها بشامل عفوك وكامل مغفرتك وجزيل عطائك ومنتهى لطفك ، عفوا ومغفرة وعطاء ولطفا على قدر قدرك وقدرتك يا من قدره أنه هو الله ويا من قدرته في قوله كن فيكون ، بقدر عظمة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 12 أبريل 2023
في نفس الركن