كتاب الرأي

لسنا أغبياء وهم ليسوا عباقرة... إنهم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح




عدنان بن شقرون

في كل مرة نُصدم بفارق التقدّم بيننا وبين الغرب، تتردّد على ألسنة الشباب عبارة تحمل مرارة الواقع : "الغرب ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح."

قد تبدو هذه الجملة بسيطة، ولكنها تختصر قرونًا من الفجوة الحضارية، ومن الاختلاف العميق في طريقة التعامل مع الفشل، وفي تصوّرنا عن النجاح، العبقرية، والدعم المجتمعي.

 عبقرية مصنوعة... وليست موروثة

الغرب لا يصنع عباقرة من فراغ. بل يصنع ظروفًا تحتضن الإنسان العادي ليجرّب، ليفشل، ليعيد الكرّة، وليُمنح فرصة ثانية وثالثة. ستيف جوبز طُرد من شركته، إيلون ماسك أفلس أكثر من مرة، عشرات العلماء رفضت أوراقهم البحثية لسنوات. ولكن المجتمع لم يضحك عليهم، بل استثمر فيهم.

أما نحن، فننظر إلى الفشل كخطيئة، كوصمة، كحكم بالإعدام على صاحب الفكرة. كم من طالب تمّ تحطيمه لأنه لم ينجح من أول محاولة؟ كم من مشروع وُئد لأنه لم يُقابل بالتصفيق في بدايته؟ إننا لا نمنح الهشاشة فرصة لتقوى، بل نكسرها سريعًا.

 ذاكرتنا الحضارية أقوى من واقعنا

نحن ورثة حضارة أنجبت ابن سينا والخوارزمي وابن رشد وابن خلدون. العالم بأسره تعلّم من جامعاتنا القديمة. ولكننا اليوم نُشكّك في قدراتنا، ونستهزئ بمن يخرج عن المألوف. وكأننا فقدنا الإيمان بقدرتنا على الإبداع. الحقيقة أن العبقرية العربية لم تمت، ولكنها لم تعد تجد من يحميها في لحظات ضعفها الأولى.

 الدعم هو الفارق

في الغرب، الفشل لا يعني النهاية، بل بداية جديدة. هناك حاضنات مشاريع، دعم نفسي، قروض صغيرة، برامج إعادة تأهيل، ثقافة مجتمعية تحتفي بمن يجرؤ على المحاولة. الخطأ هناك قابل للتصحيح، أما في مجتمعاتنا، فغالبًا ما يكون الخطأ نهاية السيرة.

إن الفرق الجوهري ليس في الأدمغة، بل في البيئة المحيطة بتلك الأدمغة. الغرب يحتضن، ونحن ننتقد. الغرب يشجّع، ونحن نُحبط. الغرب يرى في الفشل تجربة، ونحن نراه فضيحة.

 حان وقت المراجعة

لن نتقدّم ما لم نعِ أن أولى خطوات النهوض تبدأ من إصلاح علاقتنا مع الفشل. نحتاج إلى تعليم يُشجّع على المحاولة، إلى أسر تحتضن المحاولات، إلى إدارات تُكافئ المبادرة حتى إن تعثّرت. علينا أن نعيد تعريف النجاح: ليس من يصل أولًا، بل من لا يتوقّف عن المحاولة.

 لنزرع الفشل ليُثمر

لسنا أقلّ من غيرنا. ولكنّنا بحاجة إلى بيئة تقول للفاشل: "جرّبت؟ أحسنت... الآن أعد الكرّة!"
في عالم يعجّ بالتغيّرات، لا تنتصر العبقرية وحدها، بل ينتصر من يملك مجتمعًا يحميه حين يتعثّر.

الغرب ليس عبقريًا لأنه مختلف جينيًا. هو عبقري لأنه يعرف أن كل شجرة بدأت ببذرة خائفة.
أما نحن، فربما آن الأوان لنتعلّم كيف نسقي بذورنا، بدل أن ندفنها وهي حية.




الأحد 6 أبريل 2025
في نفس الركن