فن وفكر

قصائد علال الفاسي...... ملاحم كبرى في حب الوطن والدين وبيت المقدس


إليك إلاهي دعوتي وعبادتي.... ومنك استعاناتي لفك وثائقي
إلاهي أغت شعبي لوحدة فكره.... على سنة العلى سنة الإسلام خير عتاق
وللمصطفى المختارأخلص وجهتي.... وأقبس من أنواره ضوء إغساق
عسى سره الفياض يعمر أمتي.... بمعرفة تأتي..... بمعرفة تأتي بها كل إفلاق


هذه أبيات جليلة مؤثرة مثقلة بأحاسيس المجاهد الشاعر و العالم والمفكر علال الفاسي .... الحامل لهم الوطن والعائلة .. هو الخارج لتوه من محنة المنفى ..أبيات ختم بها قصيدته العمودية " إليك رسول الله" من ديوان "علال الفاسي" الجزء الثالث ..
الديوان مكون من ثلاثة أجزاء الأول يضم أشعار الزعيم الراحل قبل نفيه إلى الغابون سنة 1937 ، والجزء الثاني يضم أشعاره وهو في منفاه وذلك من سنة 1937 الى 1946ويغلب على قصائد هذا الجزء حسب مقدمة الديوان ، الحنين إلى الوطن والعائلة وتغنيه بالحرية والانعتاق وكل مايحيط بهوية الانسان المغربي والمسلم ، والجزء الثالث هو عبارة عن قصائد نظمها الزعيم الشاعر والمفكر رحمه الله منذ رجوعه من المنفى في الغابون ، وهي عبارة عن قصائد مضامينها سخية و مختلفة ، تحمل عناوين تنقل القارئ إلى عوالم رحبة جمعها الزعيم في أبياته التي تؤكد جميعها أنه رجل غير عادي ، ومن هذه العناوين هناك "تأملات " وعلى " درب العروبة " و" في سبيل بعث إسلامي " ، وغيرها من القصائد والعناوين التي اخترنا منها في هذه القراءة قصيدة " إليك رسول الل ه" التي حسب مقدمتها في الديوان أهداها الزعيم المغربي علال الفاسي إلى " شباب الاستقلال المسلم الذي كافح الملاحدة في عامة مولاي عبد الله بالدار البيضاء " ، إهداء يجعلنا نلتفت لحقبة مهمة من تاريخ المغرب ..ويقربنا من شخصية الزعيم..



 يبدأ القصيدة بأبيات  شعرية مؤثرة تحمل هوية الشاعر المسلم المناضل الجليل والثوري .. يناجي فيها الرسول الكريم الذي كان مصدر إلهامه وإشراقه :
 
"إليك رسول الله حبي وأشواقي ...ومنك رسول الله مصدر إشراقي
ومن فعلك البناء مطمح همتي ... ومطلع أمالي ومنهل أذواقي
وسيرتك الفيحاء منهج قوتي ... فيا ليتني أحظى بتهذيب أخلاقي
أحن إلى تلك المعاني التي انطوت ... شمائلك الحسنى عليها كأعلاق "
وتتداعى الأبيات والكلمات ثرية عميقة ..
....
....

 فعلال الفاسي رحمه الله هو شاعر ومفكر وعلامة ومجاهد وزعيم، ويبقى حبه لرسول الله وللدين الاسلامي وللوطن مصدر قوته ، وبالتالي ترك للمغاربة إرثا ثريا ، تفتخر به الأجيال وبخاصة حزب الاستقلال الذي مازال بفكر علال الفاسي يتربع على قيادة الأحزاب الوطنية ، التي لم تتخل عن مبادئها لأن مرجعها هو الإسلام ، وفكر علال الفاسي وكتابه الشهير النقد الذاتي ......  وطبعا هذه الدواوين وما خلفه من مؤلفات ..
 
 
 ومن خلال قراءتي لبعض قصائد ديوان علال الفاسي (روض الملك أو جنة ميز)  الجزء الثالث ،  والتي أثرت في كثيرا كما باقي القصائد التي حملت مجموعة من الرسائل التي أراد الزعيم أن تبقى حية في ذاكرة المغاربة ، وحتى العرب جميعا هو المؤمن بالعروبة وبالوطن الإسلامي ككل هناك قصيدة " إلى الإسلام الجديد"وقصيدة "نداء من الساقية الحمراء ووادي ذهب" وقصيدة  "مسيرة القدس" وقصيدة " من الأعاريب إلى الأمازيغ " وقصيدة " أغنية من الباطن " ومن هنا  أدعوكم للصعود  لعالم  علال الفاسي الشاعر..... والغور في صفحاته الجميلة المنيرة المليئة بالعطاء والفكر والتحريض على الحب والإخلاص حب رسول الله والإخلاص للوطن ...
 
كان الراحل في جل قصائده  يناجي الخالق سبحانه وتعالى ويتضرع إليه من أجل منحه القوة حتى يستطيع الاصطفاف مع شباب الأمة والمدافعين عنها،  هو القائد الزعيم والمجاهد والثائر ضد الاستعمار وظلمات الجهل والإلحاد ، الذي كان يحوم حول شباب تلك الحقبة وحتى الآن ، ما يعني أن فكر الزعيم علال الفاسي وشعره يبقى سابقا لأوانه ،   هو من اتبع منذ بداياته منهج الحق الذي لا يخيب ... وكذلك من اتبع  سنن الهدى و نور النبوة ونبع الأخلاق والإيمان ، والتصدي للإلحاد ، من خلال التعليم وتربية  النشء والأجيال الصاعدة على تعاليم خير الخلق .

كان فقيد الوطن يعاني من أجل وطنه، ويركب المستحيل من أجل الدفاع عن شباب الأمة والجهر بالحق والمرافعة عن أصول الدين ، حيث جاء في قصيدة "إلى الإسلام من جديد"
 
عهدنا أمة العرب المجيدة... تسير بسيرة حسنى رشيدة
وتحيا وحدة لا شوب فيها... لخلف في المبادئ والعقيدة
لها الإسلام دستور مكين... تعيش بظله ملل عديدة
تبادل بعضها حبا وصدقا ... يؤهلها الأحوال سعيدة
تعاونها على بر وتقوى... لإنتاج وأعمال مفيدة
تضامنها لدى كل القضايا... يرينا جبهة العرب الوحيدة
 
فقد انقلبت مفاهيم الكثيرين بعد أن تخلوا عن دينهم وجنحوا للإلحاد، وأصبحت مداركهم تمضي على غير نصابها ، وبعد أن أصبح العلم لا ضرورة له وأضحى الأدب يعبر عن لا شيء غير الأوراق والأديب لا ينتمي للعلم، وتحولت الصحف التي أردناها أن تنشر المبادئ إلى نقمة تدافع عن فكر الأعادي، ورفضت أن تكتب عن مناصري الدين .

خاطب زعيم التحرير في قصيدته " إليك رسول الله " خالقه بكل ما يختلج في صدره وناجاه معلنا  معاناته وبكاءه عن حال وطنه وأمته والشباب الذين لم تعد لديهم غيرة على دينهم ، مؤيدا الشباب الصالح الذين واصلوا نشر الرسالة والتشبث بالدين وتأييدهم عن مكارم الأخلاق .
 
لقد رمم علال الفاسي كل ما هدمه المعمر بفكره وتنظيمه وسار على طريق الشورى بدون تعصب للرأي أو رفض الاختلاف في النقاش ، كان عصاميا مؤمنا ببناء الذات والإدلاء بالرأي بصراحة ،  وبعد التحرر ورحلة ألف ميل والجهاد من أجل وحدة الوطن ، يقول علال الفاسي في قصيدته التي تحمل عنوان " من الأعاريب إلى الأمازيغ "
وقد بعثتم لهذا الشعب همته... برغم ما نال من كبت وحرمان
سيذكر المغرب الأقصى جهادكم... والعرب تذكره في كل ميدان
ثقوا بأن جميع الشعب حولكم... البدو والحضري في الأمر سيان
إنا على العهد لا نالوا مناصرة... للضاد لا نخشى من أي طغيان
فلنمض متحدين. الضاد تجمعنا... والله ينصر من ذبوا بإيمان .
في تأكيد منه على التحام الأمازيغ والعرب دينيا وإيمانيا هم من عانقوا لغة الضاد لأنها لغة القرآن
 
فقد المغرب سيادته وأصيب الشاعر علال الفاسي بخيبة أمل بعد تقطع أوصال الوطن ، معلنا حبه للحرية، والأمة ، ووصفه لما أصاب الأسر التي توالت على حكم البلاد.... خاصة في عهد الاستعمار وقوة الأسرة العلوية في تدبير المرحلة حيث قال في قصيدته "إلى الإسلام من جديد" ص 81 من كتاب ديوان علال الفاسي
كذلك أمتي عاشت زمانا...... تولى حكمها أسر عديدة
تصاب بالاضطراب فتزدريه.... وتأخذ أمرها بيد شديدة
وإن نكبت بالاستعمار حينا.... وعاشت عيشة ليست رغيدة
وقطع أرضها شيعا عدو.... ليملك شعبها ولكي يسوده
فقد ظلت تبادله نضالا.... وتقصي من مواطنها جنوده
 
 
فكل فكرة في نظر الزعيم علال الفاسي لا تعمل على توجيه الأمة صوب التطور والتقدم إلى الأمام ،  فهي فكرة عقيمة يجب رفضها ومحاربتها ، ودعم الفكر الحر الداعي النهوض بالأمة .
 
ألهب الزعيم حماس الجماهير في قصيدة " نداء الساقية الحمراء " بجرأته في قول الحق غير هياب ولا وجل ، ودفعته همته إلى الانخراط مع الشعب وسلطان البلاد ،  لمواجهة العدو الغاصب الذي كان لا يمل من التفكير في وضع الخطط ليسيطر على الوطن ويحكم قبضته عليه ، وفي عز الثورة على المستعمر ارتفع صوت علال الثائر الذي جاهد بالفكر والتحريض على محاربة العدو وكذلك بالشعر ليثير الحمية في نفوس أبناء الوطن وشبابه ...  حاثا إياهم على الثورة والاحتجاج فكان الصمود ورفض المستعمر والنضال حتى النصر وتمكن الوطن من الاستقلال .
 
كان لصدق لهجته أثر كبير في استجابة الناس له ، ولم يكن يخاف الموت ولم يخش النهاية لأنه يؤمن بواجبه الوطني والديني  .. فدافععن أمة الإسلام وعن الوطن ، وجاء في نفس القصيدة " نداء من الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى المواطنين ملكا وحكومة وشعبا"
بني قومي ، بني وطني هلموا... إلى العمل المجد للانتصار
إلى تضحية الأرواح فيما... يعود برد حقكم المعار
وهاذي دعوة للشعب طرا... وللحكام باسم بني الصحاري
وللملك الهمام ومن إليه... يؤول الأمر في فك الإسار
نداء المستجير من الأعادي... ومن أولى يجيب إلى الجوار
هم إخوانكم وبنو أبيكم ... وحقكم عليكم جد دار
......

علال في المنفى

وتبقى مرحلة المنفى علامة فاصلة في حياة وفكر الزعيم علال الفاسي ، حيث كان يؤنس وحدته في ديار المنفى بمناجاة ربه وطلب القوة والصمود من أجل خروج هذا الوطن من ضيق الاستعمار والنفاق بعد أن أحس بالغربة حتى وهو في وطنه ..  وبين أحبابه لأنه كان تحت المراقبة، كان يستأنس فقط بأفكاره وشعره الذي يتغنى بالوطنية وشوقه لعائلته .

 رفض الزعيم الصمت وتشبث بعزيمته في الدفاع عن الإسلام والوطن والعروبة ، وكان النصر وتحرر الوطن و اكتملت وحدته باسترجاع الصحراء .
 
 تحققت رؤية علال الفاسي النابغة الذي سبق سنه وتنبأ بأحداث في غير وقتها وكتب عن تقلبات الزمن والبحث المستمر عن اتجاهات الحياة ومحاولة الحكم في سير الأشياء وفقا لما تستدعيه مصلحة الإنسان الذي أنزل لهذه الأرض ليكون خليفة الله فيها بالعمارة والإصلاح، فكانت دعوته حركة دائمة وجعل هذه الإرادة جزءا من فكره الذي  ساد في المجتمع و باعثا لحرية التفكير والعمل التقدمي رافضا فرنسة التعليم، كون العربية لغة الفاتحين .
 
كافح علال المناضل وترافع عن قضايا الشباب المغربي ودافع عن تكريس قيم العلم والثقافة وتكريس لغة الضاد وتعليم الشباب ومكافحة أوجه الظلم بالعلم والفكر والمعرفة .

حيث جاء في قصيدته " أغنية من الباطن"
قولوا لنا
هل أنتم من قومنا؟
من شعبنا، من أرضنا؟
قولوا لنا
هل أنتم من ديننا؟
من جنسنا، من أهلنا؟
أم أنتم الإفرنج من أبناء غال؟
وترانكم من غيرنا؟
قولوا لنا
إن كنتم من قومنا، فعلام لا ترضون أن تتكلموا بلساننا ؟
وعلام في كل المجالس تنطقون
تتحدثون وتدرسون وتكتبون
كأعاجم لا يعرفون من الكلام
سوى لغات الفاتحين؟
وتفرنسون شبابنا وبرامج التعليم
ومناهج التفكير والأبحاث والتدوين
وعلام لا ترضون بالعربية الفصحى
لغة الإرادة والدراسة والشؤون
قولوا لنا
مع ذلك هل أنتم لنا؟
من قومنا؟
قولوا لنا .
 
لا يكل الزعيم علال الفاسي من التذكير بأن الإسلام دين كل الأزمان، داعيا للتشبث به وأن  لا نقطع الصلة بالسلف ونستأنف السير إلى القمة، ونؤمن  بالعمل والكفاح والتمتع بالحق والشعور بالعدل وتذوق معاني الحرية ، ولم يكف الزعيم المجاهد علال الفاسي عن دعوة الشعب إلى العلم والإصلاح الشامل ومقاومة الجمود في كل فروع الحياة لذلك دافع وباستماتة عن قضايا الوطن والوطنية وحارب كل مظاهر القهر والعنف ودعا في متم ذي الحجة 1390 ه (يوم 26 يبراير  1971م الشعب المغربي إلى الهجرة من أجل تحرير القدس المستعمرة والمنكوبة من الصهاينة، حيث جاء في قصيدته" مسيرة القدس "
هبت نسائم الربيع وموسم الهجرة هب
هبت علينا نفحات القدس
 فلنمش في مسيرة القدس
دعوتنا الوحدة والعروبة
شعارنا التوبة والإنابة
والموت في الله وفي البلاد
أسمى أمانينا من الجهاد
هبت نسائم الربيع
وموسم الهجرة هب
هبت علينا نفحات القدس
فلنمض في مسيرة للقدس

وهكذا يمكننا من خلال قراءتنا لبعض قصائد الزعيم علال الفاسي أن نقر أننا نقف أمام قامة علمية فكرية وأدبية نادرة .
رحم الله الزعيم علال الفاسي .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 8 نونبر 2022
في نفس الركن