كتاب الرأي

في ضيافة نادي الطريق المضيء


بدعوة من نادي "الطريق المضيء" ومركز الدراسات والأبحاث "المغرب الأقصى" ورابطة الدفاع عن الإشعاع القانوني والثقافي والفني، حضرت يوم 27 ماي 2023، بالمركز الثقافي البريطاني "لندن أكاديمي" ندوة في موضوع "رؤى نقدية: تقاطعات في خطابات التنمية الذاتية" أطرها الفيلسوف والسوسيولوجي إلى جانب الصحافي والسيكولوجي. وقد أدارها باقتدار عضو النادي: عبد الرحمن، فيما أثاره في تقديمه من دوافع لتأسيس ناد يهتم بموضوع لم تتحدد معالمه بوضوح، بدليل تقاسم مجاله بين مجموعة من العلوم والمباحث، شاكرا للشركاء دعمهم للنادي في تحقيق طموح النهوض بخدمة إنسانية لفئة عريضة من المجتمع من مختلف الشرائح.



 في معالجة الموضوع، حضرت أبعاد متشعبة ومتداخلة، تستوجب تنظيم أيام دراسية، حتى تتضح الرؤى، ويتبين حدود موضوع، لا زال عرضة للمتطفلين. ولأن المصطلحات مفاتيح العلوم، حاول الصحافي، محمد علي الحنشي، رصد مفهوم التنمية الذاتية بعين السوسيولوجي المتفلسف، مستخلصا تحديده فيما يمكن إجماله في "تحسين قدرات الفرد، لتحقيق النجاح في
العمل"، مثيرا حقل الاشتغال على المجازات اللغوية الموظفة في التنمية البشرية، لما تحمله من دلالات إنسانية بمرجعيات اجتماعية وقيمية مختلفة
 
 فيما تحجج الدكتور رشيد جرموني بندرة المراجع في اللغة العربية، مكتفيا بتقاسم بعض مما يستثيره من إشكالات، باعتباره باحثا في السوسيولوجيا، على قناعة بأن مجال التنمية الذاتية لا يخرج عن إطار نظريات التغيير الاجتماعي، مستبعدا النظرية الماركسية من مجال أشكلته، لكونها تقصي الفرد من صيرورة التغيير، مستحضرا، في مقابل ذلك، وجهة نظر بورديو في اعتباره "الإنسان مشروط ببنيات رمزية". وفي تشخيصه لواقع التنمية الذاتية، يرى المتدخل أن الطلب، في المجتمعات الغربية، يزداد بقوة على هذه الخدمة، في ظل ما أصاب مؤسسات التنشئة الاجتماعية من فتور في أداء وظائفها وأدوارها، إلى الحد الذي أصبحت تتقاطع مع  التدين العام، في تحقيق الخلاص الفردي
 
أما الأستاذ عزيز لزرق "صاحب القميص الأصفر" رفض استعمال مفهوم التنمية الذاتية مفضلا، بدله، مفهوم المرافقة أو التنمية الشخصية، لما يحمل من دلالة عن استقلالية الفرد، في زمن توهم التنمية الذاتية بتقويته في مواجهة تكاليف حياة دائمة التجدد، حتى أننا لسنا ندري، كما يقول بورديو "هل نحن أمام تنمية تبني الحياة أم هي اقتصاد للموت"
 
 وفي تحليله لوظيفة الخبير في التنمية الذاتية، يستقرئ المتدخل تاريخ الوساطة، مذ كان الوسيط حكيما أو مثقفا أو زعيما سياسيا، إلى أن وقع الفرد، في شباك مؤثرين، لا علاقة لهم بالتنمية الاجتماعية، أوهموه بأنه وحيدا في هذا العالم، وأنهم الأجدر بتخليصه من وضعية الهشاشة والانجراح
 
   هذه التنمية المسماة ذاتية، نشأت في سياق أنتج خطابات، تمتح من حقل إبستيمي، قام على ثلاثة أسس
 
1)   ادعاء تأمين حياة الإنسان، في محاولة لبرمجة كل جوانب عيشه؛
2) توهم صناعة الهناء، بناء على الاعتناء بالجسد، وفصله فصلا تعسفيا عن الذهن، لإدخاله في دوامة البحث عمن يساعده على قبول جسد، فقد طبيعته وفطرته؛
3) حقل إبستيمي حول المؤسسات من طبيعة خدماتية إلى مهنية تقنية، جراء أزمة هوية راحت ضحيتها العالم المعاصر.
 وضعية سيزيفية يتخبط فيها إنسان جريح، يطلب المساعدة، ولا يتوقف عن اللهاث وراء تكاليف حياة معاصرة لا تنتهي، أغفل فيها الإنسان شرطه الإنساني، فنسي أن الحياة خير وشر، فرح وألم، لاهيا عن بعده الروحي المفعم بالحب والجمال والسلام
 
الدكتور لطفي الحضري، بحكم تخصصاته، تناول موضوع التنمية الذاتية في علاقتها بعلم النفس الإيجابي، على مستوى الفرد، قبل أن يدخل مجال الأسرة، باعتبارها حاضنا لشخصيته. مؤسسا سياق العلاقة في ثلاثة تقاطعات؛ أولها اطمئنان العموم للعلاج النفسي، وثانيها مرجعية التنمية الذاتية، وثالثها، الخروج عن السياق كان سببا في أزمتها وتسيبها. منبها إلى أهمية الانتقاد في النهوض بهذا المبحث شريطة الالتزام بالعلمية، وإلا سنسقط إما في الادعاء أو الإيديولوجيا، وهما مدخلان لهد أركان التنمية الذاتية
 
 كان مستوى النقاش راقيا، أغنى المداخلات بملاحظات وتساؤلات واقتراحات، تنم عن أن الوضعية الثقافية بالمغرب لا زالت بخير، يكفي أن تحضر الجودة والتنظيم المحكم والتوزيع العادل للكلمة، حتى يحصل التفاعل الراقي المخصب للرؤى إثمارا للنتائج. ومن الإشارات اللامعة، أكتفي بالتوقف عند ثلاث، شكلت عامل جذب لما سيأتي من الندوات
 
- تشتت موضوع التنمية البشرية بين مباحث متشعبة، يدعو إلى التفكير في تنظيم يوم كامل لتحديد التقاطعات، في أفق التقعيد لعلم بموضوع ومنهجية مميزان، لتحصينه من المتطفلين
 
- ما هي المداخل العلمية لاستنبات تنمية تراعي خصوصية الذات الوطنية الموسومة بثقل التقاليد؟ 
- كيف يتم تخليص التنمية البشرية من الوصفات الجاهزة في التعامل مع كائن ذي تركيبة معقدة، تتكون من جسد وعقل وروح؟
 
التغطية الصحافية قام بها باقتدار وتمكين، في أبهى صورة وأنصح صوت، فريق شاب ينتمي للمؤسسة الإعلامية «L'ODJ Média» 
 
تغطية: محمد موسي




الاثنين 29 ماي 2023
في نفس الركن