الدكتور: خالد فتحي
قال لي مبتسما إنه يطلق على من يأكلون أموال الناس بالباطل ، أي على أولئك الفاسدين الذين يقذفون لبطونهم كل مايأتمنهم عليه الناس أو معظمه . ولأنه كان في شبابه دكتورا يدرس المنطق والفلسفة بالجامعة ، ولاني أراه لازال متقد الفكر ذكي الفؤاد، ويفور صورا شعرية وبلاغية ،فقد حسبت اللفظ من بنات خياله ومن اختراعاته الآنية، لكنه سيشرح لي أن للكلمة أصلا وقصة : هي من مخلفات التأثير التركي على لهجات شعوب بعض الدول العربية ، فالوجود العثماني بالوطن العربي لم يكن بالعابر ولا بالقصير، ومن الطبيعي جدا أن تتسرب كلمات من القاموس التركي الى عامية هذه الشعوب لتصير ضمن التداول اللغوي ةمنا يتخاطب به شعبيا بين الأفراد .
انتبهت حينها إلى ان هناك يالفعل كلمات أخرى شبيهة لكلمة بطننجية لها نفس هذا الوزن او نفس هذه القافية..... كلمات ألفنا سماعها نحن المغاربة بعد أن تجرعناها تجرعا، و بدون شعور منا، عبر المسلسلات التركية والمصرية والسورية ، وهذه كلها بلدان عرفت حكم الأستانة لها ، منها مثلا كلمة القهوجي التي يشار بها للشخص الذي يعد القهوة ، والمكوجي التي تدل على من يمتهن كي الملابس ، وحتى النسوانجي التي تفيد الرجل الذي لا يكف من التحدث إلى النسوان أو النساء ومخالطتهن ، و كذلك السفرجي الذي يعد السفرة أو المائدة، وأمثلة أخرى كثيرة من الكلمات التركعربية، يمكن سؤال الشيخ غوغل عنها .استعرضت كل هذه الكلمات سريعا ، وبادرت صديقي ،؛ أليس من حقي أمام هذا التلفيق أو التهجين اللغوي، ،و بما أن الكلمة مشتقة من الكلمة الأصل التي هي البطن ، أن تفهمني لماذا نقول البطننجي وليس البطنجي كما فعلنا في القهوجي والمكوجي والسفرجي فأجابني.... هو الذي يملك جوابا لكل شي.. .. بأن النون الثانية أضيفت إلى النون الأولى لأجل اكتمال الجرس الموسيقي للكلمة ، فالبطننجي في رأيه لها وقع أفضل من البطنجي اي انها ترن أفضل في الأذن . من جهتي اعرف أنه في اللغة العربية، كلما كثرت حروف الكلمة، كلما اشتدت وقويت.فمثلا حين اراد الله ان يعبر عن تسلق سور من طرف هاجوج وماجوج استعمل لفظ فما اسطاعوا له ظهرا ، وعندما تحدث عن نقب السور الذي يحتاج لجهد وآلات قال فما استطاعوا له نقبا ، اي انه اضاف حرف التاء .
ولكن المشكلة ان بطننجية كلمة هجينة مولدة تركيا من العربية ، وليست عربية قحة ، ثم إني لما رددت الكلمتين بطننجية وبطنجية في سري 3 مرات ، لم أقتنع بطرحه ، ومع ذلك ،قلت في نفسي، ربما إنه على حق ، كي نسترسل إلى ماهو ابعد من هذا التناظر اللغوي .
ولذلك دعونا الآن من هذه المهاترات اللسانية ، ولننصرف معا للفحوى أو للمضمون الذي تؤديه كلمة بطننجي في الفهم والخيال الشعبيين :
المحتمل جدا أن الأتراك ،وبعدهم شعوب أيالاتهم العربية وصفوا من يقترفون خيانة الأمانة ونهب الأموال العامية بالبطننجية، لأن الكلمة في العهد العثماني كانت تفي بالغرض وزيادة ، فالفساد لم يكن قد أخذ بعد كل هذه الأبعاد الكبيرة التي أخذها في عالمنا هذه الأيام .. غالبا ماكانت تظهر أعراضه على شكل ثراء لايتعدى دارا فخمة و ضيعة وأفراسا وذهبا يتدلى من أعناق الزوجات، وبالخصوص كانت تدل عليه كرش متدلية أو بطن ضخمة تشي بآثار النعمة الطارئة ، ولذلك كان لفظ البطننجية يفي بالمطلوب ويرشح بالمعنى. الآن بعد أن تغول الفساد ، وأصبح بالملايير، و بعد أن عاد يعني شركات عملاقة، وتبييضا وتهريبا للأموال الطائلة التي لاعد لها ، وبعد أن صرنا نرى بطننجية بدون بطن ، ومقترفين للفساد ذوي قوام رياضي نحاف خفاف ودون كرش ، قد حق لكلمة بطننجية أن تستريح وأن تترك كلمة فساد تأخذ مكانها، فكلمة بطننجية تقادمت وتوارت وتكاد تصبح من ضمن الثرات اللغوي الذي يتذكره الباحثون و يتندر به العامة .
لكني مع ذلك ، سأشاغب ، و سأقترح عليكم أن نبعث هذا المصطلح القديم نسبيا من سباته، و نبحث فيه قليلا .هل البطننجية ياترى قبيلة واحدة ، أم إنهم أنواع . واذا كانوا أنواعا ؟ فمن هو الأخطر من هذه الأنواع؟ .البطننجية لغويا تحيل مباشرة على النهم والشره وكثرة الأكل ، هذه هي القبيلة الأولى التي تتبادر بداية إلى الذهن . هؤلاء قد يعانون من السمنة، وما يرتبط بها من أدواء وأمراض فتاكة ، لكن تبعات شهيتهم المفتوحة هاته لا تخصهم الا وحدهم ، و لعلها لا تفرض علينا نحن أيضا سوى نصحهم اوالتكفل بهم علاجيا .أما اصطلاحا ، فالكلمة كما قلت ، تعني الفاسدين ، وهؤلاء يغتنون على حساب اموال ومدخرات الفقراء والكادحين و كل المؤتمنين لهم... مايميزهم عن السابقين انهم قد يكونون سمانا بطانا أو على العكس من ذلك نحافا خماصا .تبعات شرههم تمتد لتشمل المجتمع بأسره ، حيث تكلف دخله القومي نقاطا مهمة ، وتعرقل تنميته ، وتمنع تقدمه .هذا الصنف من البطننجية هم الأخطر طبعا لانهم يقضون على أحلام أمة بشبابها وشيبها .
كلما كانت بطنك تسلب الآخرين قوتهم ، كلما كان شرهك أو فسادك كارثة عليهم . في تخصصي امراض النساء والولادة ، يحدث أحيانا أن نرى مايشبه هذه الظاهرة برحم الأم ؛ قد يقع أن جنينا نهما قد يشفط إليه كل دم أخيه التوأم ، مما يؤدي الى تضخمه هو ، والى موت الجنين المعتدى عليه .هذا الجنين هو بطننجي قبل أن يولد ....فهو قد اغوته هواية ملئ بطنه بما ليس من حقه ، و هو لايزال بعد في بطن أمه ، وهو ما يصدق معه قول الشاعر المتنبي حين انشد بحكمة : و الظلم من شيم النفوس - فإن تجد ذا عفة فلعلة لايظلم .إنه لمن بين أشكال الظلم بين البشر بما في ذلك الأجنة البطننجة.
هذه العلاقة البطننجية بين التوأمين تؤدي إلى موت الأول بفقر الدم وسوء التغذية و احيانا موت المعتدي منهما باستسقاء البطن وبالتخمة .وهذا بالضبط مايحدثه الفساد داخل المجتمع ، في النهاية قد يقضي على أحلام المنهوبين والناهبين، لأن المركب واحدة .
في النهاية ، أعتقد ان من المصلحة اعتماد وإحياء كلمة بطننجي مرة اخرى اذا كنا نريد انخراط المجتمعات العربية في محاربة الفساد ، فهي أقرب الى الفهم الشعبي ،وأبلغ في التعبير عن الوصم الذي يستحقه الفاسدون ....كلمة فساد كلمة صارت رسمية، وكلمة تلفزيون ، وحتى كلمة خشبية شبعت تداولا يستعملها غالبا الفاسدون من السياسيين حتى انها تعودت ولم تعد تغري بالانتباه .الفئات الشعبية تتمثلها على أنها تخص قضايا فوقية تجري بين الكبار ..قضايا تهم الحكومة لاتعدو أن تكون عبارة عن تحويل أموال بين سياسيين ورجال أعمال لاغير ، ولذلك قد لا يفهم المواطن العربي البسيط علاقتها به وبمستقبله ومصيره ، ولذلك قد لايتبسط مفهوم الفساد في ذهنه أيضا ، و الأدهى أنه قد يظن نفسه غير معني بمكافحته إلى جانب الدولة. . الخلاصة أن الفساد مفهوم صار مجردا وفضفاضا إلى حد ما .أما البطننجية فمثال مجسد وملموس وواضح لأقصى حد بحيث يمكن تصوره ، فالكل يتخيل كيف تكون البطن المملوءة المتخمة، حتى القرآن الكريم وصف بعض الفاسدين ممن يأكلون أموال اليتامى ظلما بأنهم يأكلون في بطونهم نارا وانهم سيصلون سعيرا .أي أن النار التي تنتظرهم في الآخرة أشد وأنكى من نار الدنيا .فمارأيكم إذن هل نسميهم الفاسدين أم البطننجية ؟.
انتبهت حينها إلى ان هناك يالفعل كلمات أخرى شبيهة لكلمة بطننجية لها نفس هذا الوزن او نفس هذه القافية..... كلمات ألفنا سماعها نحن المغاربة بعد أن تجرعناها تجرعا، و بدون شعور منا، عبر المسلسلات التركية والمصرية والسورية ، وهذه كلها بلدان عرفت حكم الأستانة لها ، منها مثلا كلمة القهوجي التي يشار بها للشخص الذي يعد القهوة ، والمكوجي التي تدل على من يمتهن كي الملابس ، وحتى النسوانجي التي تفيد الرجل الذي لا يكف من التحدث إلى النسوان أو النساء ومخالطتهن ، و كذلك السفرجي الذي يعد السفرة أو المائدة، وأمثلة أخرى كثيرة من الكلمات التركعربية، يمكن سؤال الشيخ غوغل عنها .استعرضت كل هذه الكلمات سريعا ، وبادرت صديقي ،؛ أليس من حقي أمام هذا التلفيق أو التهجين اللغوي، ،و بما أن الكلمة مشتقة من الكلمة الأصل التي هي البطن ، أن تفهمني لماذا نقول البطننجي وليس البطنجي كما فعلنا في القهوجي والمكوجي والسفرجي فأجابني.... هو الذي يملك جوابا لكل شي.. .. بأن النون الثانية أضيفت إلى النون الأولى لأجل اكتمال الجرس الموسيقي للكلمة ، فالبطننجي في رأيه لها وقع أفضل من البطنجي اي انها ترن أفضل في الأذن . من جهتي اعرف أنه في اللغة العربية، كلما كثرت حروف الكلمة، كلما اشتدت وقويت.فمثلا حين اراد الله ان يعبر عن تسلق سور من طرف هاجوج وماجوج استعمل لفظ فما اسطاعوا له ظهرا ، وعندما تحدث عن نقب السور الذي يحتاج لجهد وآلات قال فما استطاعوا له نقبا ، اي انه اضاف حرف التاء .
ولكن المشكلة ان بطننجية كلمة هجينة مولدة تركيا من العربية ، وليست عربية قحة ، ثم إني لما رددت الكلمتين بطننجية وبطنجية في سري 3 مرات ، لم أقتنع بطرحه ، ومع ذلك ،قلت في نفسي، ربما إنه على حق ، كي نسترسل إلى ماهو ابعد من هذا التناظر اللغوي .
ولذلك دعونا الآن من هذه المهاترات اللسانية ، ولننصرف معا للفحوى أو للمضمون الذي تؤديه كلمة بطننجي في الفهم والخيال الشعبيين :
المحتمل جدا أن الأتراك ،وبعدهم شعوب أيالاتهم العربية وصفوا من يقترفون خيانة الأمانة ونهب الأموال العامية بالبطننجية، لأن الكلمة في العهد العثماني كانت تفي بالغرض وزيادة ، فالفساد لم يكن قد أخذ بعد كل هذه الأبعاد الكبيرة التي أخذها في عالمنا هذه الأيام .. غالبا ماكانت تظهر أعراضه على شكل ثراء لايتعدى دارا فخمة و ضيعة وأفراسا وذهبا يتدلى من أعناق الزوجات، وبالخصوص كانت تدل عليه كرش متدلية أو بطن ضخمة تشي بآثار النعمة الطارئة ، ولذلك كان لفظ البطننجية يفي بالمطلوب ويرشح بالمعنى. الآن بعد أن تغول الفساد ، وأصبح بالملايير، و بعد أن عاد يعني شركات عملاقة، وتبييضا وتهريبا للأموال الطائلة التي لاعد لها ، وبعد أن صرنا نرى بطننجية بدون بطن ، ومقترفين للفساد ذوي قوام رياضي نحاف خفاف ودون كرش ، قد حق لكلمة بطننجية أن تستريح وأن تترك كلمة فساد تأخذ مكانها، فكلمة بطننجية تقادمت وتوارت وتكاد تصبح من ضمن الثرات اللغوي الذي يتذكره الباحثون و يتندر به العامة .
لكني مع ذلك ، سأشاغب ، و سأقترح عليكم أن نبعث هذا المصطلح القديم نسبيا من سباته، و نبحث فيه قليلا .هل البطننجية ياترى قبيلة واحدة ، أم إنهم أنواع . واذا كانوا أنواعا ؟ فمن هو الأخطر من هذه الأنواع؟ .البطننجية لغويا تحيل مباشرة على النهم والشره وكثرة الأكل ، هذه هي القبيلة الأولى التي تتبادر بداية إلى الذهن . هؤلاء قد يعانون من السمنة، وما يرتبط بها من أدواء وأمراض فتاكة ، لكن تبعات شهيتهم المفتوحة هاته لا تخصهم الا وحدهم ، و لعلها لا تفرض علينا نحن أيضا سوى نصحهم اوالتكفل بهم علاجيا .أما اصطلاحا ، فالكلمة كما قلت ، تعني الفاسدين ، وهؤلاء يغتنون على حساب اموال ومدخرات الفقراء والكادحين و كل المؤتمنين لهم... مايميزهم عن السابقين انهم قد يكونون سمانا بطانا أو على العكس من ذلك نحافا خماصا .تبعات شرههم تمتد لتشمل المجتمع بأسره ، حيث تكلف دخله القومي نقاطا مهمة ، وتعرقل تنميته ، وتمنع تقدمه .هذا الصنف من البطننجية هم الأخطر طبعا لانهم يقضون على أحلام أمة بشبابها وشيبها .
كلما كانت بطنك تسلب الآخرين قوتهم ، كلما كان شرهك أو فسادك كارثة عليهم . في تخصصي امراض النساء والولادة ، يحدث أحيانا أن نرى مايشبه هذه الظاهرة برحم الأم ؛ قد يقع أن جنينا نهما قد يشفط إليه كل دم أخيه التوأم ، مما يؤدي الى تضخمه هو ، والى موت الجنين المعتدى عليه .هذا الجنين هو بطننجي قبل أن يولد ....فهو قد اغوته هواية ملئ بطنه بما ليس من حقه ، و هو لايزال بعد في بطن أمه ، وهو ما يصدق معه قول الشاعر المتنبي حين انشد بحكمة : و الظلم من شيم النفوس - فإن تجد ذا عفة فلعلة لايظلم .إنه لمن بين أشكال الظلم بين البشر بما في ذلك الأجنة البطننجة.
هذه العلاقة البطننجية بين التوأمين تؤدي إلى موت الأول بفقر الدم وسوء التغذية و احيانا موت المعتدي منهما باستسقاء البطن وبالتخمة .وهذا بالضبط مايحدثه الفساد داخل المجتمع ، في النهاية قد يقضي على أحلام المنهوبين والناهبين، لأن المركب واحدة .
في النهاية ، أعتقد ان من المصلحة اعتماد وإحياء كلمة بطننجي مرة اخرى اذا كنا نريد انخراط المجتمعات العربية في محاربة الفساد ، فهي أقرب الى الفهم الشعبي ،وأبلغ في التعبير عن الوصم الذي يستحقه الفاسدون ....كلمة فساد كلمة صارت رسمية، وكلمة تلفزيون ، وحتى كلمة خشبية شبعت تداولا يستعملها غالبا الفاسدون من السياسيين حتى انها تعودت ولم تعد تغري بالانتباه .الفئات الشعبية تتمثلها على أنها تخص قضايا فوقية تجري بين الكبار ..قضايا تهم الحكومة لاتعدو أن تكون عبارة عن تحويل أموال بين سياسيين ورجال أعمال لاغير ، ولذلك قد لا يفهم المواطن العربي البسيط علاقتها به وبمستقبله ومصيره ، ولذلك قد لايتبسط مفهوم الفساد في ذهنه أيضا ، و الأدهى أنه قد يظن نفسه غير معني بمكافحته إلى جانب الدولة. . الخلاصة أن الفساد مفهوم صار مجردا وفضفاضا إلى حد ما .أما البطننجية فمثال مجسد وملموس وواضح لأقصى حد بحيث يمكن تصوره ، فالكل يتخيل كيف تكون البطن المملوءة المتخمة، حتى القرآن الكريم وصف بعض الفاسدين ممن يأكلون أموال اليتامى ظلما بأنهم يأكلون في بطونهم نارا وانهم سيصلون سعيرا .أي أن النار التي تنتظرهم في الآخرة أشد وأنكى من نار الدنيا .فمارأيكم إذن هل نسميهم الفاسدين أم البطننجية ؟.