كتاب الرأي

غيض من فيض من مهازل جامعات أبي جهل


أثار مقالي حول “أساتذة الزيت البلدي والسمن والعسل… والقصاير”، ردود أفعال كثيرة لم أتوقعها حقيقة، وأعتبر التفاعل مع هذا المقال النقدي، يعكس وعيا متزايدا بالانحرافات الموجودة بجامعاتنا، وأيضا غيرة العديد من الشرفاء على الجامعة كفضاء للعلم والمعرفة ومنارة لمحبة الحكمة.. ولا أخفيكم أني قبل أن أقرر نشر المقال، ترددت كثيرا، بل قررت أن أستشير بعض الأصدقاء الأكثر رزانة مني، كما أفعل عادة في القضايا المتشابهة، لكني خشيت أن أتردد في النشر أو تحجب حكمة العقلاء أقوى ما جاء من آراء صادمة حول تحولات القيم في جامعاتنا وسلوك جزء كبير من النخب الأكاديمية الجديدة. لأني أومن أن بعض “الكلام المر يجرح لكن ما بيضر” على رأي أحمد فؤاد نجم.



بقلم: عبد العزيز كوكاس

أشكر العديد من الغيورين الذي حاولوا دفع هذه التهم أو المصائب عن الجامعيين المخلصين لوظيفتهم النبيلة، ولاموني على حشر كل الأساتذة الجامعيين في خندق “أساتذة الزيت البلدي والسمن والعسل والقصاير”، والحق أني لم ألجأ يوما إلى التعميم، وفي المقال ذاته استثنيت النبلاء من الأكاديميين الجامعيين الذين يشتغلون بضمير يقظ ونكران ذات وأخلاق عالية، وقلت في ذات المقال: “والعديد من الجامعيين كثيرو الغياب عن الجامعة، باسم مهام أو وظائف موازية سرية أحيانا كثيرة، إلا من رحم ربك من أساتذة جامعيين نزهاء، هم نقطة الضوء الوحيدة التي لا تسلم من هجوم ومحاصرة وتهميش دكاترة الزيت البلدي والسمن والعسل الحر والقصاير على حساب طلبتهم”.

آخرون اعتبروا ما كتبت مجرد غيض من فيض، بل منهم من أكد أن ما فضحته لا يصل إلى المصائب الكبرى الموجودة في جامعاتنا الوطنية، وهو ما أعتبره تواطأ عاما ومشاركة بالصمت عن حالة فساد عامة تتسع يوميا بيننا.. وهنا عرض لبعض ما جاء في الردود أو الإضافات التي ارتأيت تسجيل بعض منها هنا لأهميتها؟

يقول أحد الأساتذة الجامعيين تعليقا على مقالي السابق: “ما كتبته أخي كوكاس، بحرقة وغيرة على جامعتنا هو غيض من فيض مظاهر البؤس والعلل التي اجتاحت هذه القلاع العلمية والثقافية التي باتت رهينة ما أنتجه نظام LMD من حاملي شهادة الدكتوراه الوطنية، التي تنعدم في العديد منها الشروط العلمية والاكاديمية، وبعض حامليها فرضوا على الجامعة بعد خوضهم إضرابات واحتجاجات متعددة دون أن تكون لهم الأهلية لذلك. اليوم هم من يسيرون ليس فقط مختبراتها ومراكز أبحاثها بل يسيرون شؤونها وينتصبون على رأس مجالسها المختلفة.
النتيجة انتشار بدع لم نكن نألفها من قبل، حيث تحولت مناقشات الأطروحات التي كانت مناظرات علمية راقية يحج إليها المثقفون والباحثون، إلى “عراضات” وحفلات وولائم تتخللها هدايا للمشرفين وقصاير ونبيد… بل شاهدنا لافتات كبيرة بالألوان تحمل اسم وصورة الطالب المناقش تتصدر قاعة المناقشة المزينة بأشكال مختلفة من الورود، ولم يعد يتورع بعض الأساتذة في حشر أسمائهم في مقالات طلبتهم، بل يسطون على بحوثهم.

لم نكن نتصور يوما أن يزحف الفساد إلى الجامعة حتى سمعنا بالجنس مقابل النقط أو المال مقابل التسجيل في أسلاك الماستر والدكتوراه، دون الحديث عن المحسوبية والتدخلات التي سمحت بالعديد من المنتسبين لأجهزة السلطة والقضاء والأمن وكذا البرلمان والأحزاب السياسية بالتسجيل في تلك الأسلاك على حساب الطلبة الذين لهم الأولية، وكانت ملفاتهم مستوفية لكل شروط التسجيل، والطريقة التي ينجح بها بعض هؤلاء مقابل خدمات متبادلة مع الأساتذة الذين تحولوا لوسطاء وسماسرة في بعض القضايا المدرة لرشاوى كبرى”.

أستاذ آخر حكى لي أن أستاذين جامعيين تصارعا وسط الكلية، فعيّر الأستاذ صديقه: “آش تتقرّي كاع، واش الدروس ديال العروض يديروها التلاميذ هي القراية؟” فرد عليه صديقه: “اللهم دروس العروض ولا دروس الزيت البلدي”!

ويضيف فاعل آخر: “مقالك الجميل الذي نشر في موقع “نيشان” حول دكاترة السمن والويسكي والبرتوش، ووو… جد رائع، وقد وجدتني البارحة أتحدث مع أحد الزملاء المفتشين حول الموضوع. فعلا هذه كارثة حقيقية أصابت مؤسساتنا الأكاديمية، عندنا دكتور له أطروحة حول “الألف المقصورة في السور الصغيرة من القرآن”(كذا)، وكلف بتدريس مادة الحكامة في المنظومة التربوية؟؟؟ وهذه السنة أضافوا له مادة الأرشفة لملحقي الإدارة. بالله عليك وأنت تعرف المنظومة ماذا سيعطي مثل هذا الصنف؟”

أستاذ جامعي ذكرني بالنكتة القديمة حول المعلم الذي يسأل تلاميذه في أول حصة عن مهنة الأب، هذا أبوه جزار يطلب منه لحما، وهذا أبوه خضار أو يبيع الفواكه، فيطلب منه إحضار خضر أو فواكه… حتى قال له تلميذ إن أباه ملاكم، فقال له المعلم سلم عليه كثيرا.. وقال لي عن صديقا له في الجامعة “يقسم الطلبة في الحصة الأولى حسب المناطق والهدية التي سيقدمونها له على الشكل التالي:

– مراكش: منتوجات الصناعة التقليدية أو التحف
– قلعة السراغنة: زيت الزيتون حرة
– آسفي: السمك المجمد 20 كلغ وما فوق.
– الصويرة: منتوجات العرعار
– اليوسفية: الكبار (فاكهة برية غالية الثمن توجد في مناطق احمر).
– الحوز: لحم الماعز
وعلق قائلا: نزيدك ولا باركا؟”

ومن المصائب “الأكاديمية” التي عرضها أستاذ آخر: “ذكرني مقالك القوي هذا بأحدهم كان مدرسا في التعليم الثانوي وهو أشهر من نار على علم يقوم خلال حصة الاستراحة ببيع السمن والثمر وزيت العود وخبز المخمار في قاعة الأساتذة، وفي الصباح يسمسر في الأراضي وعندما يقترب عيد الأضحى يبيع ويشتري في الأكباش، لم يكن يحضر دروسه بل يستنسخ صورا شمسية لدروس غيره ليشتغل بها في حصصه وفي حصص المدارس الحرة. كثيرون هم من يمرغون صورة رسالة التربية، والجامعة المغربية، بل حتى مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي والاعدادي، والابتدائي والروض.. افتضح أمر بعضهم وسيقوا إلى المحاكم.. بل أصبح الأمر يشبه الموضة وقد اشتكى لي منهم ومن ابتزازهم الكثير من الطلبة ذكورا وإناثا، عندما كنت أستاذا بالكلية”.

آخرون اعتبروا أن ما قلته عن الأساتذة الجامعيين، أصبح شبه عادي في مختلف الإدارات والمعاهد والمؤسسات.. الأمر لديهم أصبح أشبه بالوباء العام الذي زحف مثل الطوفان ويصعب إيقاف مده، فعندما كانت الجامعة هي المدرسة الرائدة للتربية على المبادئ ومنتجة للمواقف لدى الطلبة من خلال الانتماء لذلك الإطار العتيد الذي هو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعندما كانت الساحة الجامعية ملتقى للثقافة والمثقفين وأرض للحوار الديمقراطي وبناء الأطر كان المنتوج عسل وسمن وزيت بلدي لا يحتاج إلى ابتزاز أحد للسقوط في الحضيض. ولكن الجامعة مع الأسف فقدت بريقها وأصبحت سوقا لبيع وشراء كل غال ورخيص.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 27 نونبر 2024
في نفس الركن