قال عبد الناصر ناجي، رئيس مؤسسة "أماكن" لجودة التعليم، إن المغرب يدفع سنويا فاتورة باهظة بسبب ارتفاع معدلات الهدر المدرسي والرسوب، حيث يكلف الأخير وحده 0.39 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم الابتدائي فقط، مضيفا في حوار خص به "العلم" أن مؤسسة "أماكن" سبق لها أن قدرت الكلفة السنوية للهدر المدرسي بحوالي 10 مليار درهم.
وتابع المتحدث، أن المشكل الذي تعاني منه المنظومة يرجع إلى عدم استمرارية الدعم التربوي بشكل يمكن من تدارك التعثرات ويسمح بعدم تراكمها إلى الحد الذي يصعب معه معالجتها بعمق، مشيرا إلى أن الحد من الهدر المدرسي رهين بتحسين جودة التعلمات وتقديم دعم اجتماعي من خلال الدعم المالي والإيواء والإطعام والنقل المدرسي.
وأوضح، أن غالبية التلامذة الذين ينتقلون إلى التعليم الإعدادي كل عام لا يستحقون النجاح إذا اعتمدنا فقط المعدلات التي حصلوا عليها في الامتحان الإقليمي، مشددا على أنه لا يمكن لدولة أن تتقدم دون عنصر بشري مؤهل ولا يمكن أن نحقق هذا الهدف إلا بمنظومة تربوية قوية.
ودعا رئيس مؤسسة "أماكن" لجودة التعليم إلى توفير الموارد التعليمية والتجهيزات الأساسية التي تدعم جودة التحصيل الدراسي في انسجام مع منهاج دراسي يركز على الحاجات الحقيقية للمتعلمين والمتعلمات ويربطها بشكل ملائم مع حاجيات اندماجهم الفعال في المجتمعين الوطني والدولي.
س: تشير إحصائيات رسمية إلى أن مجموعة التلاميذ الذين غادروا فصول الدّراسة في سنة 2022 يصل إلى 334 ألفا و664، المعطيات تؤكد أن نسب الانقطاع في جميع الأسلاك كل سنة تعرف ارتفاعا مهولا ما تعليقكم على ذلك؟
ج: من خلال المعطيات التي قدمها وزير التربية الوطنية أمام البرلمان فإن نسب الانقطاع في جميع الأسلاك عرفت ارتفاعا مهولا عاد بنا إلى الأرقام التي كانت مسجلة سنة 2019. والرقم المذكور في السؤال سجل سنة 2022 أما عدد المنقطعين عن الدراسة سنة 2023 فبلغ 350,765 أي بزيادة أكثر من 16 ألف منقطع. وتسجل معطيات اليونسكو وجود حوالي 600 ألف طفل خارج المدرسة سنة 2021 الذي يبقى رقما مقلقا علما أن هذا المؤشر يتضمن تراكم المنقطعين عن الدراسة عبر السنوات، والذين لم يجدوا مقعدا في المدرسة. من جهة أخرى، لا ننسى الفاتورة الباهظة التي يدفعها المغرب كل عام بسبب ارتفاع معدلات الهدر المدرسي والرسوب. يكلف الأخير وحده 0.39٪ من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم الابتدائي، وهو من أعلى التكاليف في العالم. إذا أضفنا إلى تكلفة التكرار تلك المسجلة في التعليم الثانوي، فإن المغرب يصبح في المرتبة الأولى في العالم بنسبة 0.79٪ من الناتج المحلي الإجمالي حسب بيانات اليونسكو. وسبق لمؤسسة أماكن أن قدرت الكلفة السنوية للهدر المدرسي بحوالي 10 مليار درهم.
س: رغم البرامج والموارد البشرية والمالية التي عبأتها الوزارة، لتقليص نسب الهدر المدرسي التي ما تزال تستنزف المنظومة التربوية وتقوض كل الجهود للاحتفاظ بالتلاميذ في المدارس، أين يكمن الخلل من وجهة نظركم؟
ج: كان منتظرا بعد دخول خارطة الطريق حيز التنفيذ أن ينخفض عدد المنقطعين عن الدراسة خاصة وأن التقليص من الهدر المدرسي يوجد ضمن أهدافها الاستراتيجية الثلاثة. لكن العكس هو الذي حصل وذلك لعدة أسباب نذكر منها. أولا، رغم الإجراءات العملية التي جاءت بها خارطة الطريق والتي ركزت على تحسين الممارسات البيداغوجية داخل الفصل الدراسي وعلى الدعم التربوي لفائدة المتعثرين فإنها عمليا لم تدخل بعد حيز التطبيق لأنها اقتصرت على التجريب في بعض المؤسسات متبوعا بالتجريب فيما سمي بمؤسسات الريادة وهي المقاربة التي لن تساهم، نظرا لمحدودية عدد المعنيين بها، في التقليص بشكل ملحوظ في نسب الانقطاع الدراسي. علما بأن المشكل ليس في منهجية الدعم التربوي، بغض النظر عن فعالية الأداة المستوردة من الهند أو عدم فعاليتها، وإنما المشكل الذي تعاني منه المنظومة يرجع أساسا إلى عدم استمرارية الدعم التربوي بشكل يمكن من تدارك التعثرات إبان حدوثها ويسمح بعدم تراكمها إلى الحد الذي يصعب معه معالجتها بعمق. ثانيا، سياسة إنجاح المتعلمين والمتعلمات دون استحقاق إلى درجة جعلت البنك الدولي يقدر بحوالي خمس سنوات الفارق بين المستوى الحقيقي للتحصيل الدراسي للتلامذة المغاربة والمستوى المعلن عنه رسميا. هذه السياسة التي بدأ التراجع عنها لسنة واحدة ثم عدنا إليها أدت إلى عدم قدرة الكثير من المتعلمين مواصلة دراستهم خاصة عند الانتقال من سلك إلى سلك موالي نظرا للبون الشاسع الذي يلاحظونه بين مستواهم الدراسي والمتطلبات العالية للتحصيل الدراسي فيضطرون إلى المغادرة بعد استيفاء عدد مرات التكرار المقررة رسميا والتي غالبا ما يتم تجاوزها بمجرد طلب يقدمه ولي أمر التلميذ المعني ليعود إلى صفوف الدراسة. ثالثا، نسب التكرار المرتفعة التي تكاد تصل إلى ربع المتعلمين في السلك الإعدادي، علما أن إعادة السنة الدراسية لا يساعد أبدا على تحسين المستوى الدراسي حسب جل البحوث العلمية في هذا المجال. هذه الظاهرة ليس لها من جدوى في الحقيقة سوى تغذية الانقطاع الدراسي إما على المدى القصير عندما يتم التعامل بالصرامة التقييمية اللازمة، وإما على المدى المتوسط عندما يتم التساهل في انتقال التلميذ المعني إلى المستوى الموالي دون التحكم في الكفايات المطلوبة. رابعا، ضعف التكوين الأساس للمدرسين أو غيابه في الكثير من الأحيان، وعدم تركيز المنهاج الدراسي بما يكفي على الكفايات الأساس في التعليم الابتدائي، بالإضافة إلى اشتغال الكثير من المدرسين في ظروف غير مواتية تتسم باكتظاظ الحجرات الدراسية، وعدم توفر البنية المناسبة في بعض المؤسسات، كل ذلك يؤدي إلى ضعف على مستوى العملية التعليمية التعلمية تكون نتيجته تراكم التعثرات لدى بعض المتعلمين وبالتالي الوصول في النهاية إلى مرحلة الانقطاع عن الدراسة. خامسا، الخصائص الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية للمتعلم هي أيضا لها نصيب في ظاهرة الانقطاع الدراسي. فاقتصاديا ورغم إيجابيات برنامج الدعم المالي المباشر للأسر فإن قيمته الضعيفة لم تعد تشكل حافزا للأسر على الحرص على متابعة أطفالهم لدراستهم خاصة مع الارتفاع الصاروخي لتكلفة المعيشة في السنوات الأخيرة واضطرار الأسر الفقيرة للاستعانة بأبنائهم في مواجهة موجة الغلاء بدفعهم إلى الاشتغال بدل الذهاب إلى المدرسة.
وتابع المتحدث، أن المشكل الذي تعاني منه المنظومة يرجع إلى عدم استمرارية الدعم التربوي بشكل يمكن من تدارك التعثرات ويسمح بعدم تراكمها إلى الحد الذي يصعب معه معالجتها بعمق، مشيرا إلى أن الحد من الهدر المدرسي رهين بتحسين جودة التعلمات وتقديم دعم اجتماعي من خلال الدعم المالي والإيواء والإطعام والنقل المدرسي.
وأوضح، أن غالبية التلامذة الذين ينتقلون إلى التعليم الإعدادي كل عام لا يستحقون النجاح إذا اعتمدنا فقط المعدلات التي حصلوا عليها في الامتحان الإقليمي، مشددا على أنه لا يمكن لدولة أن تتقدم دون عنصر بشري مؤهل ولا يمكن أن نحقق هذا الهدف إلا بمنظومة تربوية قوية.
ودعا رئيس مؤسسة "أماكن" لجودة التعليم إلى توفير الموارد التعليمية والتجهيزات الأساسية التي تدعم جودة التحصيل الدراسي في انسجام مع منهاج دراسي يركز على الحاجات الحقيقية للمتعلمين والمتعلمات ويربطها بشكل ملائم مع حاجيات اندماجهم الفعال في المجتمعين الوطني والدولي.
س: تشير إحصائيات رسمية إلى أن مجموعة التلاميذ الذين غادروا فصول الدّراسة في سنة 2022 يصل إلى 334 ألفا و664، المعطيات تؤكد أن نسب الانقطاع في جميع الأسلاك كل سنة تعرف ارتفاعا مهولا ما تعليقكم على ذلك؟
ج: من خلال المعطيات التي قدمها وزير التربية الوطنية أمام البرلمان فإن نسب الانقطاع في جميع الأسلاك عرفت ارتفاعا مهولا عاد بنا إلى الأرقام التي كانت مسجلة سنة 2019. والرقم المذكور في السؤال سجل سنة 2022 أما عدد المنقطعين عن الدراسة سنة 2023 فبلغ 350,765 أي بزيادة أكثر من 16 ألف منقطع. وتسجل معطيات اليونسكو وجود حوالي 600 ألف طفل خارج المدرسة سنة 2021 الذي يبقى رقما مقلقا علما أن هذا المؤشر يتضمن تراكم المنقطعين عن الدراسة عبر السنوات، والذين لم يجدوا مقعدا في المدرسة. من جهة أخرى، لا ننسى الفاتورة الباهظة التي يدفعها المغرب كل عام بسبب ارتفاع معدلات الهدر المدرسي والرسوب. يكلف الأخير وحده 0.39٪ من الناتج المحلي الإجمالي للتعليم الابتدائي، وهو من أعلى التكاليف في العالم. إذا أضفنا إلى تكلفة التكرار تلك المسجلة في التعليم الثانوي، فإن المغرب يصبح في المرتبة الأولى في العالم بنسبة 0.79٪ من الناتج المحلي الإجمالي حسب بيانات اليونسكو. وسبق لمؤسسة أماكن أن قدرت الكلفة السنوية للهدر المدرسي بحوالي 10 مليار درهم.
س: رغم البرامج والموارد البشرية والمالية التي عبأتها الوزارة، لتقليص نسب الهدر المدرسي التي ما تزال تستنزف المنظومة التربوية وتقوض كل الجهود للاحتفاظ بالتلاميذ في المدارس، أين يكمن الخلل من وجهة نظركم؟
ج: كان منتظرا بعد دخول خارطة الطريق حيز التنفيذ أن ينخفض عدد المنقطعين عن الدراسة خاصة وأن التقليص من الهدر المدرسي يوجد ضمن أهدافها الاستراتيجية الثلاثة. لكن العكس هو الذي حصل وذلك لعدة أسباب نذكر منها. أولا، رغم الإجراءات العملية التي جاءت بها خارطة الطريق والتي ركزت على تحسين الممارسات البيداغوجية داخل الفصل الدراسي وعلى الدعم التربوي لفائدة المتعثرين فإنها عمليا لم تدخل بعد حيز التطبيق لأنها اقتصرت على التجريب في بعض المؤسسات متبوعا بالتجريب فيما سمي بمؤسسات الريادة وهي المقاربة التي لن تساهم، نظرا لمحدودية عدد المعنيين بها، في التقليص بشكل ملحوظ في نسب الانقطاع الدراسي. علما بأن المشكل ليس في منهجية الدعم التربوي، بغض النظر عن فعالية الأداة المستوردة من الهند أو عدم فعاليتها، وإنما المشكل الذي تعاني منه المنظومة يرجع أساسا إلى عدم استمرارية الدعم التربوي بشكل يمكن من تدارك التعثرات إبان حدوثها ويسمح بعدم تراكمها إلى الحد الذي يصعب معه معالجتها بعمق. ثانيا، سياسة إنجاح المتعلمين والمتعلمات دون استحقاق إلى درجة جعلت البنك الدولي يقدر بحوالي خمس سنوات الفارق بين المستوى الحقيقي للتحصيل الدراسي للتلامذة المغاربة والمستوى المعلن عنه رسميا. هذه السياسة التي بدأ التراجع عنها لسنة واحدة ثم عدنا إليها أدت إلى عدم قدرة الكثير من المتعلمين مواصلة دراستهم خاصة عند الانتقال من سلك إلى سلك موالي نظرا للبون الشاسع الذي يلاحظونه بين مستواهم الدراسي والمتطلبات العالية للتحصيل الدراسي فيضطرون إلى المغادرة بعد استيفاء عدد مرات التكرار المقررة رسميا والتي غالبا ما يتم تجاوزها بمجرد طلب يقدمه ولي أمر التلميذ المعني ليعود إلى صفوف الدراسة. ثالثا، نسب التكرار المرتفعة التي تكاد تصل إلى ربع المتعلمين في السلك الإعدادي، علما أن إعادة السنة الدراسية لا يساعد أبدا على تحسين المستوى الدراسي حسب جل البحوث العلمية في هذا المجال. هذه الظاهرة ليس لها من جدوى في الحقيقة سوى تغذية الانقطاع الدراسي إما على المدى القصير عندما يتم التعامل بالصرامة التقييمية اللازمة، وإما على المدى المتوسط عندما يتم التساهل في انتقال التلميذ المعني إلى المستوى الموالي دون التحكم في الكفايات المطلوبة. رابعا، ضعف التكوين الأساس للمدرسين أو غيابه في الكثير من الأحيان، وعدم تركيز المنهاج الدراسي بما يكفي على الكفايات الأساس في التعليم الابتدائي، بالإضافة إلى اشتغال الكثير من المدرسين في ظروف غير مواتية تتسم باكتظاظ الحجرات الدراسية، وعدم توفر البنية المناسبة في بعض المؤسسات، كل ذلك يؤدي إلى ضعف على مستوى العملية التعليمية التعلمية تكون نتيجته تراكم التعثرات لدى بعض المتعلمين وبالتالي الوصول في النهاية إلى مرحلة الانقطاع عن الدراسة. خامسا، الخصائص الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية للمتعلم هي أيضا لها نصيب في ظاهرة الانقطاع الدراسي. فاقتصاديا ورغم إيجابيات برنامج الدعم المالي المباشر للأسر فإن قيمته الضعيفة لم تعد تشكل حافزا للأسر على الحرص على متابعة أطفالهم لدراستهم خاصة مع الارتفاع الصاروخي لتكلفة المعيشة في السنوات الأخيرة واضطرار الأسر الفقيرة للاستعانة بأبنائهم في مواجهة موجة الغلاء بدفعهم إلى الاشتغال بدل الذهاب إلى المدرسة.
النقل المدرسي الذي يعتبر حلا يمكن أن يعوض الإيواء المدرسي في التعليم الثانوي الإعدادي عرف تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، لكن حسب المعطيات المتوفرة فإن النقل المدرسي لم يسهم في تقليص نسب الهدر المدرسي بالنسب التي توازي الارتفاع المسجل في عدد المستفيدين منه، بل إن عدد المنقطعين عن الدراسة في التعليم الإعدادي ارتفع بين سنتي 2017 و2019 بحوالي 21 بالمائة قبل أن يعود إلى الانخفاض بنسبة 15 بالمائة بين سنتي 2019 و2021 مؤشرا على تأثير نسبي للنقل المدرسي على الاحتفاظ بالمتعلمين والمتعلمات في المدرسة. وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2021 تعود الأسباب الكامنة وراء عدم تحقيق النقل المدرسي للأثر المطلوب على مستوى تحسين مؤشرات التمدرس، حسب نفس التقرير، إلى ضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين وعدم اضطلاع العمالات والأقاليم بدورها الطليعي في المجال رغم أنها صاحبة الاختصاص الأصلي بموجب المادة 79 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وعدم توفر جل الجمعيات المكلفة بالنقل المدرسي على المواصفات والمؤهلات المطلوبة، وعدم احترام شروط الراحة والسلامة اللازمة لتنقل الأطفال ، وعدم إبرام عقود الشغل مع أغلب السائقين، وعدم توفر الكثير من الحافلات على المواصفات التقنية المطلوبة الشيء الذي يشكل خطرا على حياة الركاب.
س: هناك فئات من المتعلمين تعاني من المشاكل الدراسية بسبب تراكم المناهج وضعف برامج المواكبة والدعم وقلة فاعليتها، ويبقى النفور من الدراسة ناشئا عن الإحساس بالتهميش، قد يتحول إلى انطواء ومغادرة للمدرسة في صمت، كيف ترى ذلك؟
ج: إن الحد من الهدر المدرسي رهين، إلى جانب تحسين جودة التعلمات، بتقديم دعم اجتماعي مندمج يؤلف بشكل ذكي ومرن بين مكوناته الأربعة الدعم المالي والإيواء والإطعام والنقل المدرسي، مع تكييف العرض المقدم حسب طبيعة الحاجات التي يتم رصدها بشكل دقيق لدى الأسر المعنية. ومنذ سنة 2009 تم تبني نموذج المدارس الجماعاتية على أنها إجابة على إخفاق سياسة المدارس الفرعية، غير أن هذه المركبات التربوية لم تنجز بالوتيرة التي كانت مقررة بحيث لم يتجاوز عدد المدارس الجماعاتية 271 مدرسة سنة 2023 من مجموع أكثر من 5000 مدرسة بالوسط القروي. وفي الوقت الذي كان الغرض من إحداث المدارس الجماعاتية الحد من عدد المدارس الفرعية، بل والقضاء عليها نهائيا فإن الملاحظ هو أنها لا تستوعب أكثر من اثنين بالمائة من مجموع تلامذة العالم القروي. بالإضافة إلى ذلك سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن سجل أن المدارس الجماعاتية لا تختلف عن المدارس الفرعية في انخفــاض مســتوى التحصيــل الدراسي.
وقد أولت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 أهمية خاصة للوظيفة الثقافية للمدرسة والرفع من مكانة اللغة العربية لجعلها اللغة الأساس للتدريس، ومن موقع اللغة الأمازيغية لجعلها لغة مدرسة في جميع مستويات التعليم. غير أن تطبيق مبدأ التناوب اللغوي وفق التوجه الذي جاء في القانون الإطار والقاضي بتدريس بعض المواد العلمية والتقنية بلغة أجنبية، ودون الاحتكام في ذلك إلى نص تنظيمي يحدد بدقة تطبيقاته في جميع الأسلاك التعليمية كما ألزم بذلك القانون الإطار نفسه، أضر كثيرا بالحقوق اللغوية للمتعلمين والمتعلمات. وقد تجلى هذا الضرر في عدم احترام التراتبية الطبيعية بين اللغات الرسمية واللغات الأجنبية أدى إلى تهميش تعلم اللغة الأمازيغية وحصر اللغة العربية في تدريس الدين والمواد الأدبية؛ وفي مضاعفة الزمن المدرسي المخصص لتدريس اللغة الفرنسية أو التدريس بها على حساب الزمن المخصص للغة العربية، وهو ما يجعل التلميذ المغربي يتعلم في بيئة لغوية وثقافية غريبة عن بيئته الحاضنة، مما ينعكس سلبا على التحصيل الدراسي ويغذي ظاهرة الهدر المدرسي.
س: هناك عوامل أساسية ذاتية واجتماعية واقتصادية تساهم بشكل كبير في دفع التلميذ إلى الانقطاع عن الدراسة وبالتالي المغادرة، هلا تشرح لنا ذلك؟
ج: رغم كل الجهود التي قامت بها الوزارة فإن نسبة الهدر المدرسي المرتفعة لم يتم الحد منها بالمستوى المطلوب، مما يؤشر على ضعف فعالية التدابير المتخذة في مجال الدعم التربوي وذلك راجع أساسا إلى عدم استثمار نتائج التقويم التشخيصي الذي تقوم به المؤسسات في بداية الموسم الدراسي، وطغيان البعد الجزائي للتقويم على البعد التكويني بحيث حتى المراقبة المستمرة التي من المفروض أن تشكل تغذية راجعة تمكن من تحسين جودة الممارسات البيداغوجية، أصبحت أداة من أدوات التقويم الإجمالي والجزائي بحكم احتساب نقطها في الامتحانات الإشهادية.
ومؤخرا تم استيراد منهجية جديدة للدعم التربوي من الهند تسمى التدريس في المستوى المناسب بدأت الوزارة في تجريبها وأعلنت عن نجاح التجربة ومرت هذه السنة إلى مرحلة التعميم. لا يمكن الحكم على هذه الآلية المستوردة ولكن ما هو مؤكد هو أن بلادنا تتوفر على أطر تربوية لها من الكفاءة البيداغوجية ما يكفي لتأطير عمليات الدعم التربوي، كما أن مراكز التكوين تهتم بهذا الجانب في فترة التكوين الأساس، وحتى وإن سجل خصاص على هذا المستوى كان من الممكن تداركه بوضع برنامج وطني للتكوين المستمر يمكن المدرسين من تملك الأدوات المنهجية والإجرائية لإنجاز عمليات الدعم التربوي للتلامذة الذين يحتاجونه. أما الالتجاء إلى الخبرة الأجنبية في مجال يعد من أبجديات المهام البيداغوجية المناطة بأطر التدريس فهذا يعني أننا في حاجة إليها في أبسط الأمور المرتبطة بتدبير العملية التعليمية التعلمية، فأحرى بما هو أهم.
س: من يتحمل مسؤولية ضعف المنظومة التعليمية بالمغرب والتي ساهمت في الهدر المدرسي لمئات الآلاف من التلاميذ؟
ج: قامت الدولة بمجهودات مهمة لتعميم التعليم الإلزامي بالنسبة لجميع الأطفال البالغين سن التمدرس بحيث تم تحقيق هذا الهدف في التعليم الابتدائي، غير أن نسبة التمدرس الصافية في التعليم الثانوي الإعدادي لا زالت في حدود 75 في المائة، كما أن نسبة الأطفال الذين لا يتمكنون من إكمال الدراسة في التعليم الإلزامي تتجاوز 35 بالمائة ولو بتكرار القسم عدة مرات، أما من يكملون التعليم الإلزامي بدون تكرار فلا تتجاوز نسبتهم 27 في المائة.
هذه الأرقام تؤكد أن تعميم التمدرس في التعليم الإلزامي لا زالت تواجهه العديد من التحديات مرتبطة أساسا بعدم تعميم التعليم الأولي، وضعف جودة التعلمات في التعليم الابتدائي الراجع خصوصا إلى ضعف التكوين الأساس والمستمر للمدرسين، وعدم كفاية التدابير المرتبطة بالدعم الاجتماعي. من بين كل هذه الإكراهات يظل الهدر المدرسي من الأسباب المباشرة المؤثرة في نسبة تعميم التمدرس في التعليم الإلزامي، رغم أن الوزارة دأبت كل سنة على استرجاع المفصولين عن الدراسة بسبب تجاوز سنوات الرسوب المسموح به في التعليم المدرسي، وذلك بهدف التقليص من عدد المنقطعين عن الدراسة، غير أن هذا الحل لا يجدي كثيرا في التعامل بفعالية مع هذه الظاهرة لأسباب نفسية مرتبطة بالتلميذ وأسباب تربوية وبيداغوجية تؤكد الآثار السلبية للتكرار على التحصيل الدراسي.
معدل التكرار المسجل، الذي يخفي واقعا أمر من ذلك بكثير، هو فقط من الأعراض التي تنبهنا إلى وجود اختلالات في العملية التعليمية، فنتعامل معه بمنطق تدبير التدفقات بين مختلف أسلاك التعليم دون أن يكون الهاجس الأساس هو تحسين جودة التعلمات. غالبية كبيرة من التلامذة الذين ينتقلون إلى التعليم الإعدادي كل عام لا يستحقون النجاح إذا اعتمدنا فقط المعدلات التي حصلوا عليها في الامتحان الإقليمي. هذا دليل على أننا نمارس سياسة غير معلنة للانتقال التلقائي للتلامذة، باستثناء أولئك الذين لا حيلة معهم وينتهي بهم الأمر إلى الانقطاع الدراسي. يؤكد ذلك مؤشر البنك الدولي المتعلق بعدد سنوات التمدرس المعدلة والذي لا يتجاوز 6 سنوات ونصف بدل أن يكون 12 سنة.
س: إلى أي حد في نظركم يمكن للدولة الحد من ظاهرة الهدر المدرسي، وكيف ذلك؟
ج: لمحاربة الانقطاع الدراسي ينبغي تمكين المدرسين من التأهيل المناسب للتعامل مع التعثرات إبان حدوثها، وتوفير ظروف العمل المناسبة في جميع المؤسسات، ورد الاعتبار لمهنة التدريس ماديا ومعنويا، وعدم اللجوء إلى التكرار إلا في حالات قصوى لكن في نفس الوقت ربط النجاح بالاستحقاق، مع التقليص تدريجيا من تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الفعالية التربوية للمؤسسة التعليمية وذلك من خلال تفعيل الدعم الاجتماعي المباشر بطريقة تؤثر إيجابيا على جودة التمدرس، ومساعدة الأسر المعوزة على مواكبة تمدرس أبنائها.
س: هناك دول كانت إلى عهد قريب متأخرة على جميع الأصعدة ولكن بفضل تركيزها على التعليم وإعطائه الأولوية استطاعت إحداث طفرة نوعية اجتماعيا واقتصاديا، كيف تفسر ذلك؟
ج: لا يمكن لدولة أن تتقدم دون عنصر بشري مؤهل ولا يمكن أن نحقق هذا الهدف إلا بمنظومة تربوية قوية وهو ما انتبهت إليه مجموعة من الدول بتركيزها على جودة التعليم. وإذا كانت عوامل النجاح تختلف من دولة إلى أخرى إلا أن هناك عوامل مشتركة نذكر منها:
أولا، العمل على تمكين المتعلمين من الاعتماد أكثر فأكثر على أنفسهم من خلال اكتساب مهارات التعلم الذاتي مع الثقة أكثر في استخدام التكنولوجيا الرقمية.
ثانيا، الاهتمام بانضباط التلامذة لقواعد صارمة داخل المؤسسة، وخاصة داخل الفصل الدراسي، لتحسين المناخ الانضباطي في المؤسسات التعليمية وتحسين سلامة التلامذة ليشعروا بالأمان في المدرسة.
ثالثا، ردم الهوة بين التلامذة فيما يتعلق بالاستفادة من التعليم الأولي، مع مراعاة مواصفات الجودة سواء في المجال الحضري أو في المجال القروي. وهو ما يتطلب أساسا الاعتماد على أطر مؤهلة قادرة على رفع تحدي الجودة في هذا السلك التعليمي البالغ الأهمية.
رابعا، السعي إلى التمازج الاجتماعي في المدرسة من خلال القطع مع التصنيف الطبقي للمؤسسات التعليمية ما بين تعليم خصوصي ترتاده طبقة اجتماعية محظوظة وتعليم عمومي ترتاده الطبقات المحرومة.
خامسا، توفير طاقم تربوي وإداري كاف وعالي الجودة في جميع المؤسسات التعليمية من خلال استفادته من تكوين أساس وتكوين مستمر يلبيان متطلبات الجودة، وضمان الشروط المادية والمعنوية لممارسة مهامه بالشكل المطلوب.
سادسا، توفير الموارد التعليمية والتجهيزات الأساسية التي تدعم جودة التحصيل الدراسي في انسجام مع منهاج دراسي يركز على الحاجات الحقيقية للمتعلمين والمتعلمات ويربطها بشكل ملائم مع حاجيات اندماجهم الفعال في المجتمعين الوطني و الدولي.
سابعا، توزيع مسؤوليات اتخاذ القرار في اتجاه الاقتراب أكثر من المؤسسة التعليمية مع منح السلطات المحلية والمدارس مسؤولية أكبر، وعلى الأخص في مجالات تخصيص الموارد وتخطيط المناهج وتقييم المتعلمين، وإعطاء مديري المدارس سلطة أكبر لاتخاذ القرارات التربوية والإدارية. وعموما تتفاوت درجة استقلالية المؤسسات التعليمية بين دولة وأخرى لكن القاسم المشترك بين المنظومات التربوية المتميزة هو التوجه الواضح نحو هذه الاستقلالية ولو بشكل تدريجي.
ثامنا، اتباع سياسة لغوية تسمح بترشيد المشهد اللغوي الوطني خاصة في الدول متعددة اللغات الرسمية، وتكييفها مع مخرجات البحوث العلمية الجادة المرتبطة بموضوع لغات التدريس، والتي تجمع على أهمية التدريس باللغات الرسمية في تحقيق جودة التعلمات، علما أن كل الدول الموجودة في المراتب الأولى على سلم بيزا 2022 يدرسون العلوم والرياضيات بلغاتهم الرسمية.
س: هناك فئات من المتعلمين تعاني من المشاكل الدراسية بسبب تراكم المناهج وضعف برامج المواكبة والدعم وقلة فاعليتها، ويبقى النفور من الدراسة ناشئا عن الإحساس بالتهميش، قد يتحول إلى انطواء ومغادرة للمدرسة في صمت، كيف ترى ذلك؟
ج: إن الحد من الهدر المدرسي رهين، إلى جانب تحسين جودة التعلمات، بتقديم دعم اجتماعي مندمج يؤلف بشكل ذكي ومرن بين مكوناته الأربعة الدعم المالي والإيواء والإطعام والنقل المدرسي، مع تكييف العرض المقدم حسب طبيعة الحاجات التي يتم رصدها بشكل دقيق لدى الأسر المعنية. ومنذ سنة 2009 تم تبني نموذج المدارس الجماعاتية على أنها إجابة على إخفاق سياسة المدارس الفرعية، غير أن هذه المركبات التربوية لم تنجز بالوتيرة التي كانت مقررة بحيث لم يتجاوز عدد المدارس الجماعاتية 271 مدرسة سنة 2023 من مجموع أكثر من 5000 مدرسة بالوسط القروي. وفي الوقت الذي كان الغرض من إحداث المدارس الجماعاتية الحد من عدد المدارس الفرعية، بل والقضاء عليها نهائيا فإن الملاحظ هو أنها لا تستوعب أكثر من اثنين بالمائة من مجموع تلامذة العالم القروي. بالإضافة إلى ذلك سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن سجل أن المدارس الجماعاتية لا تختلف عن المدارس الفرعية في انخفــاض مســتوى التحصيــل الدراسي.
وقد أولت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 أهمية خاصة للوظيفة الثقافية للمدرسة والرفع من مكانة اللغة العربية لجعلها اللغة الأساس للتدريس، ومن موقع اللغة الأمازيغية لجعلها لغة مدرسة في جميع مستويات التعليم. غير أن تطبيق مبدأ التناوب اللغوي وفق التوجه الذي جاء في القانون الإطار والقاضي بتدريس بعض المواد العلمية والتقنية بلغة أجنبية، ودون الاحتكام في ذلك إلى نص تنظيمي يحدد بدقة تطبيقاته في جميع الأسلاك التعليمية كما ألزم بذلك القانون الإطار نفسه، أضر كثيرا بالحقوق اللغوية للمتعلمين والمتعلمات. وقد تجلى هذا الضرر في عدم احترام التراتبية الطبيعية بين اللغات الرسمية واللغات الأجنبية أدى إلى تهميش تعلم اللغة الأمازيغية وحصر اللغة العربية في تدريس الدين والمواد الأدبية؛ وفي مضاعفة الزمن المدرسي المخصص لتدريس اللغة الفرنسية أو التدريس بها على حساب الزمن المخصص للغة العربية، وهو ما يجعل التلميذ المغربي يتعلم في بيئة لغوية وثقافية غريبة عن بيئته الحاضنة، مما ينعكس سلبا على التحصيل الدراسي ويغذي ظاهرة الهدر المدرسي.
س: هناك عوامل أساسية ذاتية واجتماعية واقتصادية تساهم بشكل كبير في دفع التلميذ إلى الانقطاع عن الدراسة وبالتالي المغادرة، هلا تشرح لنا ذلك؟
ج: رغم كل الجهود التي قامت بها الوزارة فإن نسبة الهدر المدرسي المرتفعة لم يتم الحد منها بالمستوى المطلوب، مما يؤشر على ضعف فعالية التدابير المتخذة في مجال الدعم التربوي وذلك راجع أساسا إلى عدم استثمار نتائج التقويم التشخيصي الذي تقوم به المؤسسات في بداية الموسم الدراسي، وطغيان البعد الجزائي للتقويم على البعد التكويني بحيث حتى المراقبة المستمرة التي من المفروض أن تشكل تغذية راجعة تمكن من تحسين جودة الممارسات البيداغوجية، أصبحت أداة من أدوات التقويم الإجمالي والجزائي بحكم احتساب نقطها في الامتحانات الإشهادية.
ومؤخرا تم استيراد منهجية جديدة للدعم التربوي من الهند تسمى التدريس في المستوى المناسب بدأت الوزارة في تجريبها وأعلنت عن نجاح التجربة ومرت هذه السنة إلى مرحلة التعميم. لا يمكن الحكم على هذه الآلية المستوردة ولكن ما هو مؤكد هو أن بلادنا تتوفر على أطر تربوية لها من الكفاءة البيداغوجية ما يكفي لتأطير عمليات الدعم التربوي، كما أن مراكز التكوين تهتم بهذا الجانب في فترة التكوين الأساس، وحتى وإن سجل خصاص على هذا المستوى كان من الممكن تداركه بوضع برنامج وطني للتكوين المستمر يمكن المدرسين من تملك الأدوات المنهجية والإجرائية لإنجاز عمليات الدعم التربوي للتلامذة الذين يحتاجونه. أما الالتجاء إلى الخبرة الأجنبية في مجال يعد من أبجديات المهام البيداغوجية المناطة بأطر التدريس فهذا يعني أننا في حاجة إليها في أبسط الأمور المرتبطة بتدبير العملية التعليمية التعلمية، فأحرى بما هو أهم.
س: من يتحمل مسؤولية ضعف المنظومة التعليمية بالمغرب والتي ساهمت في الهدر المدرسي لمئات الآلاف من التلاميذ؟
ج: قامت الدولة بمجهودات مهمة لتعميم التعليم الإلزامي بالنسبة لجميع الأطفال البالغين سن التمدرس بحيث تم تحقيق هذا الهدف في التعليم الابتدائي، غير أن نسبة التمدرس الصافية في التعليم الثانوي الإعدادي لا زالت في حدود 75 في المائة، كما أن نسبة الأطفال الذين لا يتمكنون من إكمال الدراسة في التعليم الإلزامي تتجاوز 35 بالمائة ولو بتكرار القسم عدة مرات، أما من يكملون التعليم الإلزامي بدون تكرار فلا تتجاوز نسبتهم 27 في المائة.
هذه الأرقام تؤكد أن تعميم التمدرس في التعليم الإلزامي لا زالت تواجهه العديد من التحديات مرتبطة أساسا بعدم تعميم التعليم الأولي، وضعف جودة التعلمات في التعليم الابتدائي الراجع خصوصا إلى ضعف التكوين الأساس والمستمر للمدرسين، وعدم كفاية التدابير المرتبطة بالدعم الاجتماعي. من بين كل هذه الإكراهات يظل الهدر المدرسي من الأسباب المباشرة المؤثرة في نسبة تعميم التمدرس في التعليم الإلزامي، رغم أن الوزارة دأبت كل سنة على استرجاع المفصولين عن الدراسة بسبب تجاوز سنوات الرسوب المسموح به في التعليم المدرسي، وذلك بهدف التقليص من عدد المنقطعين عن الدراسة، غير أن هذا الحل لا يجدي كثيرا في التعامل بفعالية مع هذه الظاهرة لأسباب نفسية مرتبطة بالتلميذ وأسباب تربوية وبيداغوجية تؤكد الآثار السلبية للتكرار على التحصيل الدراسي.
معدل التكرار المسجل، الذي يخفي واقعا أمر من ذلك بكثير، هو فقط من الأعراض التي تنبهنا إلى وجود اختلالات في العملية التعليمية، فنتعامل معه بمنطق تدبير التدفقات بين مختلف أسلاك التعليم دون أن يكون الهاجس الأساس هو تحسين جودة التعلمات. غالبية كبيرة من التلامذة الذين ينتقلون إلى التعليم الإعدادي كل عام لا يستحقون النجاح إذا اعتمدنا فقط المعدلات التي حصلوا عليها في الامتحان الإقليمي. هذا دليل على أننا نمارس سياسة غير معلنة للانتقال التلقائي للتلامذة، باستثناء أولئك الذين لا حيلة معهم وينتهي بهم الأمر إلى الانقطاع الدراسي. يؤكد ذلك مؤشر البنك الدولي المتعلق بعدد سنوات التمدرس المعدلة والذي لا يتجاوز 6 سنوات ونصف بدل أن يكون 12 سنة.
س: إلى أي حد في نظركم يمكن للدولة الحد من ظاهرة الهدر المدرسي، وكيف ذلك؟
ج: لمحاربة الانقطاع الدراسي ينبغي تمكين المدرسين من التأهيل المناسب للتعامل مع التعثرات إبان حدوثها، وتوفير ظروف العمل المناسبة في جميع المؤسسات، ورد الاعتبار لمهنة التدريس ماديا ومعنويا، وعدم اللجوء إلى التكرار إلا في حالات قصوى لكن في نفس الوقت ربط النجاح بالاستحقاق، مع التقليص تدريجيا من تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الفعالية التربوية للمؤسسة التعليمية وذلك من خلال تفعيل الدعم الاجتماعي المباشر بطريقة تؤثر إيجابيا على جودة التمدرس، ومساعدة الأسر المعوزة على مواكبة تمدرس أبنائها.
س: هناك دول كانت إلى عهد قريب متأخرة على جميع الأصعدة ولكن بفضل تركيزها على التعليم وإعطائه الأولوية استطاعت إحداث طفرة نوعية اجتماعيا واقتصاديا، كيف تفسر ذلك؟
ج: لا يمكن لدولة أن تتقدم دون عنصر بشري مؤهل ولا يمكن أن نحقق هذا الهدف إلا بمنظومة تربوية قوية وهو ما انتبهت إليه مجموعة من الدول بتركيزها على جودة التعليم. وإذا كانت عوامل النجاح تختلف من دولة إلى أخرى إلا أن هناك عوامل مشتركة نذكر منها:
أولا، العمل على تمكين المتعلمين من الاعتماد أكثر فأكثر على أنفسهم من خلال اكتساب مهارات التعلم الذاتي مع الثقة أكثر في استخدام التكنولوجيا الرقمية.
ثانيا، الاهتمام بانضباط التلامذة لقواعد صارمة داخل المؤسسة، وخاصة داخل الفصل الدراسي، لتحسين المناخ الانضباطي في المؤسسات التعليمية وتحسين سلامة التلامذة ليشعروا بالأمان في المدرسة.
ثالثا، ردم الهوة بين التلامذة فيما يتعلق بالاستفادة من التعليم الأولي، مع مراعاة مواصفات الجودة سواء في المجال الحضري أو في المجال القروي. وهو ما يتطلب أساسا الاعتماد على أطر مؤهلة قادرة على رفع تحدي الجودة في هذا السلك التعليمي البالغ الأهمية.
رابعا، السعي إلى التمازج الاجتماعي في المدرسة من خلال القطع مع التصنيف الطبقي للمؤسسات التعليمية ما بين تعليم خصوصي ترتاده طبقة اجتماعية محظوظة وتعليم عمومي ترتاده الطبقات المحرومة.
خامسا، توفير طاقم تربوي وإداري كاف وعالي الجودة في جميع المؤسسات التعليمية من خلال استفادته من تكوين أساس وتكوين مستمر يلبيان متطلبات الجودة، وضمان الشروط المادية والمعنوية لممارسة مهامه بالشكل المطلوب.
سادسا، توفير الموارد التعليمية والتجهيزات الأساسية التي تدعم جودة التحصيل الدراسي في انسجام مع منهاج دراسي يركز على الحاجات الحقيقية للمتعلمين والمتعلمات ويربطها بشكل ملائم مع حاجيات اندماجهم الفعال في المجتمعين الوطني و الدولي.
سابعا، توزيع مسؤوليات اتخاذ القرار في اتجاه الاقتراب أكثر من المؤسسة التعليمية مع منح السلطات المحلية والمدارس مسؤولية أكبر، وعلى الأخص في مجالات تخصيص الموارد وتخطيط المناهج وتقييم المتعلمين، وإعطاء مديري المدارس سلطة أكبر لاتخاذ القرارات التربوية والإدارية. وعموما تتفاوت درجة استقلالية المؤسسات التعليمية بين دولة وأخرى لكن القاسم المشترك بين المنظومات التربوية المتميزة هو التوجه الواضح نحو هذه الاستقلالية ولو بشكل تدريجي.
ثامنا، اتباع سياسة لغوية تسمح بترشيد المشهد اللغوي الوطني خاصة في الدول متعددة اللغات الرسمية، وتكييفها مع مخرجات البحوث العلمية الجادة المرتبطة بموضوع لغات التدريس، والتي تجمع على أهمية التدريس باللغات الرسمية في تحقيق جودة التعلمات، علما أن كل الدول الموجودة في المراتب الأولى على سلم بيزا 2022 يدرسون العلوم والرياضيات بلغاتهم الرسمية.