كتاب الرأي

صلاح الدين الوديع يكتب" تل السلطان - رفح"


دموع التماسيح لن تنفعكم بعد اليوم،
ولن تستدروا عطف أحدٍ بوجوه شاحبة من فرط الهوان الذي وصمكم به موت الضمير
ولن تَقْبل كلمةٌ – من أي قاموس من قواميس البشرية بعد اليوم - أن تعربَ عنكم لأن البشر والشجر والحجر فقد الثقة فيكم
أنتم من أثقل آذاننا بمقولات الانسان وحقوق الانسان وكرامة الانسان
أنتم من اعتبرنا متخلفين عن ركب الحضارة لأننا متشبثون بتاريخنا وقيمنا ومرجعياتنا ومخيلاتنا..



أنتم من وضع الناس خلال استعماركم بلداننا داخل أقفاص مثل الحيوانات الداجنة وغير الداجنة، كي يتم عرضهم في المحافل من أجل التسلية...
أنتم من ادعى أنه يعلمنا الأناقة والشياكة وطرق التصرف والتعامل،
ما أحقركم
ليس لأنكم فقدتم القدرة على الشعور بآلام الآخرين، أولئك الذين ليسوا من دمكم
ليس لأنكم تشاهدون كما نشاهد علامات الانحدار نحو انسحاق الشعور بالانتماء للبشرية
بل، فقط لأنكم شيدتم عالما حسبناه أقرب إلى أحلام الناس فإذا به أفظع من أن تتصوره خيالات الشياطين
تناقشون هل من المقبول استهداف الأحياء المدنية في غزة بالقنابل من كل حجم، هناك حيث تختبئ المرضعات والأطفال وينزوي المقعدون والجرحى والعجائز...؟؟؟
تذكَّروا المبررات التي اعتمدها قبلكم أولئك الذين أخضعوا "العالم الجديد" منذ قرون، يوم حلوا ببلاد المايا والأزتيك بأمريكا
لقد حسموا أمرهم ثم أجهزوا على حضارات بأكملها بعد أن طرحوا سؤالا قوامه: هل هؤلاء بشر أم حيوانات؟ وهل لهم أرواح أم لا أرواح لهم؟ 
ثم أجابوا بالنفي، أجابوا بكل بساطة أنهم لم يكونوا بشرا...
وانظروا إلى ما يقوله قادة إسرائيل اليوم...
إنهم يفعلون الشيء نفسه، بل هم لا يتساءلون حتى إن كان الفلسطينيون بشراً. ألم يقل وزير الدفاع في إسرائيل أنهم حيوانات بشرية... 
نفس الوقاحة عبر التاريخ، منذ القرون الغابرة...
وها هنا نفهم ما حل بحي "تل السلطان" في مدينة رفح حين اشتعل لهيبا بلا رحمة
هاهنا ندرك حقيقة الأمر
ما أحقر هذه الحضارة، إذن...
عودوا إلى صور النيران المشتعلة في بقايا حي "تل السلطان" واستنشقوا رائحة اللحم المحروق في أذرع الأطفال العارية
هي شهادة الوفاة المعنوية التي تطرق أبوابكم
هي الشهادة التي ستوقِّعها البشرية الحية، تلك التي وطأتم بجزماتكم في فلسطين وغير فلسطين، منذ قرون...

البشرية الحية، تلك التي تستيقظ في شوارعكم وجامعاتكم اليوم، بين صفوف الشباب اليقظ، لعلها تنقذ ما تبقى من أرواحكم
تلك التي تنقذ ما تبقى من إنسانيتنا اليوم 
غير أنكم ذاهلون، لم تستوعبوا ما يقع ولن تستوعبوه...
لم تفهموا بعدُ أنَّ الأوان فات،
وأن البشرية قد لفظتكم بلا حظ في استئناف حكم التاريخ...
وألا نسيان ولا صفح... 
إلى الأبد. 
صلاح الوديع
الأربعاء 29 ماي 2024




الخميس 30 ماي 2024
في نفس الركن