كتاب الرأي

رصدها‭ ‬تقرير‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ماي‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬مدرسة‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية


في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬كتبت‭ ‬مقالا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الركن،‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬الكثيرون‭ ‬أبدوا‭ ‬استغرابا‭ ‬مفرطا‭ ‬وبحساسية‭ ‬كبيرة‭ ‬اتجاه‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ ‬تسرعا‭ ‬في‭ ‬الاستنتاج‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬العوامل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تؤكده،‭ ‬والبعض‭ ‬لديه‭ ‬يقين‭ ‬ثابت‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الجارين‭ ‬اللدودين‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬مستحيلة،‭ ‬لعدم‭ ‬رغبة‭ ‬الكبار‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬تنشأ‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬يقرر‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬توازناتها،‭ ‬اليوم‭ ‬خرج‭ ‬علينا‭ ‬تقرير‭ ‬أكاديمي‭ ‬صدر‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مدرسة‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬المغرب،‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمية‭: ‬التحديات‭ ‬وعوامل‭ ‬النجاح‭ ‬الرئيسية‭ ‬والخيارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لعام‭ ‬2040‮»‬،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬كبير‭ ‬لنشوب‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬ويؤكد‭ ‬التقرير‭ ‬الحامل‭ ‬لاسم‭ ‬“أطلس”‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬العلاقات‭ ‬المتوترة‭ ‬والعوامل‭ ‬المهددة‭ ‬للاستقرار‭ ‬على‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين ،‭ ‬وكذلك‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمية ،‭ ‬فإن‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬تقليدية‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬السيناريوهات‭ ‬كارثية ،‭ ‬والتي‭ ‬ستكون‭ ‬ذات‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬طموح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية ‭.‬



حاوره‭ : ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬كوكاس

حرب‭ ‬محتملة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مستحيلة‭.. ‬وهذه‭ ‬دوافعها

ليست‭ ‬الحرب‭ ‬سوى‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬ملعب‭ ‬آخر ،‭ ‬وبرغم‭ ‬شرورها‭ ‬وأعطابها‭ ‬ومخلفاتها،‭ ‬فإنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬حركية‭ ‬الأمم ،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬إزميل‭ ‬سيء‭ ‬لنحت‭ ‬الغد‮»‬‭ ‬بتعبير‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬تأزيما‭ ‬ممهدا‭ ‬لحرب،‭ ‬ولفهم‭ ‬دوافعها،‭ ‬علينا‭ ‬مراجعة‭ ‬المفاهيم‭ ‬التقليدية‭ ‬لنشوب‭ ‬الحرب‭ ‬حول‭ ‬الهيمنة‭ ‬والأمن‭ ‬والمصلحة‭ ‬والانتقام،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬التاريخ‭ ‬وقائع‭ ‬مشابهة‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬الذي‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬محدود‭ ‬السقف‭ ‬ومتحكم‭ ‬في‭ ‬أفقه،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬التسخينات‭ ‬الممهدة‭ ‬لحرب‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬مثل‭ ‬قدر‭ ‬أعمى‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمغرب،‭ ‬لكنها‭ ‬ضرورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجزائر‭ ‬بسبب‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭..‬ 



‭ ‬بدءا‭ ‬يجب‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬مشاعرنا‭ ‬التي‭ ‬تنفر‭ ‬وتنأى‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬حرب ،‭ ‬ولا‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬والتجييش‭ ‬لتسميم‭ ‬الأجواء‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬جارين‭ ‬وشعبين‭ ‬شقيقين،‭ ‬وبين‭ ‬تحليل‭ ‬الوقائع‭ ‬المتناسلة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد‭ ‬والمتوسط‭ ‬إلا‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬مفتوحة‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬قدرت‭ ‬لهما‭ ‬دكتاتورية‭ ‬الجغرافيا‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬بلدين‭ ‬قويين‭ ‬وأن‭ ‬تحدوهما‭ ‬مطامح‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإقليمية ،‭ ‬وأن‭ ‬يتماسا‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬وأن‭ ‬يحملا‭ ‬معا‭ ‬جراح‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬مخلفات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة ،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نفور‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬نشوب‭ ‬أكثر‭ ‬الحروب‭ ‬تدميرا،‭ ‬ولعل‭ ‬الاستمرار‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتسلح‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬يحركه‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الشر‭ ‬المحض‭ ‬والمنفعة‭ ‬والطموح‭ ‬إلى‭ ‬الهيبة‭ ‬والمجد‭.



 ‬فالحروب‭ ‬لا‭ ‬تندلع‭ ‬لأسباب‭ ‬أمنية‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬إنها‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية،‭ ‬ولم‭ ‬تنشب‭ ‬الحروب‭ ‬دوما‭ ‬بسبب‭ ‬حسابات‭ ‬واقعية‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬إنها‭ ‬إحدى‭ ‬حماقات‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬ذاتها‭! ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬مستحيل‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يردد‭ ‬نابليون‭.‬



التوازن‭ ‬العسكري‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬دوما‭ ‬صمام‭ ‬أمان

حين‭ ‬تحدثت‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬المهتمين‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والشأن‭ ‬العسكري‭ ‬حول‭ ‬مخاوفي‭ ‬من‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬قريبة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬تبدأ‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مناوشات‭ ‬محدودة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬كما‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬باكستان‭ ‬والهند‭ ‬ثم‭ ‬تمتد‭.. ‬وأنه‭ ‬يلزمها‭ ‬فقط‭ ‬ضربة‭ ‬المروحة‭ ‬أو‭ ‬فخ‭ ‬تيوسيديدس،‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭: ‬استحالة‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬والمتوسط،‭ ‬الأمر‭ ‬جد‭ ‬مستبعد‭ ‬حسب‭ ‬معظم‭ ‬المهتمين،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬لوجود‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬توازن‭ ‬الرعب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التسلح‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬ووجود‭ ‬تقدير‭ ‬جيد‭ ‬لدى‭ ‬قيادتي‭ ‬البلدين‭ ‬حول‭ ‬حجم‭ ‬المخاطر‭ ‬المتأتية‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬استعراضا‭ ‬عسكريا،‭ ‬وهذا‭ ‬عنصر‭ ‬يخدم‭ ‬السلام‭ ‬ولا‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬جيشين‭ ‬قويين،‭ ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬حراس‭ ‬المعبد،‭ ‬أي‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مصالح‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ولن‭ ‬تسمح‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬بتهديدها‭.. ‬

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬التقليدي‭ ‬المطمئن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬الصمود،‭ ‬فهل‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬نشأت‭ ‬دوما‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬ومصالح‭ ‬القوى‭ ‬العظمى؟‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬هل‭ ‬توازن‭ ‬الرعب‭ ‬العسكري‭ ‬كاف‭ ‬لمنع‭ ‬الحرب؟‭ ‬ثم‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬ذاتها‭ ‬صاحبة‭ ‬المصلحة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لم‭ ‬يحسمه‭ ‬لا‭ ‬ربيع‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬الأولى‭ ‬ولا‭ ‬الثانية؟



لهذا‭ ‬تنشأ‭ ‬الحروب‭ ‬كما‭ ‬يعلمنا‭ ‬التاريخ

لماذا‭ ‬تندلع‭ ‬الحرب‭ ‬عادة؟‭ ‬سؤال‭ ‬بحث‭ ‬فيه‭ ‬المؤرخون‭ ‬والفلاسفة‭ ‬وإستراتيجيو‭ ‬فن‭ ‬الحرب‭... ‬الذي‭ ‬حددوا‭ ‬دوافع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬عوامل‭: ‬الخوف،‭ ‬المصلحة،‭ ‬المكانة‭ ‬والانتقام‭.. ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬والشهوة‭ ‬والقوة‭ ‬والمجد‭.. ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬الدول‭ ‬اليوم‭ ‬ككيانات‭ ‬عامة‭ ‬أي‭ ‬مشاعر‭ ‬أو‭ ‬أحاسيس‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬تسييرها‭ ‬يحسون،‭ ‬ويسقطون‭ ‬ذواتهم‭ ‬على‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬ينتسبون‭ ‬إليها‭ ‬أو‭ ‬يتولون‭ ‬زمام‭ ‬تسييرها،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬نتناسى‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬دوافع‭ ‬الحروب‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الباحث‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيد‭ ‬ليبو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬تتحارب‭ ‬الأمم؟‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬الكلاب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنبح،‭ ‬وأعني‭ ‬بها‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬العوامل‭ ‬المرتبطة‭ ‬باللاوعي‭ ‬المختزن‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬من‭ ‬ضربة‭ ‬المروحة‭ ‬لباي‭ ‬الجزائر‭ ‬حتى‭ ‬صيحة‭ ‬بن‭ ‬بلة‭ ‬‮«‬حكرونا‭ ‬المراركة‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬عمر‭ ‬بها‭ ‬المستعمر‭ ‬132‭ ‬سنة،‭ ‬ومرت‭ ‬من‭ ‬عشرية‭ ‬قاسية‭ ‬للحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الجار‭ ‬الغربي‭ ‬مستقرا‭ ‬وينعم‭ ‬بالأمن،‭ ‬مع‭ ‬تباهيهه‭ ‬بعراقة‭ ‬تاريخه‭ ‬ومجد‭ ‬حضارته،‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬حتى‭ ‬المستعمر‭ ‬القديم‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬قبل‭ ‬1830،‭ ‬حسب‭ ‬تصريحات‭ ‬مانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬نفسه‭... ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يتزامن‭ ‬نفس‭ ‬التصعيد‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬الجيش‭ ‬الحاكم‭ ‬اتجاه‭ ‬المغرب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اتجاه‭ ‬فرنسا،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الحدة‭ ‬والوقع،‭ ‬إنه‭ ‬الإحساس‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬يوقظ‭ ‬أوجاع‭ ‬الماضي ‭. ‬



لقد‭ ‬وصلت‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية‭ -‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تغيير‭ ‬قدر‭ ‬الجغرافيا‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬جوارها‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭- ‬إلى‭ ‬استنفاذ‭ ‬سقف‭ ‬الأوكسجين‭ ‬الذي‭ ‬يمنحها‭ ‬التجدد‭ ‬والاستمرار،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬راكمت‭ ‬مصالح‭ ‬ممتدة‭ ‬بالطول‭ ‬والعرض،‭ ‬أضحت‭ ‬تخشى‭ ‬انهيار‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬جنون‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬رياح‭ ‬تغيير‭ ‬تعاكس‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الخارج‭.. ‬ليس‭ ‬بدافع‭ ‬الانتقام‭ ‬أو‭ ‬المجد‭ ‬ولا‭ ‬شهوة‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬أحد‭ ‬نتائجها‭ ‬على‭ ‬وضعه‭ ‬الداخلي‭ ‬وعلى‭ ‬إسقاطاتها‭ ‬السياسية‭.. ‬لنتذكر‭ ‬دوما‭ ‬التعريف‭ ‬التقليدي‭ ‬للحرب باعتبارها‭ ‬نزاعا‭ ‬مسلحا‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الكيانات‭ ‬غير‭ ‬المنسجمة،‭ ‬حيث‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬الجغرافية‭ ‬السياسية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬مرجوة‭ ‬ومصممة‭ ‬بشكل‭ ‬ذاتي ‭.‬



مصيدة‭ ‬تيوسيديدس‭: ‬ هل‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬قدر‭ ‬حتمي؟

في‭ ‬تفسيره‭ ‬لدوافع‭ ‬الحرب‭ ‬البولوبونيسية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬كتب‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإغريقي‭ ‬ثيوسيديدس‭ ‬Thucydides‭: ‬‮«‬إن‭ ‬نمو‭ ‬قوة‭ ‬أثينا،‭ ‬والإنذار‭ ‬الذي‭ ‬ألهمه‭ ‬في‭ ‬اسبارطة،‭ ‬جعل‭ ‬الحرب‭ ‬أمرًا‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬تحليله‭ ‬لأسباب‭ ‬الحرب‭ ‬الطاحنة‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬الأسباب‭ ‬العميقة‭ ‬للحرب‭ ‬البولوبونيسية‭ ‬حين‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬الإسبارطيين‭ ‬كانوا‭ ‬يشعرون‭ ‬بالتهديد‭ ‬بفعل‭ ‬الإنجازات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬لأثينا،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أشعرتهم‭ ‬به‭ ‬تهديدات‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية ‭.. ‬



ويضيف‭ ‬المؤسس‭ ‬الأول‭ ‬لمدرسة‭ ‬الواقعية‭ ‬السياسية‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬تنشأ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مبدأ‭ ‬القوة‭ ‬لا‭ ‬مبدأ‭ ‬الحق،‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬أثينا‭ ‬وبداية‭ ‬تقدمها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحررت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عوائقها‭ ‬وتطلعها‭ ‬لمستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬ازدهارا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الظروف‭ ‬مناسبة‭ ‬خارج‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬الإسبرطي‭ ‬يسمح‭ ‬بتحقيق‭ ‬الإنجازات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تشهدها‭ ‬أثينا،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الحافز‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬إسبارطة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تلتفت‭ ‬للقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لأثينا‭ ‬بل‭ ‬لانطلاقها‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬التقدم‭ ‬والنهضة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات،‭ ‬تشعر‭ ‬بالتهديد‭ ‬القوي‭ ‬لوجودها‭ ‬وبدأت‭ ‬ترتسم‭ ‬أمام‭ ‬قادة‭ ‬الإسبرطيين‭ ‬ملامح‭ ‬تغير‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيو‭ ‬إستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬ستضيع‭ ‬معها‭ ‬مصالحكم‭ ‬ومكانة‭ ‬مدينتهم،‭ ‬فأعلنوا‭ ‬الحرب‭ ‬المشهورة‭ ‬في‭ ‬التاريخ ‭.‬



إن‭ ‬‮«‬مصيدة‭ ‬تيوسيديدس‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الحرب‭ ‬كقدر‭ ‬حتمي‭ ‬قد‭ ‬تعيد‭ ‬نفسها‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬فالوضع‭ ‬الذي‭ ‬توجد‭ ‬عليه‭ ‬الجزائر،‭ ‬بسبب‭ ‬هشاشة‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتزايد‭ ‬حدة‭ ‬الأزمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وضبابية‭ ‬المستقبل‭ ‬وإغلاق‭ ‬مجال‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬نخبة‭ ‬عسكرية‭ ‬تقليدية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلطة،‭ ‬حيث‭ ‬اتسعت‭ ‬شهية‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وضاقت‭ ‬الثروة،‭ ‬أمام‭ ‬ضغط‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬كمون‭ ‬فقط،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يغلق‭ ‬قوسه‭ ‬بعد‭.. ‬مقابل‭ ‬امتداد‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.. ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬التقليدي‭ ‬للجزائر،‭ ‬وتدبيره‭ ‬معظم‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬عبرها‭ ‬بأقل‭ ‬تكلفة،‭ ‬من‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬الجائحة‭ ‬وإسقاطاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬حتى‭ ‬الانتصارات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬حد‭ ‬كسب‭ ‬اعتراف‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬صحرائه‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬أشبه‭ ‬بكعب‭ ‬أخيل‭ ‬لدى‭ ‬المملكة‭...‬



‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬المحرزة‭ ‬لدى‭ ‬الجار‭ ‬الغربي،‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬لها‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬الحاكمة‭ ‬باطمئنان،‭ ‬لأنها‭ ‬تضفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الضبابية‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وضع‭ ‬اقتصادي‭ ‬صعب،‭ ‬واستدعاء‭ ‬الحرس‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬أحد‭ ‬عناصر‭ ‬التجييش‭ ‬الذي‭ ‬يسبق‭ ‬أي‭ ‬حرب‭.. ‬فمنذ‭ ‬نهاية‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬ظهر‭ ‬الجيش‭ ‬بشكل‭ ‬مكشوف‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬قناع،‭ ‬وبحكم‭ ‬تناقض‭ ‬المصالح‭ ‬وضغط‭ ‬الشارع،‭ ‬دخلت‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬دق‭ ‬العظام‮»‬‭ ‬بين‭ ‬مكوناته،‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬حرب‭ ‬الإلهاء،‭ ‬ففتحت‭ ‬السجون‭ ‬لكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬المدنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬القايد‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬حين‭ ‬اختفى،‭ ‬تم‭ ‬سجن‭ ‬ومحاكمة‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صفه،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬رقعة‭ ‬شطرنج‭ ‬السلطة،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬طويلا،‭ ‬حتى‭ ‬أننا‭ ‬شهدنا‭ ‬خروج‭ ‬مسؤولين‭ ‬وجهت‭ ‬لهم‭ ‬تهم‭ ‬ثقيلة‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬لينتقلوا‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬ولأن‭ ‬مساحة‭ ‬الحرب‭ ‬الداخلية‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وضع‭ ‬الستاتيكو،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬رقعتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬بتغيير‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬13‭ ‬فبراير‭ ‬2020،‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬الجزائر،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬تصريح‭ ‬رئيس‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الجزائرية‭ ‬رمطان‭ ‬العوامرة‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬الصحافية‭ ‬التي‭ ‬نظمها‭ ‬لشرح‭ ‬أسباب‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬حين‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬13‭ ‬فبراير،‭ ‬الذي‭ ‬قلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬الجزائر‭.. ‬مجرد‭ ‬فلتة‭ ‬لسان‭ ‬بل‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭ ‬الضربة‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭ ‬راعية‭ ‬بوليساريو‭ ‬حين‭ ‬دفعت‭ ‬بمليشياته‭ ‬بلا‭ ‬تخطيط‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬الكركرات‭. ‬



 

الخوف‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬تصاعد‭ ‬متواتر‭ ‬للمغرب


في‭ ‬مقال‭ ‬للباحثين‭ ‬هال‭ ‬براندز‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬كرسي‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬المتميز‭ ‬للشؤون‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬الدولية‭ ‬المتقدمة‭ ‬بجامعة‭ ‬جونز‭ ‬هوبكنز ،‭ ‬ومايكل‭ ‬بيكلي‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬تافتس ،‭ ‬ومؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮ «‬لماذا‭ ‬ستبقى‭ ‬أمريكا‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم؟‮»‬،‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭ ‬الأمريكية‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي،‭ ‬تساءل‭ ‬المؤلفان‭: ‬لماذا‭ ‬تخوض‭ ‬الدول‭ ‬حروبا‭ ‬؟‭ ‬‮«‬الجواب‭ ‬التقليدي‭ ‬هو‭ ‬قصة‭ ‬تصاعد‭ ‬المنافسين‭ ‬وتراجع‭ ‬الهيمنة‭.. ‬القوة‭ ‬الصاعدة،‭ ‬التي‭ ‬تغضب‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬القائم،‭ ‬تكتسب‭ ‬أرضية‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬راسخة‭ - ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭. ‬تتكاثر‭ ‬التوترات‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬اختبارات‭ ‬القوة‭.. ‬والنتيجة‭ ‬هي‭ ‬دوامة‭ ‬الخوف‭ ‬والعداء‭ ‬التي‭ ‬تؤدي،‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬حتمي،‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‮»‬‭.. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬تحليلهما‭ ‬لاحتمال‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يؤكدان‭: ‬‮«‬إن‭ ‬فكرة‭ ‬فخ‭ ‬ثيوسيديدس،‭ ‬التي‭ ‬روج‭ ‬لها‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬جراهام‭ ‬أليسون،‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬خطر‭ ‬الحرب‭ ‬سوف‭ ‬يرتفع‭ ‬بشكل‭ ‬صاروخي‭ ‬عندما‭ ‬تتفوق‭ ‬الصين‭ ‬الصاعدة‭ ‬على‭ ‬أمريكا‭ ‬المترهلة‭. ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬أصبح‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬السبب‭ ‬الأساسي‭ ‬للاحتكاك‭ ‬هو‭ ‬‮«‬انتقال‭ ‬القوة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ - ‬استبدال‭ ‬قوة‭ ‬مهيمنة‭ ‬بأخرى‭- ‬أصبح‭ ‬اعتقادًا‭ ‬أساسيًا‮»‬‭.. ‬ويستنتجان‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المشكلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصيغة‭ ‬المألوفة‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬خاطئة» ‬‭.‬



رغم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بقوة‭ ‬صاعدة‭ ‬تطمح‭ ‬لتجد‭ ‬نفسها‭ ‬مكان‭ ‬القوة‭ ‬المترهلة،‭ ‬بل‭ ‬بقوة‭ ‬تخشى‭ ‬تزايد‭ ‬تحقيق‭ ‬قوة‭ ‬أخرى‭ ‬مكاسب‭ ‬وإنجازات‭ ‬ومراكمة‭ ‬انتصارات‭ ‬عديدة‭ ‬ومحاولة‭ ‬تقæديم‭ ‬نفسها‭ ‬كقوة‭ ‬مهيمنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬تنازع‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭.. ‬بهذا‭ ‬الأفق‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬الاطمئنان‭ ‬السائد‭ ‬إلى‭ ‬مسلمة‭ ‬استحالة‭ ‬أو‭ ‬استبعاد‭ ‬نشوب‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬نظرا‭ ‬لتوازن‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬مصالح‭ ‬كبرى‭ ‬للقوى‭ ‬العظمى‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬للبلدين‭ ‬المعنيين‭ ‬بتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬المرسومة‭ ‬للصراع‭ ‬سلفا‭.. ‬مقولات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تصمد‭ ‬أمام‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬التاريخ‭ ‬واستخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬الواجب‭ ‬أخذها‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭.. ‬فالخوف‭ ‬من‭ ‬تفوق‭ ‬قوة‭ ‬منافسة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬السلمية‭ ‬وضبابية‭ ‬المستقبل،‭ ‬تعتبر‭ ‬دافعا‭ ‬للحرب ‭. ‬



رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬تبدو‭ ‬بديهية‭ ‬حد‭ ‬الغثيان،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬والتذكير‭ ‬بها‭ ‬يشكل‭ ‬مفتاحا‭ ‬لفهم‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬وإسقاطاته‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬تغيير‭ ‬فجائي‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭.. ‬غابت‭ ‬الجزائر‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬بسبب‭ ‬أزمة‭ ‬الخلافة‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬وعاشت‭ ‬عزلة‭ ‬قاسية،‭ ‬حين‭ ‬تفرغت‭ ‬لمشاكلها‭ ‬الداخلية‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬حراك‭ ‬شعبي‭ ‬كاسح،‭ ‬نتيجة‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬خانقة‭ ‬بسبب‭ ‬تراجع‭ ‬أسعار‭ ‬البترول،‭ ‬منذ‭ ‬الأزمة‭ ‬النفطية‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬الشباب‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬البطالة‭.. ‬وهناك‭ ‬ارتفاع‭ ‬صاروخي‭ ‬لأسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬كيف‭ ‬ستسير‭ ‬الأمور‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬استمرار‭ ‬الجائحة،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬التحسن‭ ‬التدريجي‭ ‬الذي‭ ‬يساعد‭ ‬عليه‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬مؤخرا،‭ ‬فإن‭ ‬الجزائر‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬للعودة‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭. ‬وبحسب‭ ‬آخر‭ ‬تقرير‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬فقد‭ ‬تراجع الاقتصاد‭ ‬الجزائري‮ ‬بنسبة‭ ‬6‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وظل‭ ‬عجز‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للسنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأخيرة‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬إلى‭ ‬17‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‮ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬أحمد‭ ‬أويحيي‭ - ‬المسجون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬فساد‭- ‬لجأت‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2017،‭ ‬إلى‭ ‬طبع‭ ‬العملة‭ ‬المحلية‭ ‬لتغطية‭ ‬العجز‭ ‬وسداد‭ ‬الدين‭ ‬الداخلي‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭ ‬الجزائري‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬طبع‭ ‬ما‭ ‬قيمته‭ ‬56‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬ماي‭ ‬2019‭.. ‬وسجلت‭ ‬ميزانية‭ ‬الجزائر‭ ‬عجزا‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فاق‭ ‬2700‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬22‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ورغم‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخانقة‭ ‬وتداعياتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بسبب‭ ‬الوباء‭ ‬وشلل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الميزانية‭ ‬نحو‭ ‬التسلح‭ ‬مع‭ ‬توقيف‭ ‬ميزانية‭ ‬الاستثمار،‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬ببيع‭ ‬السندات‭..‬



في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬انتقلت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم،‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬حتى‭ ‬تغيير‭ ‬المعطيات‭ ‬الجيو‭ ‬إستراتيجية‭ ‬لصالحه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالكركرات‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬نونبر‭ ‬الماضي،‭ ‬والاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬وفتح‭ ‬قنصليات‭ ‬وسفارات‭ ‬دول‭ ‬مؤثرة‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬العيون‭ ‬والداخلة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬شركات‭ ‬كبرى‭ ‬تغادر‭ ‬الجزائر،‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬يستقبل‭ ‬استثمارا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬ورغم‭ ‬ثقل‭ ‬الأزمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬استطاعت‭ ‬المملكة‭ ‬أن‭ ‬تدبر‭ ‬التوازنات‭ ‬بضرر‭ ‬أخف،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قوة‭ ‬المؤسسات‭ ‬المتدخلة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفيروس‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬أعطى‭ ‬قوة‭ ‬أكبر‭ ‬للدولة‭ ‬وثقة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تفتقده‭ ‬الجزائر،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬الوطنية‭ ‬الشوفينية‭ ‬تتزايد‭ ‬بشكل‭ ‬ملفت‭ ‬للانتباه‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬أحد‭ ‬تجليات‭ ‬الإعداد‭ ‬السيكولوجي‭ ‬للحرب‭ ‬كشرعية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوجود ‭.‬



إن‭ ‬خشية‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬تحرر‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعيق‭ ‬تطوره،‭ ‬وشكل‭ ‬تأثيره‭ ‬الإقليمي‭ ‬وازدياد‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬اكتساحه‭ ‬لمواقع‭ ‬نفوذ‭ ‬تقليدية‭ ‬للجزائر،‭ ‬يجعل‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬يزداد‭ ‬وطأة‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬وحده‭ ‬دافعا‭ ‬نحو‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إنها‭ ‬حتمية‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬مستحيلة‭ ‬أو‭ ‬مستبعدة‭ ‬حتى ‭. ‬

المصدر : جريدة العلم الورقية

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 2 يونيو/جوان 2023
في نفس الركن