تعكس هذه الإجراءات رؤية ترامب لاستعادة القوة الاقتصادية الأمريكية، وفق شعاره "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". مستلهمًا نهج الرئيس الخامس والعشرين، ويليام مكينلي، يوظف ترامب خطابًا شعبويًا مباشرًا يجد صدى واسعًا لدى قاعدته الانتخابية. كما أن نفوذه السياسي، المدعوم بسيطرته على الكونغرس والمحكمة العليا، يمنحه هامشًا واسعًا لتنفيذ أجندته دون معارضة تُذكر.
لكن هذه السياسة لا تقتصر على مجرد فرض رسوم جمركية؛ بل تحمل أبعادًا استراتيجية أعمق. فباستهداف كندا والمكسيك أولًا، يراهن ترامب على قدرتهم المحدودة على الرد. غير أن ذلك لم يمر دون ردود فعل، إذ أعلنت كندا فرض رسوم انتقامية بنسبة 25٪ على بعض المنتجات الأمريكية، بينما اكتفت المكسيك بالإعلان عن إجراءات مضادة دون تحديد تفاصيلها. أما الصين، فقد حذرت من أن التصعيد لن يؤدي إلى انتصار أي طرف، مؤكدة أنها سترد بالمثل على أي إجراءات أمريكية.
يثير هذا النهج الحمائي تساؤلات جوهرية: هل يسعى ترامب بالفعل إلى إعادة توطين الصناعة الأمريكية وحماية الاقتصاد الوطني، أم أن الأمر مجرد ورقة تفاوضية؟ باعتباره رجل أعمال متمرسًا في المساومة، قد يستخدم هذه الرسوم الجمركية كوسيلة ضغط للحصول على تنازلات من الشركاء التجاريين. لكن مدى نجاح هذه الاستراتيجية لا يزال موضع شك.
إعادة توطين الصناعات الأمريكية ليست مهمة سهلة ولا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها. خلال ولاية جو بايدن، أطلقت إدارته برنامج "قانون خفض التضخم" (IRA) بقيمة 370 مليار دولار، بهدف تعزيز الصناعات الخضراء والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. غير أن عودة ترامب إلى السلطة أدت إلى إلغاء هذا المشروع تحت ضغط جماعات الضغط النفطية والمشككين في التغير المناخي، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.
في ظل هذه التغيرات، يزداد القلق بشأن تداعيات هذه السياسة الحمائية على الاستقرار الاقتصادي العالمي. فظهور قوى جديدة مثل مجموعة "بريكس" والجنوب العالمي يعكس واقعًا جديدًا لم تعد فيه الولايات المتحدة اللاعب الوحيد في الساحة الدولية.
وفي هذا السياق، حذر اقتصاديان بارزان، أرنو كوستينو من MIT وأندريس رودريغيز-كلاري من بيركلي، في مقابلة مع صحيفة لوموند، من أن رفع الرسوم الجمركية بشكل مستمر قد يقود إلى حرب تجارية عالمية، مما يؤدي إلى تراجع حركة التجارة الدولية وتقويض التعاون في قضايا جوهرية مثل مكافحة الفقر، التغير المناخي، وتعزيز الأمن العالمي.